الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

السقوط الأمريكي وقضية الدين والسياسة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يشعر الكثير من الأمريكيين بالقلق من مستقبل تركيب مجتمعهم.. فالولايات المتحدة التى كانت تفخر بكونها بوتقة «صهر» هذا يعنى أن الناس يفدون إليها من مختلف البلدان ومن مختلف الخلفيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. لكن ما إن يحطوا رحالهم فيها حتى ينخرط الجميع على اختلافهم فى بوتقة «الصهر» الأمريكية ليتحولوا كما لو بسحر ساحر إلى مواطن المجتمع الجديد.
واليوم على أى حال «المصهر» لا يعمل وأن التصورات الرومانسية المثالية حول التناغم والانسجام التى سادت الأدب الأمريكى لفترة طويلة من الزمن قد أخلت مكانها لتصورات جديدة حافلة بالشك والكراهية والصراع القيمى والاجتماعى والدينى.. فهناك فى شارع واحد من شوارع سان فرانسيسكو ما لا يقل عن ٤٥ كنيسة ومعبداً تمثل جميع مذاهب ومعتقدات دينية بنفس العدد وتتراوح هذه المعتقدات بين المسيحية الكاثوليكية التقليدية والبوذية مروراً بالبهائية وعبدة النور والبقر والشمس.
إن الدين والدين المزيف يشكلان تجارة أو «بيزنس» يدر أرباحاً كبرى.. وهناك تقدير يقول إن رأس المال السنوى الدوار لمحطات التليفزيون التابعة للكنائس يزيد على ١٠ مليارات دولار.. ويتكاثر عدد المتطلعين إلى خوض التجربة الدينية كطريقة للخروج من مشكلاتهم الحياتية الفعلية.
ويواصل آخرون البحث عن الخلاص عن طريق المخدرات.. وتشتهر الولايات المتحدة بأعلى نسبة تعاط للمخدرات فى العالم.. وهناك أرقام رسمية قليلة وما يسمى من باب الضغينة بـ«صناعة المخدرات» هو المجال الصناعى الوحيد الذى شهد معدل نمو دراماتيكى فى فترة الركود الاقتصادى فى العقدين الأخيرين من القرن الماضى وأيضاً فى الفترة التى أعقبت الأزمة الاقتصادية الأمريكية عام ٢٠٠٨، والتى امتدت تأثيرها العنيف إلى دول العالم.. وثمة رواج واسع لطائفة كبيرة من المخدرات لا يشبه العلن بناصية الشوارع فى كثير من المدن الأمريكية الصغيرة التى تشتهر مبيعاتها بما يسمى المخدرات اللينة مثل الماريجوانا والحشيش.. فى حين أن مراكز المدن الأكبر تشهد رواج مخدرات قاتلة مثل الكوكايين والهيروين و«الكراك» الذى يباع فى الأغلب للسود والفقراء.
ونعود إلى «بيزنس» التجارة بالسياسة لنجد أنه لنتائج استمرار الصراع المحتدم بين القوى السياسية الرئيسية فى المجتمع الانهيار الفعلى للنقاش السياسى حول وظائف المجتمع الذى تتحكم فيه جماعات الضغط وجماعات المصالح اليهودية المتوغلة داخل نسيج المجتمع الأمريكى ومؤسساته وداخل مراكز صناعة القرار.. هذه الجماعات تتكون من كبار رجال الأعمال اليهود أصحاب البنوك والصناعات العملاقة والشركات متعددة الجنسيات وتجار الحروب والإرهاب والدم والتدمير المتحكمين فى مبيعات السلاح والمخدرات والجنس وغسيل الأموال.. إن هذه الجماعات هى التى تشكل نمط وأيديولوجية السياسة الأمريكية على مدار عمر هذه الدولة الأسود بما يحقق مصالحها ويضاعف مكاسبها على حساب أى شىء وكل شىء.. المبادئ والقيم والحق والعدل والسلام والاستقرار والسعادة للبشر على كوكب الأرض.
وفى هذا الإطار نجد الرئيس الأمريكى الأسبق روزفلت تمكن من الفوز بالرئاسة بسبب تبشيره بتدخل الدولة لإنهاء حالة الركود الكبير.. وعمل كينيدى على توسيع حجم وظائف الحكومة الاتحادية بما يتجاوز أى تصور سابق.. أما ليندون جونسون فقد أطلق برنامج «المجتمع العظيم» وهو برنامج جعل الولايات المتحدة فى أقرب نقطة من الدور الاشتراكى للحكومة.. أما فى ظل الرئيسين ريجان وبوش فإن فكرة الفرد لا الجماعة هو المسئول الأكبر عن التقدم الاقتصادى وأن ذلك كفيل بأن يجعل المجتمع أكثر تنظيماً وازدهاراً.. إن هذا الفكر كان مسئولا عن فضيحة «إيران جيت» وقت الرئيس ريجان عندما كان يبيع السلاح والتكنولوجيا المتقدمة إلى إيران حتى تستعر الحرب العراقية الإيرانية فى الثمانينيات من القرن الماضى، وذلك لتدور آلة المصانع والمعدات العسكرية وأيضاً كان هذا الفكر مسئولاً عن ضرب العراق وإسقاط الدولة واحتلالها بعد ذلك فى وقت حكم الرئيس بوش الأب ومن بعده بوش الابن.
وقد حاول أوباما إحياء النقاش حول دور الحكومة بصفة عامة والحكومة الفيدرالية بصفة خاصة لتفادى تهمة الميول الاشتراكية.. وقد حرص الرجل على عدم التشكيك بالأفكار الأساسية بمذهب الفردية الريجانية وهو يعرض نفسه بوصفه نصير الفضائل الرأسمالية.. ولكن يشير أيضاً إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تتعلم بعض الدروس من الأشكال الأوروبية واليابانية للرأسمالية الاشتراكية.. فمن أوروبا نتعلم، ومن ألمانيا فكرة السوق الاجتماعية التى تعنى التدخل الحكومى لتوجيه السوق واجهة اجتماعية.. وهذا أمر مشروع.. أما من الرأسمالية اليابانية فنستطيع أن نتعلم مبدأ الالتزام المتبادل.. التزام العمال بشركتهم والتزام الشركة بعمالها.. وهذا بعكس المبدأ الأمريكى السائد «استأجر عمالك واطردهم».
وبالرغم من كل هذا فلا ينسى العالم أن أوباما هو الذى أوجد داعش وساندها وما زال بالسلاح والمال والتدريب كما فعل مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى مصر وكل الجماعات الإرهابية التى خرجت من عباءتها.
واليوم أصبح الأمريكيون يتشككون فى كل شىء ولا يكادون يتفقون حول أى شىء.. الناس أصبحوا غاضبين فإنك تستطيع أن تشهد العمال يفقدون وظائفهم.. وإناس لا مأوى لهم سوى الطرقات.. والأطفال يفقدون براءتهم ويدخلون فى مشاجرات تنتهى بأن يقتل بعضهم بعضاً.. كما ينتشر داخل المجتمع الشذوذ الجنسى والفوضى ونعرات الانفصال والاستقلال التى تعلنها بعض الولايات المتحدة الأمريكية من وقت إلى آخر.. حقاً إن السقوط الأمريكى قادم لا محالة.