الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يلا نعمل ثورة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«يلا نعمل ثورة».. هذه واحدة من الدعوات الرائجة على مواقع التواصل الاجتماعى استعدادا لـ ٢٥ يناير المقبل، تلك الدعوة وغيرها صارت لغة الخطاب بين صبية صغار، دون إدراك لتبعات وعواقب ما يروجون له فى الفضاء الإلكترونى.. هؤلاء الجالسون ليل نهار أمام أجهزة الكمبيوتر يتصورون أنهم ثوريون ومناضلون.. فالثورات لا تنطلق لأن عينة من البشر تريد إشعالها، لكنها تندلع من أجل الأهداف النبيلة السامية المجردة عن الأهواء والمنافع.. إذا دققنا جميعا النظر لدعاة الفوضى على الشبكة العنكبوتية، سنكتشف أن غالبيتهم من صغار السن وغير القادرين على التمييز.. لم يكن هذا اتهاما من جانبى لهؤلاء.. ألقيه بطريقة عشوائية أو انفعال ناتج عن الغضب مما يصنعون، وإن كنت لا أستطيع إنكار الغضب.
هذه الدعوات جعلتنى أعود بالذاكرة إلى شهر إبريل عام ٢٠١١، تصادف وقتها أننى كنت فى زيارة لأحد الأصدقاء، وتصادف أيضا أننى وجدت إحدى الفتيات لا يتجاوز عمرها الـ ١٨ سنة كانت فى مقابلة مع صديقى، ذهبت إليه بتوصية من رئيس أحد الأحزاب الكبيرة، لكى تكتب مقالا أسبوعيا فى الجريدة التى يترأس تحريرها.. كانت الفتاة الصغيرة قد التقت رئيس الحزب فى أحد الاجتماعات التى تجريها النخبة السياسية آنذاك، وأراد السياسى البارز، كسب ود حركة ٦ إبريل التى تنتمى إليها «البنت»، وبالرغم من أننى لا أعرف اسمها إلا أن تصرفاتها وأقوالها كانت مستفزة.. فأثناء الحوارات الدائرة عن الأوضاع السياسية والهجوم الذى كان يدار بدقة من فئات محترفة ضد المجلس العسكرى.. فجأة قالت الفتاة التى كانت تضع ساقا فوق الأخرى «إحنا خلاص كررنا -تقصد قررنا- أن التنتاوى لازم يمشى -تقصد المشير طنطاوى- إحنا اتفقنا على كده إمبارح»!
لم يكن أمام الحضور فى مكتب صديقى رئيس التحرير، سوى الاكتفاء بتجاهل وجودها وعدم نهرها أو طردها لأنها تنتمى للجنس الناعم وهذا كان نوعا من الشياكة فى التعامل ليس إلا. ما قالته تلك الفتاة لا يبتعد عن ما يدور من ثوار «فيس بوك».. فالدعوات والصبية على حد سواء، حفزا على مواصلتى لما بدأته فى المقال السابق عن قيد الصبية فى جداول الانتخابات، مطالبا فى الوقت ذاته مؤسسات الدولة إيجاد صيغة للتفرقة بين الصبية والشباب لحسم الجدل المشتعل حول هذه القضية، خاصة أن الأحاديث لم تتوقف حول ما أطلق عليه «مقاطعة الشباب للانتخابات».
فقد اختلطت الأمور أمام البعض فى الحكم على الأشياء جراء تداخلها وتشابكها، وهنا أعنى عدم التفرقة بين الأطفال والشباب، والأزمة سببها القانون.. فالقانون يفقد قوته وشرفه وكبرياؤه إذا شرد عن المعقول وتنافى مع قواعد المنطق.. الحديث هنا عن قانون مباشرة الحقوق السياسية.. الذى صار محورا لجدل واسع.. صاحب الانتخابات النيابية التى انتهت مشاهدها قبل أيام قليلة.
القانون أعطى حق الانتخاب لكل مواطن مصرى لديه بطاقة الرقم القومى دون التقيد بالحصول على بطاقة انتخابية مخصصة لهذا الغرض وهى التى تم إلغاؤها فى إطار المزايدات على الشفافية ومنح الفرصة أمام الشباب. بطاقة الرقم القومى ليتم استخراجها فى سن الـ١٦ وتستخدم لإثبات الشخصية أمام الجهات الرسمية، أما حق التصويت فيبدأ من سن ١٨ فما فوق، وهذه الفئة العمرية تبلغ عدة ملايين مقيدين فى الجداول الانتخابية.
تعالوا نقف قليلا أمام قانون مباشرة الحقوق السياسية، حيث جاء مغايرا لما هو معلوم من القوانين المدنية الأخرى التى تعتبر الفئات العمرية من سن ١٨-٢١ من الأطفال لأنهم قصر، أى أنهم «تحت الوصاية أو الولاية»، لأنهم ببساطة لم يبلغوا سن الرشد وهى التى تبدأ من ٢١ سنة ما يعنى أن الفئات العمرية الأقل من ذلك غير مسئولين عن تصرفاتهم الشخصية، كما لا يجوز لهم الترشح أو إصدار التوكيلات من الشهر العقارى، فضلا عن منعهم من التعامل مع البنوك، لأنهم ببساطة وحسب القانون لم يبلغوا سن الرشد.
لذا سأكرر مرة أخرى بل مرات قادمة.. كان هؤلاء قد جرى تقييد حريتهم فيما يملكون باعتبارهم غير كاملى الأهلية القانونية، التى تمنعهم من حق التصرف فيما يخصهم، هذا إذا علمنا أن القوانين الأخرى كانت تتعامل مع الصغار على أنهم أطفال حتى سن الـ ٢١، إلى أن تمت التعديلات على تلك القوانين ونزلت بالسن حتى ١٨ سنة فيما يتعلق بالعقوبات الجنائية فقط.. فالسياق المرتبط بالعقل والمنطق يقول إنه إذا كان ممنوعا من الترشح يصبح ممنوعا من التصويت، لذا سنكرر أيضا.. كيف أعطى لهم قانون الانتخابات حق المشاركة فى تقرير مصير الدولة وانتخاب الرئيس والبرلمان والمجالس المحلية والاستفتاءات؟
الغريب أيضا أن الكشوف الانتخابية تتضمن فئة أخرى مقيدة تلقائيا منها المساجين ونزلاء المصحات النفسية وغيرهما.
الحقيقة أننى لا أرفض قيدهم والمشاركة، لكن لا بد أن تكون القوانين متناغمة، خاصة إذا علمنا أن بعض البلدان العريقة فى الديمقراطية تمنع بعض الفئات من المشاركة لسلامة التوجهات وحسن الاختيار.. كما أن هناك ضرورة تحديد الفئات حتى لا يختلط الحابل بالنابل، مَن يملك الأهلية القانونية يكون مع فى خانة واحدة مع من لا يملكها، وعلى الدولة، أن تجيب عن التساؤلات المطروحة حول هذا الشأن وتوضيح الفروق بين الأهلية القانونية والأهلية السياسية.. بمعنى أكثر دقة.. إذا كان المواطن ممنوعا بقوة الدستور من الترشح فى الانتخابات فهل من حقه الإدلاء بصوته؟ الخلاصة.. تكمن الضرورة فى طرح تلك القضية، بعد أن علم الكافة كيف يفكر مقاطعو الانتخابات.. هم أصبحوا فى عالم افتراضى يعيشونه فى خيالاتهم وأوهامهم.