رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اعترافات "بخار البريستو"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بخار البريستو أجمل وصف يمكن من خلاله ترجمة ما جرى لمصر خلال السنوات الفائتة. بعد خمس سنوات من التيه يمكن براحة ضمير أن نتساءل إن كان ما جرى فى ٢٥ يناير عام ٢٠١١ ثورة حقيقية أم مجرد انتفاضة غضب.
ذلك ما يحاول صديقنا الهادئ عماد الغزالى مناقشته فى كتابه الممتع «بخار البريستو» الذى يقدم فيه شهادته ككاتب على موجتين من الغضب ونظامين سقطا ووجوه صعدت وأخرى تعرّت وانكشفت تحت مطر الحوادث المتلاحقة.
وعماد الغزالى الذى كان واحدا من الحانقين بشدة على قبائح نظام مبارك يعترف بعد سنوات من سقوطه أن الحالة المصرية لم تكن فى حاجة إلى ثورة مثلما هى فى حاجة إلى إصلاح منظم ومدروس وتدريجى. بل إنه يقول فى صراحة إن ما جرى فى يناير كان أشبه بانتفاضة غضب لفتت الأنظار ودقت نواقيس الخطر لتوقظ أصحاب العقول بأن شيئا ما لا يسير فى اتجاهه الصحيح، وإن البلد الذى كان رائدا وقائدا فى المنطقة بدأ يفقد بريقه بسبب الفساد والترهل والرخاوة.
ثانى اعتراف يقدمه الكاتب بشأن تيار الإسلام السياسى الذى أحسن كثير من الناس الظن به فأساء إلى الجميع. الوطن ونخبته ومثقفوه وساسته وكافة بنيه. إنه يقول صراحة إنه رغم دراسته تاريخ جماعة الإخوان خدع مثل ملايين المصريين، مصدقا شعاراتهم «نحمل الخير لمصر»، و«اسمعوا منا لا تسمعوا عنا». لقد كانت مصر على موعد مع بخار «البريستو» فى يناير ٢٠١١ الذى تصاعد رويدا، مطلقا صفارة إنذار قبل أن يتصاعد إلى أعلى، ثم تكرر المشهد بتصاعد أشد فى ٣٠ يونيو عندما خرج الملايين شاهرين غضبهم باحثين عن منقذ ومخلص، وهو ما توافق مع ظهور عبد الفتاح السيسى وإطلاله على المشهد. إن الكاتب يحلل فى هدوء وتعقل مصطلح «الانقلاب» الذى يطلقه البعض على ٣٠ يونيو، مسترجعا ما جرى فى الحالة السودانية، موضحا أن الانقلاب تقوم به فرقة من فرق الجيش، أما أن يخرج الناس بالملايين لشطب مشروع تغوّل وأمم قومية المصريين فهو أمر غير مسبوق ودافع لأى جيش وطنى للتحرك لتنفيذ مطالب الناس. ذلك الجيش الذى يستشهد أبناؤه كل يوم فى سيناء وغيرها برصاص الغدر والإرهاب ويضن عليهم الإخوة النشطاء بلقب «شهيد». إن عماد الغزالى لا يجد حرجا أن يكتب فى صراحة أنه لا توجد مؤسسة فى مصر يتجلى فيها النسيج الوطنى سوى الجيش، بل إنه لا توجد مؤسسة ليست لديها حسابات مصالح ولا امتدادات وأجندات خارجية سواه. إنه ليس جيش مبارك ولا النخبة ولا رجال الأعمال ولا جماعات التأسلم، وإنما هو جيش الشعب المصرى العظيم. وربما كان ذلك ما دفع الرجل أن يهدى الكتاب إلى جيش مصر. ما يقوله فى شهادته كثير، وربما يتفق معه البعض، ويختلف معه آخرون، لكنه جدير بالتسجيل ولفت الأنظار.