الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رقابة خطيبتي "20"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى اليوم التالى قابلت فاطمة زميلتى وصديقتى طيلة سنوات المعهد وما بعده.
وكانت علاقتنا يلوح فى أفقها مشروع خطوبة، فحكيت لها أننى قد أعطى مسرحية لفرقة نجوى سالم، فقالت على الفور إنها لن تعرفنى بعد اليوم إذا أنا تعاملت مع القطاع الخاص، فابتسمت وقلت لها ببساطة، إنها حرة أن تقاطعنى ولا تعرفنى ثانية، الطريف أنها كانت قد سمعت عن الاشتراكية عن طريقى ولم أكن اشتراكيا ولم أدعُها أبدا إليها ولم تكن هى اشتراكية، فقد كنت قد كوّنت رأيى فى الاشتراكية وغيرها من المذاهب.
وعندما ذهبت للمسرح أنا وصبحى وقرأت على نجوى سالم الفصل الأول، قالت، إن المسرحية لا تصلح إلا لمسارح مؤسسات الدولة! ومشيت غير آسف وقلت إنه درس على كل حال، وإن الرفض كان نتيجة لعدم الفهم، فمن المؤكد أنها توقعت مسرحية تتوزع فيها النكات والقفشات إلخ، وغالبا أثر عليها مستشارها عبدالفتاح البارودى الذى كان يمينيا متطرفا وكان اسمى يكفى بأن يحكم على مسرحيتى، رغم أنها لم يكن لها أى علاقة بالسياسة، ومع ذلك كنت قد خططت أن أبدأ بإعطاء أعمالى للقطاع الخاص وليس القطاع العام.! وكان سبب قرارى أن هيئة المسرح التابعة للدولة تنتظر أن يتقدم لها المؤلفون، لا أن تبحث هى عن النصوص الجيدة، وكان لها بعض الكتاب تنتج لهم أعمالهم بغض النظر عن قيمتها وأغلبهم لهم مناصب فى الدولة أو الصحافة، لكنها كانت تقدم أعمالا أحيانا لكتاب جدد، إن كان للكاتب صلة قرابة بالوزراء وأشباههم. 
وأقف هنا لأقول، إن ما قلته قد فعلته، فلم أعرض أى مسرحية على هيئة المسرح ولا حتى للقطاع الخاص، فقد كان دائما هناك من الممثلين أو المخرجين الذين يعرفوننى من يطلب منى مسرحية ويتولى هو تقديمها.
ورغم صدمتى فى فشل تجربة استديو الممثل وحاجتى للنقود كان عندى الكثير من الأفكار للكتابة.. كل أنواع الكتابة. لم أكن مغترا بنفسى أبدا فى كل هذه الأوضاع، ولم أكن أطلب شيئا إلا العمل بالفن. بل إننى سجلت بمذكراتى فى سبتمبر ٧٠ "قررت أننى أجهل من دابة وأننى رومانسى رغم كل شى"!. كانت أعمالى التى أذيعت فى التليفزيون قليلة وتأخذ وقتا طويلا لتتحقق.
ولما كنت فى حاجة إلى نقود فقد فكرت أن أحصل على وظيفة فذهبت إلى محمود أمين العالم رئيس هيئة المسرح وقتها، وكان من قبل زميلا لأمى فى حزب حدتو الشيوعى، فوعد بتعيينى فى إدارة النصوص بالهيئة بعد أسبوعين أو ثلاثة وطلب منى أن أكتب تقريرا عن حالة المعهد الذى تخرجت فيه!. لكن عندما ذهبت له ثانية تهرب منى ربما لأنه خاف أن يتهم بالشيوعية!!.
وحتى لا أكتئب وجدت الحل لمشكلتى وهى أن أشغل روحى بكتابة مسرحية أختبر بها نفسى بل أتحداها وأكون مخلصا معها. فسألتها هل أستطيع أن أكتب مسرحية أقوى من كل ما كتبت، وأكتبها على مهل وأحكم عليها عندما أنتهى منها أيا ما كان الوقت الذى تستنفده؟. باختصار عملت من نفسى رقيبا على نفسى مرة ثانية وقررت أن أكتبها على مهل. مهما طال الوقت ثم أحكم عليها بموضوعية عندما أنتهى ولا يهم إن كانت تظهر يوما على المسرح أم لا.
المهم أن أنجزها لأثبت لنفسى فقط إذا كنت أستطيع أن أكتب مسرحية جيدة وجديدة أم لا حتى ولو وضعتها بعدها فى أدراجى. ألست أحب المسرح ؟. أو أحكم عليها فأعرف عندئذ قدر حجمى وأن موهبتى متوسطة أو قليلة، وفى نفس الوقت أواصل كتابة القصص والتمثيليات والمسرحيات التى بدأتها.
وبعد يوم أو يومين وكأنى أصدرت أمرا لعقلى أن يلهمنى بفكرة مختلفة وجديدة، جاءت لى بداية مسرحية وأنا النوم واليقظة، فقمت ووجدتنى أكتب فيها أول خمس صفحات فى الحال وخيل لى أنها جيدة! وإن كانت لا تصلح للقطاع العام الذى لن أعمل معه على الأقل الآن.
كان ذلك فى مارس ١٩٧١ وأعطيتها اسم "الكلمة الآن للدفاع". ولم أخبر أحدا بها وكنت أتابع الكتابة كلما تسنى لى الوقت من بين المشروعات الأخرى ودون أن أجبر نفسى على الكتابة أبدا. 
وعندما أكملتها حكمت عليها أنها أفضل ما كتبت حتى هذه اللحظة كأنى وضعت لنفسى امتحانا بهذه المسرحية واجتزته.
وكان ذلك فى يوم لا أنساه فقد أكملتها فى الثانية ظهرا يوم ٦ أكتوبر عام ٧٣، وفى الخامسة استمعت فى الأخبار نبأ عبورنا خط بارليف، المهم أنى أغلقت عليها الدرج وقررت أن أنساها إلى حين لا أعرفه، لكنها طبعت بواسطة إحدى دور النشر، وكانت قد ظهرت لى مسرحيات وأفلام ومسلسلات. ثم يقرأ المسرحية المخرج شاكر عبداللطيف فى الكتاب فيتحمس لها بشدة ويقدمها للمسرح القومى الذى يعمل به ليخرجها دون أن يخبرنى ليجعلها مفاجأة لى.