الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النتائج العالمية لهجمات باريس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تدل التعليقات الصحفية والتقارير السياسية التى ظهرت فى مختلف أنحاء العالم ما أكدناه من قبل، من أن العالم بعد الهجمات الإرهابية على باريس سيكون مختلفا عن قبل ذلك.
بعبارة أخرى تمثل هذه الهجمات قطيعة تاريخية فيما يتعلق باتجاهات وسلوك الدول والشعوب إزاء الإرهاب المعولم.
ولا يرد ذلك فقط إلى حجم الضحايا الضخم الذين سقطوا فى الهجمات مقارنة بهجمات مماثلة تمت فى لندن عام 2005 على سبيل المثال، ولكن لأن نمط الهجوم المتزامن ذاته على أربعة مواقع مختلفة فى العاصمة الفرنسية، وتعمد اختيار مواقع «ناعمة » بمعنى ازدحامها بالجماهير وعدم تواجد قوات الأمن بشكل كثيف يشير إلى تطور نوعى فى عمليات داعش الإرهابية. 
وذلك لأن استهداف الجماهير العريضة الغرض منه بث الرعب فى نفوس سكان العاصمة، والتدليل فى نفس الوقت على أن أجهزة الاستخبارات والأمن الفرنسية عاجزة عن التنبؤ بوقوع الهجمات الإرهابية، وغير قادرة على التعامل الكفء معها.
ومما يؤكد ذلك أن سلطة قوات التدخل السريع الفرنسية التى هاجمت المسرح الذى احتجز فيه مئات الرهائن أدى فى النهاية، نتيجة تبادل إطلاق النار مع المهاجمين، إلى وقوع عشرات الضحايا من رواد المسرح.
ومع ذلك يمكن القول بأن الهجمات الإرهابية التى تعمدت بث الرعب فى نفوس الجماهير فشلت فى القضاء على الروح المعنوية العالية للناس لأنهم خرجوا إلى الشوارع تضامنا مع قوات الأمن، وإعلانا جهيرا منهم أنهم لن يخضعوا للإرهاب، وأن باريس ستقاوم كل العواصف الإرهابية على الرغم من القيود التى فرضها تطبيق حالة الطوارئ على حركة الناس فى الشارع.
غير أنه يمكن القول إن هذه الهجمات الإرهابية حدثت فى وقت حساس للغاية بالنسبة لفرنسا ولأوروبا بصورة عامة.
وذلك لأن ملايين البشر من أهالى سوريا هربوا من جحيم الحرب الأهلية المستعرة والتى تداخلت فيها الخطوط، وتعددت التدخلات الدولية والإقليمية والعربية، وكانت أوروبا هى الملاذ الآمن لهم.
ومما يلفت النظر حقا اختلاف سياسات الدول الأوروبية فيما يتعلق باستقبال المهاجرين سواء فى صورته الإيجابية والتى تتمثل فى الترحيب الواسع بهم كما فعلت ألمانيا بقيادة «إنجيلا ميركل »، والتى استوعبت مليون مهاجر، أو فى الرفض النسبى لموجات المهاجرين وضعا فى الاعتبار التأثيرات السلبية المحتملة على بنية المجتمعات الأوروبية ذاتها.
ويمكن القول بلا مبالغة إن الهجمات الإرهابية على باريس أدت إلى تحول ملحوظ فى سياسات بعض الدول الأوروبية التى أبدت ترحيبا مسبقًا بالمهاجرين فى ضوء نزعة إنسانية أصيلة بعد هجمات باريس.
وهذه الدول بدأت تتحفظ تحفظا شديدا فى استقبال المهاجرين، بل بعضها أغلق الحدود تماما مخافة أن يتسلل الإرهابيون فى صفوف المهاجرين.
والواقع أن الهجمات الإرهابية على باريس فى الوقت الذى لم تجعل الحكومة الفرنسية تتراجع عن جهودها العسكرية فى ضرب مواقع داعش فى سوريا بل إنها كثفت من هجماتها كنوع من الانتقام لما حدث، إلا أنه من المؤكد أن سياسة فرنسا فى المستقبل قد تتغير تحت ضغط الرأى العام الفرنسى نفسه.
وذلك لأن الرأى العام قد يتأثر بما تواتر من أن بعض الإرهابيين صرحوا علانية بأن هجومهم هو انتقام من الغارات الفرنسية على مواقع داعش.
ومن هنا قد يتساءل فريق من الجماهير الفرنسية عن حكمة التدخل الفرنسى فى سوريا خصوصا، وفى الشرق الأوسط عموما، وهى منطقة تحولت فى السنوات الأخيرة لتصبح ساحة صراع عنيفة بين القوى العظمى وبين القوى الإقليمية فى نفس الوقت.
وتثار أسئلة حول تأثير الهجمات على المشهد السياسى الفرنسى ذاته لأن فرنسا داخلة فى القريب العاجل على انتخابات محلية، والتى عادة ما يتصارع فيها أحزاب اليمين المتطرف بقيادة «مارى لوپن » مع غيرها من الأحزاب اليسارية وأحزاب الوسط. ويدور الصراع عادة حول موضوع خلافى هو اتجاه الدولة إزاء المهاجرين من دول المغرب العربى، والدعوة إلى وقف هذه الهجرة من خلال إغلاق الحدود، وفى نفس الوقت المناداة بتحجيم المسلمين المقيمين فى فرنسا باعتبار أن الضواحى التى يسكنونها خارج باريس هى المفرخة الرئيسية للتطرف الذى يتحول إلى إرهاب صريح حين تتوافر الشروط الموضوعية له.
وخلاصة الموضوع أن تنظيم داعش الإرهابى والذى تحول إلى خلافة إسلامية مزعومة، قد أدى بسلوكه الإرهابى وجرائمه البربرية إلى عديد من النتائج السلبية بالنسبة للعالم الإسلامى.
ولعل النتيجة البارزة المؤسفة حقا هى تقديم صورة مشوهة للدين الإسامى.
ولا شك أن ما يعرضه تنظيم «داعش » على شاشات التليفزيون من نشر صور قطع رقاب الرهائن، سواء كانوا أجانب أو عربا، أو إحراقهم أحياء أو إغراقهم، يقدم صورا مشوهة لفريق من الإرهابيين الذين ينتمون شكلا إلى الإسلام.
ومن ناحية أخرى فإن الفوضى العارمة فى سوريا والعراق وما أدت إليه من مصرع عشرات الألوف من السكان، أو نسف منازلهم وتحويلهم إلى لاجئين يفرون من بلادهم إلى أوروبا بحثا عن ملاذ آمن، قد أدت إلى تحويل اتجاهات بعض الدول الأوروبية من اتجاهها للترحيب بالمهاجرين إلى التحفظ الشديد، بعد وقوع الهجمات الإرهابية، فى السماح لهم بعبور حدودها.
وهكذا تصبح الخسارة صافية بالنسبة للمهاجرين البؤساء الذين هربوا من بلادهم فرارا من الفظائع الدموية إلى أوروبا، ولكنهم قد يقفون على حدود بعض الدول الرافضة لاستيطانهم، مما يشكل مأساة إنسانية كبرى ليس لهم فقط ولكن للعالم بأسره الذى لا يستطيع فى ظل الثورة الاتصالية أن يغض البصر عن المآسى الإنسانية.
غير أن بعض المحللين السياسيين ذهبوا إلى أن القضاء على الإرهاب لن يتم للأسف الشديد فى الأجل القصير. بل إن بعضهم يقررون أن محاصرة الإرهاب والقضاء عليه قد يستمران إلى عشر سنوات على الأقل.
وقد بنوا تقديراتهم على أساس أن الإرهاب المعولم- عكس الإرهاب التقليدى الذى كان ينشط فى إقليم مما يمكن من حصاره- أصبح بحكم التطرف السائد فكرة سابحة فى الهواء، يمكن أن يلتقطها أى متطرف أو متعصب، وسواء كان مسلمًا أو أجنبيًا غير مسلم، وقد يعمل منفردًا أو مع جماعة قليلة العدد فى ارتكاب هجمات إرهابية يصعب على قوات الأمن اكتشافها مسبقًا.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الإرهاب يمثل الجيل الرابع من الحروب لأدركنا صعوبة أن تتعامل معه الجيوش النظامية بحكم عقائدها العسكرية التقليدية.