الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المشتاقون للعبودية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تصلنى بشكل دائم على بريدى الإلكترونى رسائل وأخبار من حزب يلحق باسمه صفة الإسلامى فى فلسطين. نادرا ما أقرأ هذه الرسائل، وغالبا أتخلص منها دون تردد، وذلك تأكيدا لموقفى من المسميات التى تحتكر لنفسها صفة الإسلام. ففلسطين كما تربى وتعلم وحلم جيلى واستقر فى وجدانه هى وطن لكل مواطنيها، وأن تحريرها من الاستعمار الصهيونى مسئولية مواطنيها أيا كانت ديانتهم.
وقد استفزتنى رسالة أخيرة وصلتنى من هذا الحزب، وهو خبر تم بثه فى الفضاء الإلكترونى. توقفت أمامها لما تحمله مع كل كلمة من كلماتها عمى القلب والعقل. فهى صادرة عن قلوب وعقول مسكونة بالجهل مع الاعتزاز والإصرار عليه.
الرسالة أو الخبر تنشر خطبة لأحد قيادات هذا الحزب يهلل فيها لإسقاط تركيا الطائرة الروسية، ولا نعرف من أين واتته البجاحة ليقول: «من يسقط الطائرة الروسية قادر على إسقاط الطائرات اليهودية»، قاصدا فى تبجح أن تركيا التى أسقطت الطائرة الروسية قادرة على إسقاط الطائرات «اليهودية» فى تصنيف وتحديد للصراع مع العدو الصهيونى، وقد حولوه من معركة تحرر وطنى إلى صراع دينى وطائفى، وهذا موضوع آخر. أما الإشادة بموقف تركيا فنحن لا بد أن نسأل الأخ القائل «بأمارة إيه يا أخ» متى ضربت تركيا طوبة على صهيونى، ولن نستخدم تعبيرهم الطائفى ونقول «يهودى».
ألا يعرف الأخ المسلم وهو ينفخ صدره ويفرد طوله أن إسرائيل هى المورد الرئيسى للسلاح لتركيا. ألا يعرف أيضا أن تركيا تستورد من إسرائيل الدبابات والطائرات، وأن الدولة العنصرية قد زودت الدولة العثمانية مؤخرا بمنظومة إلكترونية متطورة، وأن العلاقات بينهما يا عميان القلب والعقل، وفقا لتصريح وزير خارجية إسرائيل عقب وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم قائلا بأنها «كاملة ومثالية»، وماذا عن التدريبات العسكرية فى البحر والبر والجو. ألم يصلهم خبر بوجود مستشارين عسكريين إسرائيليين فى الجيش التركى؟ هل ستستخدم تركيا كل هذا العتاد والخبرة الإسرائيلية لضرب إسرائيل أم أنه الغباء القاتل؟!
لم يذكر أو يتذكر هذا الخطيب المفوه موقف تركيا عندما قامت إسرائيل بضرب سفنها التى كانت تحمل مساعدات لغزة نجم عنها قتل تسعة أتراك، وكانت هذه المقتلة فى عام ٢٠١٠، أى فى عز حكم أردوغان. لم تفعل تركيا إلا إرسال بعض إشارات الغضب والعتاب، وهوغضب الأحبة، فلم تثور تركيا لكرامتها ولم تفكر حتى فى إلقاء حجر على من مرمغ بكرامتها الأرض وقتل مواطنيها، واستمر تزويدها بالسلاح الإسرائيلى، وتواصلت العلاقات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية بينهما.
هذا هو الحاضر، أما التاريخ فينطق ليرد على هذا القائل فى خطبته العصماء «إن استهداف الطائرات الروسية لأبطال الشام وللعثمانيين هو استهداف لفلسطين، وأن البطل الذى يسقط الطائرة الاستعمارية الروسية قادر على أن يسقط طائرات الاحتلال اليهودى».
لم يخجل وهو يتحدث عمن أسماهم «الأبطال العثمانيين»، وكأنه يعبر عن اشتياق العبيد لجلاديهم، فهو لم يقرأ سطرا واحدا فى التاريخ الأسود للاحتلال العثمانى لأى بقعة من بقاع الأرض. فهم لم يتركوا سوى المذلة والهوان والتخلف والظلام الذى أطفأ كل الأنوار المعرفية والحضارية فى المنطقة العربية والمناطق الأوروبية التى وقعت تحت الاحتلال العثمانى المختلف.
لا أتوجه بكلامى إلى عميان القلب والعقل، لكننى أتوجه به إلى شباب قد ينخدعون فى هذا الخطاب. خطاب يتحدث عن وهم عودة الخلافة الإسلامية العثمانية، وأقول لهم اقرأوا التاريخ لتعرفوا الجرائم العثمانية. وما نحن فيه من تخلف هو إحدى نتائج هذا الحكم. فكانوا يتعاملون معنا بصفتنا «عبيد إحساناتهم»، استنزفوا ثرواتنا، وأغلقوا أبواب العلم والتحضر والثقافة فى وجوهنا وفى وجه مسيرة التطور العلمى التى سبقتنا إليها أوروبا، حكمونا بقبضة اليد التى من مظاهرها أننا كنا مجرد رعايا، رجال عبيد ونساء جوار، لدى خليفة الدولة الإسلامية العثمانية.
أتوجه إلى شباب قد ينخدع بحلم الخلافة الإسلامية العثمانية، وأقول لهم اقرأوا التاريخ، فليس قدرا أن نعيش فى مستنقع الجهل حتى لو كان من بيننا نفر يشتاق إلى العبودية.