الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المزايدون على البابا تواضروس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
غابت الحكمة والحصافة السياسية عن معظم الذين انتقدوا قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية على خلفية سفره إلى القدس لأداء واجب العزاء والصلاة على الراحل الأنبا أبراهام مطران الكرسى الأورشليمى والشرق الأدنى.
بعضهم لا يزال حبيس قوالب حجرية تحول بينه وبين التفكير المنطقى والتحليل العلمى المستندين للمعلومات والحقائق، بل إنه يرفض مجرد استقبالهما وعرضهما على عقله، لذلك وجدنا من يتهم البابا تواضروس الثانى بالتسبب فى تحرشات طائفية بين المسلمين والمسيحيين المصريين عنوانها الأساسى التخوين على الهوية الدينية معتبراً سفره لأداء واجب العزاء سقطة سياسية خرقت ثوابت الكنيسة المصرية.
الجهل والبلاهة السياسية المعتادان لهذا التيار الحنجورى، دفعاه لتوهم وجود احتقان طائفى مكتوم بين المصريين، وستتسبب الصلاة على روح الأنبا أبراهام فى ارتفاع درجة حرارته وللأسف وجدت الكنيسة المصرية نفسها بين عشية وضحاها فى مرمى سهام الاتهام بالخروج عن الإجماع الوطنى والانقلاب على ثوابت وضعها البابا كيرلس السادس عام ١٩٦٨م وأكدها البابا شنودة الثالث عام ١٩٨٠م بحظر سفر المسيحيين المصريين إلى القدس إلا بعد تحريرها وبصحبة إخوانهم المسلمين.
ورغم تأكيد مسئولين كنسيين والبابا تواضروس ذاته أن الذهاب إلى القدس لا ينطوى على أى دلالات سياسية ولا يعنى بأى حال إلغاء لقرار البابا شنودة الثالث، وأنه جاء لاعتبارات شخصية تخص البابا تواضروس كونه تلميذا للأنبا أبراهام الذى كان أول من استقبله فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون علاوة على الاعتبار الدينى إلا أن الإخوة الحنجوريين لم يقتنعوا وأصروا عبر بيانات ومقالات صحفية على أن أداء واجب العزاء والصلاة فى كنيسة القيامة المصرية بالقدس القديمة من أعمال شيطان التطبيع.
لكن ثمة حقائق يتجاهلها منتقدو البابا تواضروس، أهمها أن لمصر أملاكا فى البلدة القديمة بالقدس الشرقية منها كنيسة القيامة التى صلى فيها البابا على روح الأنبا أبراهام، وديرا مارى جرجس والعذراء مريم وأن بهذين الديرين رهبانا وراهبات مصريين فهل يمكن وصفهم بالمطبعين؟ من وجهة نظر الحنجوريين فلتغلق كل دور العبادة المصرية هناك ولا يتم تعيين مطران أو إرسال رهبان حتى لو كان الثمن أن يضع اليهود المتشددون أيديهم عليها وتضيع كما ضاع من قبل دير السلطان الذى أعطته الحكومة الإسرائيلية للإثيوبيين وترفض إعادته للكنيسة المصرية رغم وجود أحكام قضائية من المحكمة العليا الإسرائيلية تقضى بملكية الكنيسة المصرية للدير وصدر أول هذه الأحكام عام ١٩٧١م.
أظن أن المطالبة باستعادة دير السلطان، والضغط على الحكومة والكنيسة المصرية للتحرك فى هذا الشأن ينبغى أن يكون من ضمن أولويات أولئك الحنجوريين لأن فى ذلك خدمة للقضية الفلسطينية لو يعقلون.
لكن هيهات أن يفعلوا، فالسعى لاستعادة دير السلطان يعنى سفر ممثلين عن الكنيسة والحكومة إلى إسرائيل لأن الضغط على حكومة تل أبيب لا يمكن ولن يكون مجدياً إذا تم هنا عبر وسائل الإعلام المصرية، وهذا الأمر يعنى من وجهة نظرهم الضيقة ممارسة لشكل من أشكال التطبيع. ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية تجاه البابا تواضروس من قبل البعض مزايدة غير مقبولة ليس فقط على وطنيته، وإنما أيضا على وعيه وحصافته، ثم هو قبل ذلك تشكيك فى فطنة ووعى المسيحيين المصريين.
غير أن المزايدة وبث الشكوك من الأمور التى لا تصدر إلا عن فاقد للقدرة على تقييم الأمور ووضعها فى سياقها الصحيح، وهذا ما حدث بالضبط مع قداسة البابا تواضروس، واستقراء نتائج سفره إلى القدس، فقد افترض بعضهم أن فى مصر احتقانا طائفيا سيزداد ويشتعل بسبب سفر البابا رغم أن المصريين مسلمين ومسيحيين استقبلوا خبر سفر البابا لأداء واجب العزاء فى سياقه الشخصى والدينى، علاوة على ذلك لم تعرف مصر احتقانا طائفيا بمعناه الحقيقى ولو كان له أصل لشاهدنا مصادمات طائفية دموية خلال السنوات الأربع الماضية، وتحديدا أثناء اشتعال أحداث ماسبيرو الشهيرة. المصريون أذكى من هذه النخبة الحنجورية التى مارست نوعا من الإرهاب الفكرى ضد البابا تواضروس عندما قالت له «إن سفرك إلى القدس سيؤدى إلى التخوين على أساس الهوية الدينية». لا أستغرب مثل هذا البله السياسى، فهذه النخبة ذاتها من تحالفت مع جماعة الإخوان الإرهابية أيام مبارك وأيدت الجاسوس مرسى فى مواجهة الفريق أحمد شفيق، لذلك هى نخبة مشكوك فى سلامة قدرتها العقلية على الفهم والتحليل.