الثلاثاء 28 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

النيل.. وثقافة العطش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد ١١ جولة من المباحثات الثلاثية المصرية السودانية الإثيوبية، جرت على مدار أكثر من ثلاث سنوات بشأن أزمة «سد النهضة» لم تتوصل خلالها إلى صيغة نهائية منصفة وحاكمة وكاملة للاتفاق بين الجميع، سوى مزيد من الإجراءات من قبل «أديس أبابا» فى استمرار بناء السد، إضافة إلى عدم التزامها بتنفيذ ما جاء فى إعلان المبادئ الموقع من رؤساء الدول الثلاث فى شهر مارس الماضى.
وقد عمق عدم التزام إثيوبيا بحقوق مصر التاريخية فى المياه من مخاوف المصريين، ربما من شح أو انخفاض تدفق المياه باتجاه مجرى النهر بما يثير الشكوك من إصرار إثيوبيا على تكريس سياسة الأمر الواقع، ونجاحها فى المماطلة والتسويف تارة بادعائها تقديم التنازلات، وتارة أخرى بمزاعم واهية هدفها شراء الوقت لنصبح جميعا أمام حائط مسدود بوجود «سد» دون أن نعرف ما كيفية تشغيله، وحجم تدفق مجرى النهر، ونسبة معامل الأمان للسد إذا ملئ بـ٧٤ مليار متر مكعب من المياه؟
ووفقا لتقديرات الكثير من المراقبين والخبراء، فإنه قد يتسبب «غموض الموقف الإثيوبى» فى عدم الإعلان عن حقيقة معامل الأمان للسد، ودون إخطار دول المصب فى انجراف السد أو انهياره بالكامل، وتصبح كل من مصر والسودان مهددتين بعواقب وخيمة، دون أن تقدم إثيوبيا أى تطمينات بشأن معامل الأمان أو كيفية التشغيل والمدة الزمنية.
مفاوضات الأيام الثلاثة فى الخرطوم بنهاية ديسمبر الماضى لم تحقق شيئا ملموسا سوى الفشل.. بل زادت من شواغل المصريين وتخوفاتهم التى انتهت إلى عدم تحديد الخلافات الأساسية، سواء فيما يتعلق بالوقت وعملية التشغيل وعملية الملء، وفاجأت الجميع بتحويل مجرى النهر عبر سد النهضة، ومروره عبر بوابتين دون إخطار دول المصب، لتطالب مصر بزيادة عدد البوابات حتى تساهم فى زيادة تدفق المياه عبر النهر.
أزمة مياه ضخمة ربما ستواجهه مصر وتضعها والشعب المصرى أمام مأزق خطير وخيارات قد تكون صعبة فى ظل محدودية البدائل المتاحة أمامها، سوى الاضطرار فى الاستمرار فى مفاوضات ربما تكون عبثية.. فيما يرى مراقبون أن مصر أمام مخطط دولى فى أزمة سد النهضة، وهو محل اهتمام من قبل الولايات المتحدة، كما أنه له علاقة بدول إقليمية أهمها اسرائيل.
وبرغم ما تم ويتم تداوله من تقارير إخبارية من هنا وهناك، وفى ظل حالة التعتيم السائدة من قبل المسئولين لدينا عن إدارة ملف المياه دون إعلان واضح عن نتائج تلك المباحثات وما تم التوصل إليه، ليفاجأ الجميع برفض إثيوبيا طلب مصر بمد المهلة الزمنية لملء السد إلى ١٠، سنوات فيما تصر إثيوبيا على ٦، سنوات وإصرارها على عدم وقف أعمال البناء فى السد بما يؤشر بأننا مقبلون على وضع مائى خطير فى كيفية الحفاظ على حقوقنا التاريخية من مياه نهر النيل، استنادا على القواعد والقوانين الدولية الحاكمة، خاصة أن إثيوبيا لم تخطر القاهرة بتحويل مجرى النهر، كما لم تخطرها بتركيب التروبينات، ولا بعدد بوابات السد التى وعدت إثيوبيا بزيادة أعدادها.. وهى فى ظنى محل شك.
ويبدو أن عدم التوصل إلى تفاهمات محددة بشأن سد النهضة، واستخدام القاهرة لغة الدبلوماسية الهادئة أعطى إشارة سلبية لإثيوبيا بأن من حقها أن تفعل ما تريد دون الاستناد لقواعد القانون الدولى، متناسية أن نهر النيل «نهر دولى» من المنبع وحتى دول المصب، وتحكمه القوانين الدولية، ولا سيادة لإثيوبيا عليه.
والمؤكد، أننا كمصريين نحيا فى حالة من الترقب والقلق والهواجس «حتى بتنا نتحسس العطش»، وأن حياة المصريين أصبحت على المحك فيما لو استمرت إثيوبيا فى مماطلتها وتوسيفها فى تأجيل مناقشة بعض بنود اتفاق المبادئ.. والسؤال ماذا لو رفضت أثيوبيا الامتثال للقواعد والقوانين والاتفاقيات الدولية بشأن توزيع المياه وفق الحصص المتفق عليها دوليا؟.. وما الخيارات المتاحة أمام مصر فى مواجهة إصرار «أديس أبابا» على السير قدما فى الاستمرار فى إكمال مشروعها؟ ويبدو أن علينا جميعا كمصريين وعلى القائمين بمتابعة سد النهضة، إما المواجهة بشكل حازم وحاسم فى التمسك بالحقوق دون التواء.. وأن مسألة بناء جسور الثقة المتبادلة بين الدول الثلاث يجب عدم الإفراط فيها من قبل المفاوض المصرى.. وإما يجب علينا كمصريين من الآن فصاعدا أن نتعلم «ثقافة العطش» وليس شح المياه فقط.. والتى سيرفضها شعب مصر وقيادته حتما جملة وتفصيلا.. ليأتى تأكيد الرئيس السيسى مؤخرا فى كلمة اتسمت بالقوة والهدوء يطمئن المصريين أمس «اطمئنوا الأمور ماشية بشكل جيد وبشكل مطمئن، وأنا مضيعتكمش قبل كدا علشان أضيعكم تانى»، لتبدد الكثير من الظنون التى يبدو أنها ستظل فى نفوس المصريين إلى أن يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض.. فنهر النيل بالنسبة لنا جميعا الحياة .. أو الموت دونه.. ولا حلول وسط بينهما.. فقديما قال هيروديت: «مصر هبة النيل» أما اليوم.. فماذا نقول؟