الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ديسمبر.. موسم الاتجار في الإعاقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يبدو أن التعامل مع قضية الإعاقة قد تغير ولو بقدر أنملة، رغم المواد الدستورية التى تضمن لنحو ١٢ مليون مواطن مصرى من ذوى الإعاقة جميع الحقوق، بما يمكنهم من أداء ما عليهم من واجبات نحو الوطن.
صحيح أن هذه المواد لم تترجم حتى الآن فى نصوص قانونية لتفعيلها، لكن وجودها بحد ذاته كان من المفترض أن يلعب دورًا كبيرًا فى تغيير المعالجة المجتمعية والرسمية للقضية، وهو ما كنا سنلاحظه فى أداء مؤسسات المجتمع المدنى والدولة، علاوة على الإعلام بشتى صوره.
فى الثالث من ديسمبر من كل عام يحل موعد الاحتفال باليوم العالمى للإعاقة، ولا يكاد يمر أسبوع دون إقامة احتفالية تنظمها بعض المؤسسات بالتعاون مع بعض الوزارات، وهى فى الغالب تتم بشكل كرنفالى، ويكرم خلالها عدد من ذوى الإعاقة المتميزين رياضيًا فى أغلب الأحيان، ويصحب التكريم كلمات تحتفى بذوى الإعاقة، ولا تخلو من العبارات ذات الدلالة الإنسانية، أو تلك التى تحث على المزيد من التبرع لصالح الجمعيات الخيرية العاملة فى مجال الإعاقة.
ديسمبر يتحول لموسم لجمع التبرعات شأنه شأن شهر رمضان المعظم، وهنا يختفى الحديث عن قضية الإعاقة بوصفها حقوق مواطنة بالدرجة الأولى ليعلوا صوت العمل الخيرى والتبرع لمجموعة من الضعفاء المغلوبين على أمرهم.
هذه الصورة للمعاق كعاجز غير قادر على خدمة مجتمعه ووطنه لا تزال حاضرةً فى أذهان الجميع، ولا يبدو أن أحدًا لديه الوعى الكافى بضرورة تغييرها، بل وبخطورتها على حقوق ذوى الإعاقة. وللأسف يشارك بعض ذوى الإعاقة من أصحاب الجمعيات فى ترسيخها من خلال سعيهم الحفيف لجمع التبرعات بأى صورة، وتشاركهم فى ذلك بعض المؤسسات والجمعيات الكبيرة التى تنفق ملايين الجنيهات من ميزانيتها على الإعلانات، إحدى تلك الجمعيات قدمت خلال السنوات الماضية إعلانًا تليفزيونيًا مستخدمة طفلين كفيفين، قالت إن أحدهما تلقى تبرعًا منها لإجراء عملية لاسترداد بصره فتمكن من مواصلة حياته وتعلم واستطاع أن يمارس حقه فى العمل ويعتمد على نفسه فى تلبية احتياجاته، بينما الطفل الثانى الذى لم يستفد من تبرع الجمعية ظل عاجزًا غير قادر على التعلم وأمضى حياته معتمدًا على إعانات الآخرين. مصمم هذا الإعلان نسى أن من حاز لقب عميد الأدب العربى هو الدكتور طه حسين «الأعمى»، وأن هذا الأعمى كان أول من طالب بمجانية التعليم لجميع المصريين، لكن الجمعية المذكورة رأت فى الرسالة التى يقدمها الإعلان وسيلة سريعة لاستدرار عطف الجمهور.
وللأسف تستمر هذه النظرة حتى فى مجال السياسة، فعلى سبيل المثال قال اللواء سامح سيف اليزل، رئيس قائمة «فى حب مصر»، عندما سئل عن معايير اختياره لذوى الإعاقة فى قائمته، إنه لاحظ عدم تكريمهم بشكل كاف رغم ما يحصدونه من «جوائز رياضية».
أى أن المعيار لم يكن سياسيًا على الإطلاق، ولأن القائمة استسهلت عملية تمثيل الكوتة بالنسبة للمرأة وذوى الإعاقة فاختارت سبع سيدات ذوات إعاقة، ورجلًا واحدًا معاقًا حركيًا، والسيدات السبع بينهن واحدة فقط معاقة بصريًا والباقيات من ذوات الإعاقة الحركية. وكأن المعاق هو الشخص الجالس على كرسى متحرك فقط، ولم يراع تمثيل الرجال أو المعاقين بصريًا وسمعيًا، رغم أن بين المواطنين المعاقين سمعيًا (الصم) من لديه قدرة على القيام بدور ممثل الأمة فى البرلمان.
طبيعة هذا الاختيار تعكس عدم اعتراف القائمة بالصم أصلًا، علاوة على عدم الاعتراف بقدرتهم على التواصل مع المجتمع عبر لغة الإشارة.
والحديث عن الصم فى مصر مليء بالأنات والآهات، فالغالبية الساحقة من خريجى مدارس الصم لا يجيدون القراءة والكتابة، علاوة على الصنعة، فهم مجبرون على التعلم فى مدارس الدبلومات الفنية، ومحرومون جبرًا من التعليم الثانوى العام، ومن ثم من الالتحاق بالجامعة.
أضف إلى ذلك لا توجد وسيلة إعلامية أو ثقافية واحدة تقدم لهم خدمات معرفية ومعلوماتية تخبرهم بحقيقة ما يحدث فى الوطن، وهناك ملايين الصم لا يمتلكون صورة كاملة عمَّا جرى فى مصر من ٢٥ يناير وحتى الآن، ولا يعرفون كيف جاء «الجاسوس مرسى» ولماذا ذهب، أو حتى من هو الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وفى المقابل تركوا لقمة سائغة لمترجمى الإشارة من عناصر الجماعة الإرهابية والتيارات السلفية المتشددة داخل مساجدهم.
هذه الكلمات لكل مسئول فى هيئة حكومية أو جمعية أهلية انشغل بجمع التبرعات والأموال وتناسى الهموم الحقيقية لـ١٢ مليون مواطن مصرى.
للأسف تحولت كل مناسبات الإعاقة فى مصر إلى سوق سوداء للاتجار بقضية الإعاقة الأكثر ربحًا من تجارة كل الممنوعات.