الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

دراسات المركز العربي

بين التأييد والممانعة: الموقف الدولي من ضرب سوريا


صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فجأة، وبدون سابق إنذار، شهد المجتمع الدولي تحركًا سريعًا تجاه الأزمة السورية بعد قيام نظام بشار الأسد بقصف ريف دمشق، على الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يقوم بها بدكّ الريف، وقد صاحب هذا التحرك جدل واسع المدى حول استخدام الأسد السلاح الكيماوي في هذا القصف، الذي أسفر عن قتل أكثر من 1300 قتيل من المدنيين الأبرياء.
لقد اختلف الموقف الدولي من كيفية التعامل مع هذا القصف، وحدث تضارب كبير في التعاطي الدولي مع هذا الحدث الجلل، فقد كان هناك فريق مؤيد لتوجيه ضربة عسكرية محدودة لنظام بشار الأسد بقيادة الولايات المتحدة، وفريق آخر معارض بقيادة روسيا والصين وإيران. وبالرغم من انقسام المجتمع الدولي حول هذه الضربة فإنه قد ثار جدل حول ماهية هذه الضربة، وماذا تعني كلمة “,”الضربة المحدودة“,”، وما هي حدودها، وما هي آثار وعواقب هذه الضربة وفائدتها في معالجة القضية؟ وفي هذا المضمار لم يتفق المجتمع الدولي بشأن كيفية التعامل مع النظام السوري والحد من جرائمه ضد المدنيين، وكان ذلك بفضل التحركات الروسية التي ساعدت ليس فقط النظام السوري على تسليم أسلحته الكيماوية –التي أطلق عليها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل “,”أسلحة الفقراء“,”- ولكن التفتيش عليه أيضًا.
ونتناول في السطور التالية بالتفصيل الموقف الدولي حول الأزمة السورية.

أولاً: موقف المنظمات الدولية من الأزمة في سوريا
يلاحظ في هذا الشأن عدم قدرة المنظمات الدولية على اتخاذ قرارات أو توصيات ملزمة للدول الأعضاء فيها، أو على الأقل بلورة موقف واضح ومحدد تجاه الأزمة. وقد اتضح هذا أكثر مع السعي الدبلوماسي الثنائي والمنفرد خارج الأطر التنظيمية الدولية أو الإقليمية.
1- الأمم المتحدة
تستطيع الأمم المتحدة -عبر الميثاق المنظم لعملها- أن تضفي الشرعية على أية تحركات دولية، سلمية أو عسكرية، تجاه أية أزمة في العالم. ومنذ اللحظات الأولى للأزمة السورية تحركت الأمم المتحدة، وعينت مبعوثًا خاصًّا بها، وعقد مجلس الأمن أكثر من اجتماع، خاصة بعد قصف نظام الأسد ريف دمشق، وتم إرسال فريق من المفتشين الدوليين، نهاية أغسطس 2013؛ للتأكد من قصف الأسد ريف دمشق بالكيماوي.
وسرعان ما تحرك فريق المفتشين الدوليين، وقام بإجراء مقابلات مع المستشفيات الميدانية، وأخذ عينات من أنسجة المصابين لفحصها والتبين من مدى استخدام السلاح الكيماوي في القصف أم لا. وفي أثناء قيام المفتشين الدوليين بأداء مهمتهم تعرضوا للاعتداء؛ مما أدى إلى قطع رحلتهم وعدم إكمال مهمتهم في التحقق من واقعة استخدام السلاح الكيماوي.
وهنا دعا وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافرورف، لضرورة عودة مفتشي الأمم المتحدة إلى سوريا لاستكمال التحقق في واقعة استخدام الأسلحة الكيماوية، وتحديد كيفية التعامل مع هذه الأزمة. وقد أبدى الأمين العام للأمم المتحدة “,”بان كي مون“,” تأييده للمبادرة الروسية، خاصة بعد تراجع موقف الدول المؤيدة لتوجيه ضربة عسكرية محدودة لنظام الأسد، وعلى رأسها المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وتقوم هذه المبادرة على ضرورة استئناف المفتشين الدوليين لعملهم في سوريا وانتظار تقريرهم، كما اقترح الأمين العام للأمم المتحدة، في إطار تأييده للمبادرة الروسية، قيام الأمم المتحدة بوظيفتها في حفظ الأمن والسلم الدوليين، ووضع الأسلحة الكيماوية لسوريا تحت الرقابة الدولية، وحفظها في مكان آمن للتخلص منها، وكذلك توقيع سوريا على معاهدة منع انتشار الأسلحة الكيماوية.
وبناء على ما سبق؛ فلم تتوصل الأمم المتحدة إلى قرار واضح بشأن كيفية التعامل مع النظام السوري؛ نتيجة انقسام المجتمع الدولي بشأن التعاطي مع الوضع السوري، واختلاف مواقف الدول الكبرى، والشلل الذي أصاب مجلس الأمن الدولي من عدم تحديد موعد للاجتماع والخوف من استخدام حق الفيتو تجاه أي قرار يصدر من المجلس بشأن كيفية التعامل مع الأزمة السورية. وهذا يوضح الشلل الذي يصيب منظمة الأمم المتحدة وضرورة إعادة هيكلتها للتناسب مع التغير في الظروف الدولية.
2- الاتحاد الأوروبي
لم تستطع دول الاتحاد الأوروبي بلورة سياسية واحدة تجاه الأزمة السورية، مثلها مثل منظمة الأمم المتحدة. فالاتحاد يضم دولاً تؤيد توجيه ضربة عسكرية محدودة للنظام السوري، وهو ما يتفق مع السياسة الأمريكية في التعامل مع هذه الأزمة، ودولاً أخرى ترى أن هذا الحل العسكري لن يفيد بأي شيء بل سيزيد من الأمور تعقيدًا، وقد يؤدي إلى حرب أهلية واسعة النطاق قد تمتد إلى الدول المجاورة.
وحاولت المؤسسات الرسمية للاتحاد تخطي الخلاف في وجهات النظر للدول الأعضاء؛ حيث دعا البرلمان الأوروبي إلى ضرورة تبني الدول الأعضاء موقفًا موحدًا متماسكًا تجاه الأزمة، وعدم الاتجاه نحو الحل العسكري، وضرورة تبني حل سياسي للأزمة السورية، والحوار مع كافة الفرقاء لعدم التصعيد على مستوى منطقة الشرق الأوسط، ورفض فكرة دعم مشروع الضربة العسكرية بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا.
وفي هذا الإطار حذر ألمار بروك، رئيس لجنة الشئون الخارجية في البرلمان الأوروبي، من أنه حتى في حال توجيه ضربة عسكرية لسوريا ونظام الأسد فإن الحل السياسي يبقى ضروريًّا، كما أكد مارتن شولتز -رئيس البرلمان الأوروبي– رفضه التسرع في القيام بعمل عسكري، مؤكدًا رفضه التدخل السريع أحادي الجانب في سوريا، وأنه ينبغي على المجتمع الدولي العمل معًا اعتمادًا على نتائج تقرير الأمم المتحدة. وفي سياق متصل، وتأكيدًا على اختلاف وتباين موقف الاتحاد الأوروبي كمنظمة من موقف الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود حملة للتدخل العسكري في سوريا، أدان كل من هيرمان فان رومبوي، رئيس المجلس الأوروبي، وجوزيه مانويل باروزو، رئيس المفوضية الأوروبية، استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية في قصفه ريف دمشق، واعتبروها جريمة ضد الإنسانية لا يمكن تجاهلها، ولكن تبقى الدبلوماسية هي أفضل السبل لحل الصراع.
كما أكد رئيس المفوضية الأوروبية على ضرورة العمل في إطار الأمم المتحدة لمعالجة الأزمة السورية. وعلى الرغم من تصريحات هؤلاء المسئولين بشأن التعامل مع الأزمة السورية، فإنه لم يتبلور بعد موقف رسمي للاتحاد؛ نظرًا للانقسام فيما بين أعضائه ما بين مؤيد للتدخل العسكري (فرنسا)، وقد خفت حدة هذه الدعوة بعد تصويت مجلس العموم البريطاني ضد اقتراح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالمشاركة في عمل عسكري في سوريا، ودول رافضة للعمل العسكري، وعلى رأسها (ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا).
ومما سبق فإنه يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي لم يتوصل بعد إلى موقف مشترك وموحد؛ نتيجة الانقسام والاختلاف بين دول الاتحاد حول كيفية التعامل مع الأزمة السورية، وإن كانت تصريحات مسئولي الاتحاد في اتجاه العمل الدبلوماسي، ولكن هذه التصريحات تتم بصورة فردية وليست معبرة عن الاتحاد.
3- قمة العشرين
كانت قمة العشرين، التي عُقِدت في سان بطرسبرج بروسيا، من أكثر الأمور التي عكست بوضوح الانقسام الدولي الحادث بشأن الأزمة السورية وعدم توحيد الموقف الدولي. وعلى الرغم من عدم كونها على أجندة القمة، ولكن نظرًا لأهميتها، فقد ألقت بظلالها على أعمال القمة. وقد تُبودلت الاتهامات فيما بين الدول المؤيدة لتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، بقيادة الولايات المتحدة، والدول الرافضة، بقيادة روسيا والصين.
فقد عقد الرئيس بارك أوباما محادثات غير رسمية على هامش أعمال القمة مع رئيس الوزراء الياباني “,”شينزو آبي“,”؛ لتدعيم خطته في توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري. كما اتهم وزيرُ الخارجية الأمريكي “,”جون كيري“,” الرئيسَ الروسي بانتهاج سياسة “,”التعويق“,”، من خلال الفيتو في الأمم المتحدة؛ لعدم اتخاذ قرار بشأن سوريا، كما وصفت ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة روسيا بأنها تجعل مجلس الأمن “,”رهينة“,” من خلال الفيتو. وعلى الجانب الآخر، وصف الرئيسُ بوتين وزيرَ الخارجية الأمريكي “,”جون كيري“,” بأنه “,”كاذب“,”. كما حذرت كل من روسيا والصين الولايات المتحدة من اتخاذ أي خطوات دون الرجوع للأمم المتحدة.
واللافت أن قمة العشرين انتهت، مثلها مثل باقي المنظمات الدولية، دون بلورة سياسية واضحة المعالم تجاه الأزمة السورية، أو كيفية التعامل معها على المستوى الدولي.

ثانيًا: التلويح بضربة عسكرية محدودة
بعد حماس شديد من قبل الرئيس الأمريكي وإدارته لتوجيه ضربة عسكرية –محدودة من وجهة نظرهم- لنظام الأسد؛ عقابًا له على استخدم السلاح الكيماوي تجاه شعبه، لكن سرعان ما تبدد حماس باراك أوباما، وتم تأجيل هذه الضربة إلى أجل غير معلوم، خاصة بعدما قرر إحالة الأمر إلى الكونجرس الأمريكي
-والذي كان الهدف منه عدم تحمله مسئولية التحرك الفردي بعيدًا عن الكونجرس- وخاصة عقب المؤتمر الصحفي الذي تم عقده بين وزيري الخارجية الروسي والسوري، والذي طرح فيه وزير الخارجية الروسي مبادرته لوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية تمهيدًا للتخلص منها، وتوقيع سوريا على معاهدة منع انتشار الأسلحة الكيماوية.
وقد جاءت هذه المبادرة قبيل مناقشة الكونجرس طلب الرئيس أوباما التفويض بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا. وقد تعاطت الإدارة الأمريكية مع المبادرة الروسية، واتفق وزيرا الخارجية الروسي والأمريكي على ضرورة تفعيل المبادرة من خلال اجتماعهما في جنيف، والذي حدث في الثاني عشر والثالث عشر من سبتمبر 2013؛ تمهيدًا لعقد مؤتمر جنيف الثاني بين النظام السوري والمعارضة السورية؛ للتوصل إلى تسوية سياسية مُرضية لكافة الأطراف، وتقوم على حماية المدنين.
ومن الأهمية القول إن نجاح المبادرة الروسية رهينة توافق الأطراف الدولية بشأن الوضع في سوريا، خاصة بعد قيام الرئيس السوري بوضع شروط لتنفيذ المبادرة، مثل توقف الولايات المتحدة والأطراف الأخرى عن دعم المعارضة، وأن سوريا سوف تقوم بتسليم المعلومات الخاصة بالأسلحة الكيماوية بعد شهر من انضمامها لمعاهدة منع انتشار الأسلحة الكيماوية.
ومن جانبه أعلن الرئيس بوتين عن وضع جدول زمني لتنفيذ وتفعيل المبادرة الروسية، حيث شمل ذلك: انضمام سوريا لمعاهدة منع انتشار الأسلحة الكيماوية، وتسليم المعلومات الخاصة بأماكن تخزين هذه الأسلحة، والسماح لمفتشي المنظمة بالتحقق من ذلك، ودراسة كيفية التخلص منها. ولكن هذا الأمر لاقى رفضًا على المستوى الدولي، خاصة من جانب فرنسا عندما رفضت هذه المسودة، وأصرت على ضرورة تسليم النظام السوري الأسلحة الكيماوية خلال 15 يومًا، وإلا سيتم اتخاذ التدابير اللازمة والتعامل وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما رفضته روسيا واعتبرت أنه يفتح المجال ويمهد للتدخل العسكري في سوريا.
ومن ناحية أخرى؛ فإن القوى الداعمة للقوى المعارضة لنظام بشار الأسد، سواء الدولية أو الإقليمية، ستقوم بدعم قوى المعارضة وتسليحها، والعمل على الضغط عليها فيما يتعلق بشأن الذهاب إلى مائدة المفاوضات مع النظام السوري دون شروط مسبقة.
وبناء على ما سبق، فإنه لا تزال جميع سيناريوهات الأزمة مطروحة على المائدة، وإن خفت حدة التلويح بالتدخل العسكري بعدما أتى بثماره بتخلص النظام السوري من أسلحته الكيماوية.

ثالثًا: نتائج محتملة للأزمة
في إطار الاختلاف في الموقف الدولي تجاه الأزمة السورية، يمكن استخلاص عدد من النتائج المهمة، ومنها ما يلي:
· عدم الاتفاق الدولي بشأن الوضع في سوريا أدى إلى استمرار الوضع على ما هو عليه؛ نتيجة اختلاف المصالح فيما بين الأطراف الدوليين، وسعي كل طرف إلى تحقيق أهدافه ومصالحه، سواء داخل سوريا أو في المنطقة أو على المستوى الدولي.
· إثبات روسيا أنها مفتاح حل الأزمة في سوريا وأنها طرف هام في النظام الدولي، وهو ما وضح من خلال سرعة الولايات المتحدة في تنفيذ المبادرة الروسية بشأن الأسلحة الكيماوية السورية، وطلب الرئيس أوباما من الكونجرس تأجيل مناقشة طلبه في التفويض بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، وهو ما يمثل تراجعًا واضحًا في الموقف الأمريكي.
· استمرار أهمية المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة؛ فإنه لولا تلويح الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين وفي الشرق الأوسط بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، لما تسارع الأطراف الدوليون في الجانب الآخر بطرح مبادرتهم وكسب مزيد من النقاط السياسية لصالحهم.
· أوضحت الأزمة مدى أهمية سوريا في المنطقة؛ باعتبارها إحدى دول المواجهة دائمًا، والتي تمثل تهديدًا للأمن القومي الإسرائيلي. ومن الأهمية القول إن إسرائيل ترغب في التخلص وتجريد سوريا من أي أسلحة كيماوية أو نووية أو بيولوجية يمكن أن تهدد الأمن القومي الإسرائيلي أو تعرقل استمرار التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة. كذلك فإن التعامل مع الأزمة السورية يمثل رسالة واضحة للنظام الإيراني والملف النووي الإيراني.
وختامًا؛ يمكن القول إن الأزمة مثلت صراعًا دوليًّا أكثر من كونها أزمة داخلية. ونتيجة طبيعية لتضارب مصالح الدول الكبرى في الأزمة ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة؛ لم يتم التوصل إلى موقف دولي مشترك حتى الآن. وقد أدى إلى تعقيد الأزمة دعم كل معسكر لطرف داخل سوريا بما يحقق مصالحه على جميع المستويات الإقليمية والدولية؛ مما أدى في النهاية إلى إطالة أمد الأزمة، وجعل جميع سيناريوهات الأزمة مفتوحة، بما فيها التدخل الدولي. ولكن الحقيقة الثابتة في ذلك هي معاناة الشعب السوري من ويلات الحرب الأهلية.