الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

عبير السعدي في حوارها لـ"البوابة": ضربات التحالف الدولي تمنح "داعش" قبلة الحياة

الباحثة السياسية
الباحثة السياسية والصحفية، عبير السعدى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
■ «التنظيم» يخطط لهجمات إرهابية جديدة.. ومصر وروسيا فى المقدمة
■ مواقع التواصل الاجتماعى خلقت «عولمة داعشية» استغلها التنظيم فى تجنيد الشباب
■ التنظيم حركة اجتماعية ورث علمانية «البعث» وتبنى أفكار «بوش الابن»


قالت الباحثة السياسية والصحفية، عبير السعدى، إن تنظيم «داعش» الإرهابى ليس سوى حركة اجتماعية «علمانية» مسلحة، تمكنت من خلق عالم لها، مستغلة براعة أعضائها فى مجال الإعلام، مؤكدة أن الفترة المقبلة سوف تشهد عمليات جديدة للتنظيم الإرهابى فى أوروبا وغيرها من الدول، خاصة تلك التى تدير خطط القضاء عليه مثل فرنسا ومصر وبريطانيا وروسيا.
وأضافت «السعدى»، فى حوارها لـ«البوابة»، بمناسبة حصولها على الماجستير فى رسالة علمية عن هذا التنظيم الإرهابى، أن ضربات التحالف الدولى الموجهة ضد «داعش» هى فى الحقيقة تمثل قبلة الحياة له، وتمنحه مزيدًا من فرص البقاء.
وأجابت السعدى، فى سياق الحوار عن الكثير من الأسئلة التى تخص هذا التنظيم، وكشفت من خلال دراسة الماجستير الخاصة بها مفاجآت عدة، وإليكم التفاصيل.
■ بداية نود أن نتعرف على بدايات تنظيم «داعش» والهدف من نشأته كما رصدته دراستك؟
- هناك عوامل وقفت وراء وجود هذا التنظيم الذى بدأ فى العراق، وكان مقصودًا له أن يكون فرعًا من القاعدة، ولأن الإسلاميين يستغلون الأيديولوجيا الدينية جيدًا فحينما وقع الاحتلال الأمريكى للعراق وتم حل الجيش العراقى ومحو الذاكرة الأمنية لأجهزة الدولة، تمكن أبومصعب الزرقاوى من إقناع أتباعه بالانفصال وبالجهاد على الأرض العراقية، خاصة أن المتحكم فى العراق وقتها كان حزب البعث العلمانى، والذى خلق ليكون مواجهًا للإسلاميين، وحينما احتلت العراق من الأمريكيين أصبحت أرضًا جديدة مفتوحة أمامهم للجهاد.
■ هل من عوامل أخرى بخلاف ذلك ساهمت فى وجود «داعش»؟
- بالفعل هناك عامل ثالث، وهو الشباب العراقى المحبط، بسبب نشأته فى زمن العقوبات الاقتصادية التى وضعها المجتمع الدولى على نظام صدام حسين، كما شهدوا احتلال الكويت، والحرب ضد بلادهم لتحرير الكويت، ثم احتلال العراق، كل ذلك خلق مناخًا مناسبًا ليجد التنظيم رافدًا شبابيًا له، لذا فهو من أكثر التنظيمات الإرهابية احتواء للشباب، إذن فالإسلاميون وحزب البعث، والشباب، مثلوا عوامل إيجاد تنظيم داعش على أرض العراق، خاصة بعد محو الهوية الأمنية للدولة، وحل الجيش، وأصبح الناتج «داعش»، ذلك التنظيم المتشدد دينيًا.
■ هل أصبح هذا التنظيم دولة مكتملة الأركان داخل العراق؟
- لا.. فهو لم يصبح دولة بعد، فسيطرته متمركزة فى مجموعة مدن وطرق بين هذه المدن ومؤدية إليها، ونحن كباحثين متخصصين فى هذا الشأن نجمع على حقيقة واحدة مفادها أن التنظيم يمثل حركة اجتماعية، رغم أننا اعتدنا على إطلاق اسم الحركة الاجتماعية على الحركات الإيجابية فقط، واستغلوا الدعاية السياسية والإعلامية والإعلام الرقمى فى تضخيم ذاتهم.
■ هل هناك علاقة بين داعش والقاعدة؟
- كل منهما تنظيم إرهابى، لكن القاعدة تترهل وصارت غير جاذبة للشباب، فسعوا إلى التنظيمات الأحدث والتى أعطتهم شيئا جديدا هو العنف الأكثر شراسة وتشددا، فالقاعدة حينما نفذت عددا من الضربات حول العالم، فى بدايتها، كان قادتها يتخيلون أن هذا سيؤدى لصحوة إسلامية وأنها ستتوهج بعد الخلخلة التى ستخلقها عملياتهم فى المجتمعات، مما ينتج عنه ثورة تضعهم فى المقدمة، بينما «داعش» يعمل بسياسة فرض الأمر الواقع، وانتهج طريقة الرئيس الأمريكى، بوش الابن، فتعامل مع المجتمعات التى سيطر عليها بمنطق من ليس معنا فهو ضدنا، لذا كان هو الأكثر عنفا لإجبار الناس على الانصياع له، وهو ما يفسر إصرار التنظيم على ارتكاب مجازر بشعة وإذاعتها بأعلى درجات الاحترافية الإعلامية لينال أكبر نسبة تأثير.
■ فى رأيك ما السبب الرئيسى فى تحقيق داعش التفوق على القاعدة؟
- كلمة السر فى الإعلام، فرغم أن داعش عبارة عن جماعة أو حركة اجتماعية مسلحة، لكن يمتلك آلة إعلامية جبارة، وهذا سر تفوقه على القاعدة، فالأخير اعتمد على أيمن الظواهرى، واعتبر أنه سيحقق صحوة لتنظيمه عبر الإنترنت، لكن داعش اعتمد على التواصل الاجتماعى فخلق عالما له وهذه العولمة الداعشية استفاد منها التنظيم فى تجنيد الشباب حول العالم.
■ هل هناك تعاطف شعبى مع داعش يمده بمزيد من الجنود فى سوريا والعراق؟
- صحيح، لأن التحالف الدولى الذى يدعى أنه يحارب داعش يعطى فى الحقيقة لهذا لتنظيم قبلة الحياة، لأنه يخلق له بيئة حاضنة مبعثها حالة الغضب التى تنتاب الشعب من عنف الضربات الجوية للتحالف الدولى، وعدم التفرقة بين المدنيين وعناصر التنظيم، وهذه كلها أمور تمنح داعش المزيد من فرص البقاء، وتمده بالجنود الراغبين فى الانتقام من المجتمع الدولى، وهذا ما يفسر الهجمات التى نفذها عناصر التنظيم فى فرنسا ومصر وغيرهما، ويؤكده أيضا أن بعض غير المنتمين للتنظيم فعليا ينفذون عمليات فى المجتمعات التى يعيشون فيها، ويبدون بها دعمهم لداعش وأنهم من أنصاره، مثلما حدث مؤخرًا بالولايات المتحدة الأمريكية، فى تلك الجريمة التى خلفت ١٤ قتيلًا، وارتكبها زوجان باكستانيان تعاطفًا مع التنظيم.
■ هل يعنى ذلك أننا مطالبون بتوقع مزيد من الهجمات فى أوروبا وغيرها؟
- بالطبع.. فما جرى فى فرنسا مجرد موجة ستليها موجات فى مختلف أنحاء العالم وفى قلب معظم الدول التى يعتبرها التنظيم على خط العداء معه، خاصة تلك التى تدير خطط القضاء عليه مثل فرنسا ومصر وبريطانيا وروسيا.
■ ماذا عن الدول التى لم يهاجمها التنظيم حتى الآن وأهمها إيران وتركيا؟
- لا بد أولًا أن نعرف أن إيران هى السبب الرئيسى وراء قوة التنظيم فى العراق، بسبب المجازر البشعة التى ترتكبها قوات حزب الله والحرس الثورى المنتشرة هناك، فضلا عن الميليشيات الشيعية التى تدعمها حكومة المالكى خلال فترة وجودها التى تعطى لنفسها غطاء بوجودها ضمن قوات الحشد الشعبى، وهؤلاء جميعا يرتكبون مجازر ضد السنة تزيد من التعاطف مع داعش، والتنظيم لا يريد لهذا الوضع أن يتغير فهو مستفيد من حالة الكراهية والاحتقان ضد الشيعة، ولا يريد أن يقلبها إلى تعاطف بأى مكان فى العالم، لأن المظلومية التى يعيشها السنة على أيدى الشيعة إحدى الحجج المهمة التى يروج بها داعش لنفسه.
■ سبق أن أكدت أن داعش حركة اجتماعية فهل هو أيضا تنظيم دينى طائفي؟
- بالعكس مشاهداتى ومعى عدد ضخم من الباحثين، تؤكد أنه تنظيم علمانى بامتياز، لكنه يستغل الدين، وهذا فارق جوهرى بينه وبين القاعدة، فداعش يمثل وريثًا لأضخم وأهم تنظيم علمانى فى المنطقة وهو حزب البعث العراقى، وهو ما قال عنه صدام حسين إن البعث مثل الطماطم يمكن طحنه مع كل شيء، بمعنى أنه يمكن أن يندمج مع أى أيديولوجيا، وهو ما استفاد منه داعش عند تجنيد شباب البعث الذين عاشوا الفراغ فى غيابه.
■ ما العناصر البشرية التى يعتمد عليها داعش فى قوته؟
- هذا التنظيم يعتمد على مجموعة ضخمة من الشباب من كل أنحاء العالم على اختلاف ثقافاتهم ومستواهم التعليمى، ومنهم خبراء وأكاديميون على مستوى عال من الاحترافية كل فى مجاله، كما أن البغدادى نفسه ليس شخصًا عاديًا كما يصوره الإعلام، وإنما هو حاصل على الدكتوراه من الخارج، فهو على درجة عالية من الذكاء والبراعة وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها، وهو يحسن إدارة التوحش، وهو التنظيم الوحيد الذى يحاول السيطرة على الأرض عن طريق السيطرة على المدن والطرق المفصلية.
■ لماذا توقف التنظيم عن نشر فيديوهات الرعب التى اعتاد عليها فى رأيك؟
- هم يديرون التنظيم بشكل نوعى، فينظمون حملات للعلاقات العامة، وفى مرحلة نشر فيديوهات وقتل الرهائن كانوا بحاجة إلى صنع صدمة عالمية تخيف الجميع منهم، وتخاطب شهوة الراغبين فى الانتقام لينضموا إليهم، وفى مرحلة أخرى بدأوا يشعرون بتعاظم إحساس الغضب ضدهم خاصة أن العالم لم يقف متفرجًا وإنما تعامل مع هذه الفيديوهات فزاد من الترويج لها وإظهار بشاعتها، ما جعل قادة التنظيم يشعرون أنهم يخسرون أكثر بنشر هذه الفيديوهات فأوقفوها فورًا، وهذا يدل على أنهم يدركون تمامًا ما يفعلونه ولا يتحركون بعشوائية كما يظن البعض، ويجب أن نلاحظ أن اختيارهم لزى سجناء جوانتانامو البرتقالى اللون، ليس مصادفة وإنما هو محاولة لاستغلال قضية أثارت العالم، وبيان أن ما يجرى من قبل التنظيم ليس إلا رد فعل وانتقام مما فعله الغرب أولًا.
■ كيف نواجه هذا التنظيم فكريا؟
- داعش يعتمد على نشر الفكر التكفيرى المتشدد، وهذا لا يمكن مواجهته إلا بالفكر المضاد، وذلك ما أدركه العالم وبسببه تم اختيار مصر رئيسا للجنة مكافحة الإرهاب، وأيضا هذا سبب ما ذكره الرئيس الأمريكى أوباما، حين قال إنه بدون المملكة العربية السعودية ومصر لن يتم القضاء على داعش، باعتبارهما أكبر دولتين إسلاميتين فى العالم، واللتين تملكان أدوات الرد على فكر داعش سواء بشيوخ الحرمين، أو بالأزهر الشريف.
■ ماذا عن رأيك الشخصى فى هذه القضية بعد أن أصبحت خبيرة فى سلوك هذا التنظيم؟
- أنا شخصيًا أرى أن مواجهة داعش لن تكون بمزيد من العلمانية، وإنما بنشر التدين الصحيح مع إبعاد الدين بقدسيته عن ألاعيب السياسة وأزماتها، ولا بد من الرجوع للنصوص الدينية الأساسية، وكذا تجديد الخطاب الدينى، بمعنى ألا نشتبك مع النص فى أشياء جدلية، مع الحرص على منح الناس صورة صحيحة للدين، لأن المكون الدينى الصحيح يحمى الناس من الأفكار المشوهة.
■ هل يمكن أن يفجر داعش حربًا طائفية فى المنطقة؟
- هو يسعى لذلك، لكن ببطء وهوادة حتى لا يستفز الغالبية الغالبة من السنة، المعروفين بالاعتدال، إذ أن استفزازهم سيجعلهم يعلنون التبرؤ من الفكرة التى يعتمد عليها التنظيم، فلو سعى التنظيم الإرهابى بقوة ووضوح لتفجير حرب سنية شيعية، قد يؤدى ذلك لإنكار السنة وجود ما يدعو أصلا للخلاف، وهذا يعنى فقدان التنظيم لجانب كبير جدا من الغطاء الذى يحتمى به، والدليل على ذلك حالة الرعب الشديدة التى انتابت التنظيم من رد الفعل المصرى على ما ارتكبه فى ليبيا ضد الرعايا المصريين، ومن رد الفعل الأردنى، عندما دشن الملك عبدالله «هاشتاج» ردا على حرق الطيار معاذ الكساسبة والذى أعلن فيه أن هذا التنظيم لا يمثلنا نحن السنة، والدليل على حالة الخوف التى انتابت البغدادى ورفاقه هو عدم تكرار الهجوم على المصريين والأردنيين على حد السواء.
■ فى النهاية كيف ترين الوضع فى سيناء؟
- الوضع فى سيناء يتجه نحو الاستقرار، بسبب قوة ومتانة الجيش المصرى، وكذلك صلابة الشعب، ووقوفه خلف قواته المسلحة، لكن يجب أن نضع سيناء تحت حماية أمنية ونخلق مصالح اقتصادية للسكان ليدافعوا عنها.