الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصدر.. وسيف اليزل!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أستبعد- أولا- وقبل الدخول فى غمار كتابة السطور القادمة أى تأثير لآراء «شخصانية» ربما يتصور البعض «وفقا لأعراف اللحظة السياسية الراهنة» أنها تؤثر على توجه ورؤية الكاتب، وبناء عليه أدخل- مباشرة- إلى مقال يتعلق برجلين كان لهما أبلغ التأثير على الأزمات التى أحاطت بالبرلمان الجديد، قبل أن يبدأ أعماله مستهدفا التحليل الموضوعى المجرد.
اللواء خالد الصدر أمين عام مجلس النواب السابق الذى استقال بسبب عدم حصوله على ليسانس حقوق واللواء سامح سيف اليزل رئيس ما سمى ائتلاف دعم مصر والذى تعرض لأزمات وانسحابات من الكتل الرئيسية المشكلة له وبما أفضى إلى وضع يشارف على التفكك وبداية أقر أن صلة مودة تجمعنى بأحدهما ولكن ليس لهذا أدنى تأثير على توجه سطوري، التى تأبي- دوما- الخضوع لغير (الاعتبارات) وليس (الميول والنزاعات) أيا كانت.
وأجمل- بإيجاز- أسباب العناصر التى أحاطت بأزمتى الرجلين بمجلس النواب الجديد فى العنصرين التاليين:
أولا: الرجلان جاءا من خلفية مؤسسة أمنية (المخابرات العامة)، وليس لأحدهما أي خبرات سياسية أو حزبية (عملية)، ومن ثم فإن عدم ملاءمة أيهما للموقع أو المنصب الذى افترضنا وجوده فيه، يأتى أمرا طبيعيا، وفى حالة خالد الصدر فإن الموضوع ليس- فقط- عدم حصوله على ليسانس الحقوق وهو شرط إجرائى ضرورى لشغل مقعد أمين مجلس النواب، ولكن الموضوع شمل بعض أداءاته فى الشهور القليلة التى تولى فيها مزاولة مهمة أمين مجلس النواب قبل أن يفطن المستشار العجاتى وزير الشئون البرلمانية إلى عدم حصوله على مؤهل عال من إحدى كليات الحقوق.. ومن ذلك ما سجلته ووثقته بالكتابة عنه فى جريدة «الأهرام» من قبل، وأعنى به اهتمامه البالغ بنشر صوره وأخباره فى الجرائد وهو ما لم نعتد عليه فيمن شغلوا هذا المنصب، وكان ضمن ما أذاعه الرجل خبرا عجيبا يقول إنه التقى السفير البريطانى جون كاستن لبحث العلاقات البرلمانية بين البلدين، وتعجبت أشد العجب من ذلك الخبر الذى أذاعته قناة (صدى البلد) قبل أن ننتخب مجلس النواب، فأي علاقات برلمانية تلك التى رأى خالد الصدر أن يبحثها مع السفير البريطاني؟، وهل كانت تلك من مهام أمين مجلس النواب أم أنها من واجبات رئيس لجنة العلاقات الخارجية أو رئيس لجنة الأمن القومى أو رئيس اللجنة الاقتصادية أو غيرها من لجان المجلس بحسب الموضوع الذى يتم بحثه مع السفير، أما خالد فمهامه إجرائية وإدارية.
ولكن فقط الأرجح أن خالد الصدر استسهل التفاوض مع السفير البريطانى، لأنه يتكلم العربية، ولأن خالد له بعض إلمام بالشئون البريطانية منذ وقت عمله فى لندن بإحدى المؤسسات الدبلوماسية المصرية.
وبعد ذلك تعددت أخبار الصدر وصوره بشكل مبالغ فيه يعطى لمنصبه إيحاءات بصلاحية أوسع- كثيرا- من طبيعته ومهامه، وقد تدعم ذلك المسلك بطريقته التى استعلت على توجيهات رئاسات أكبر منه فى الجهازين التشريعى أو التنفيذي.
أما سامح سيف اليزل فقد وقع فى نفس الخطأ إذ خلط- على نحو مستفز- بين طبيعة مهمته السياسية التى بدأت مع تجهيز قائمة (فى حب مصر) للانتخابات، وبين طبيعة شخصيته الأمنية، وعلى نحو جعل رؤاه أو آراءه تبدو- دائما- وكأنها تعليمات لا تصد ولا ترد، وساعد على ذلك التئام مجموعات كبيرة من المستقلين- الذين- ينتمون فى معظمهم إلى الحزب الوطنى المنحل- حول سامح وفيما عرف بائتلاف دعم الدولة أو دعم مصر، إذ عانى أولئك الناس- طويلا- من فترة إبعاد ونفى وحصار وإقصاء، فكانت عودتهم إلى حضن ما تصوروه (الدولة) ممثلا فى شخص سيف اليزل أمرا حظى بإجماعهم كونه يعود بهم- فى تصورهم كذلك- إلى بلاط الدولة الذى يرتبط بتربيتهم السياسية وممارستهم العملية وهذا ليس فيه عيب على الإطلاق، ولكن العيب هو فى فساد الاستدلالات المتعلقة بحجم دور سامح سيف اليزل أو طبيعته، ومدى تمثيله للدولة من عدمه.. وربما فاقم ذلك الوضع المفعم بالأغاليط أن كمال الجنزورى هو من بدأ حكاية (القائمة شبه الرسمية) وأعطى بسلوكه وطريقته فى إدارة الأمر انطباعا قويا جدا بأن ما يفعله يمثل الدولة، لا بل ويمثل الرئيس وقد كتبت- وقتها- فى «الأهرام» ما يمثل اعتراضا على ذلك بعنوان: «إنتى جاية تشتغلى إيه» مستنكرا ذلك الدور (السياسي) الذى يقوم به رجل يبلغ ٨٤ عاما، مدعيا أن أحد مقاصده الكبرى هو تمكين الشباب!
كما أن طبيعة سيف اليزل- نفسها- كانت تعطى انطباعا قويا بأنه يمثل الدولة، إذ كان يتعمد- بغموض- أن يحجم عن إجابة بعض الأسئلة التى توجه إليه تليفزيونيا في أى موضوع، مبتسما (بنفس الغموض) قائلا: (لا تعليق- No comment) وبما كان يمثل إيحاء بأنه يعرف أكثر مما يعرفه فعلا بكثير.
وأخيرا جاءت تصرفات بعض أعضاء ائتلاف سيف اليزل وبالذات أسامة هيكل الذى لعب دورا أساسيا فى تشكيل الائتلاف، لتؤكد أن الائتلاف يمثل الدولة والرئيس، الذى وضع ذلك الائتلاف صوره على ملصقات قائمة فى حب مصر قبل بداية الحملة لإطلاقها، وهو ما تم تداركه بسرعة وإيقاف تلك العملية التى حاولت الاتكاء على شعبية الرئيس على نحو عسفى ثبت أنه ليس حقيقيا.
ثانيا: وبمناسبة الرئيس فلقد لفتنى ذلك الإلحاح الذى مارسه خالد الصدر على الصحفيين الذين يغطون أنباء مجلس الشعب، للإيهام بأن له علاقة (يومية) بالرئيس، وهو ما أجدنى مضطرا إلى نفيه بكل قوة، كونى رصدت- بالمصادفة وعلى نحو شخصي- الطريقة التى تصرف بها خالد الصدر إزاء ترشيح (اللواء عبدالفتاح السيسى مدير المخابرات الحربية السابق) لأحد الصحفيين كى يصبح من قيادات مؤسسة صحفية، وكيف تعمد خالد الصدر التهوين (علانية) من أهمية ترشيح مدير المخابرات الحربية، لا بل واتصل بالصحفى الذى رشحه السيسى، مؤكدا أن ذلك الترشيح لن يفيده، وأنه (أى الصدر) هو الذى يقوم بالترشيح.
ومن جهته فإن اللواء سامح كان أمام كل من يتحدث إليه، يبالغ- كثيرا- فى تأكيد علاقته بالمخابرات العامة، فى حين أن هذا الجهاز الوطنى المحترم جدا من عموم المصريين لم تبدر منه إشارة واحدة، إلى أنه يتدخل فى العملية السياسية أو الانتخابية، وإن كان هناك أربعة أو أكثر من ضباطه السابقين ضمن قوائم الترشح أو مجموعات الأحزاب أو الفردي، فإنهم يمثلون أنفسهم وليس الجهاز بالضرورة.
يبقى أن سامح واصل تغذية الإشارات التى أطلقها البعض عن علاقته بالرئيس، بمواقف مبهمة تؤكدها بأكثر مما تنفيها، وهو مالم ترد أي إشارة من جانب الرئيس لتؤكده.
وربما كان على القمة من المواقف ذات الدلالة فى هذا السياق رد فعل اللواء سامح إزاء ما سألته عنه إحدى السيدات من نادى هليوبوليس عما إذا كان سيصبح نائبا لرئيس الجمهورية (وذلك أثناء الحملة لإقناع الرئيس بالترشح) فما كان من جانب سامح سوى أن قال: (لسه.. ماحدش كلمنى لغاية دلوقت)!!
الإشكالية فى كل ما تحدثت عنه سطور هذا المقال، هى أن خالد وسامح ليست لديهما خبرة سياسية، وأن الاعتماد على خبرتهما الأمنية فقط يؤدى إلى توجسهما من السياسيين، ومن ثم يلجآن إلى مربع أجهزة الدولة ليتوحدا معها، فإن لم تسمح لهما أجهزة الدولة بذلك يتوهمان الصلة، أو يحاولان الإيهام بها.
ومرة أخرى فإن المؤسسات السيادية العظيمة التى انتمى إليها الرجلان محل الكلام (مع كل الاحترام والتقدير للأدوار التى لعباها داخل المربع الأمنى وفى إطار المربع السياسي) لابد أن تعلن- بوضوح مرة أخري- أن أحدا لا يمثلها فيما يدور بمجلس النواب، لأن تلك المؤسسات السيادية أكبر كثيرا من الدخول فى مستنقع أو معترك الخناقة الحزبية التى تدور فى أروقة البرلمان.