رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"الوجبة".. دلالة وتحول

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الوجبات التى عرضتها المجمعات الاستهلاكية بثلاثين جنيها للوجبة، ليس مجرد دخول للدولة لدعم قطاع من الناس، ولكن نقطة تحول لا بد من بعدها من أن توضح نقاطًا عديدة، على رأسها وأولها وفى المقدمة منها، فضح النظام الاقتصادى القائم على الاحتكارات وآليات السوق التى دفعت بالناس للأكل من الزبالة.. ومن هم هؤلاء المحتكرون.. نريد الحساب بالورقة والقلم، هل هذه الوجبة مدعمة من جهاز الخدمة الوطنية؟ طيب وكم يبلغ الفارق الذى تتحمله الدولة فى كل وجبة؟، وإذا لم تكن مدعمة وتباع بسعر التكلفة كيف وصل سعر تكلفة الفرخة إلى عشرين جنيها؟ وما هو نوع السمك الفاخر كما وصفته واحدة من الجمهور، والزيت، عاوزين نتكلم بالورقة والقلم لما تصل إلى يد المواطن من وجبة نظيفة مكونة من فرخة غير فاسدة وكيلو أرز أو مكرونة زائد سلطة من مكوناتها الفلفل الأخضر الذى يبلغ سعر الكيلو منه ستة جنيهات، ويدفع ثلاثين جنيها، هذه الجنيهات الثلاثون فى الأحوال العادية لا يمكن أن تطعم أسرة ولا حتى فول وطعمية... الناس لا بد أن تفهم لأن مشوارنا طويل.. ولأنه لا يمكن أن تكون هذه الوجبات مجرد أقراص «مسكنة».
لا بد وأن نقارن ما بين طبيعة النظامين، وأن نشرح للناس كيف تصل الفرخة نظيفة ومش فاسدة لإيد المستهلك بثلاثين جنيها.. الدولة لم تتدخل ولا سعت إلى تحجيم قسرى للأسعار لكنها دخلت بآليات السوق. بالمناسبة أول ما يلفت النظر فى هذه الوجبات هو أن المستهلك ليس فقط من محدودى الدخل لكن من شرائح الطبقة المتوسطة التى تصرخ منذ سنين والتى مستمرة فى الانحدار اقتصاديا والتى تلتزم ضرائبيا واجتماعيا وسياسيا.. والتى كاد أن ينكشف سترها هى الأخرى لتلحق ببقية الشرائح.
سيدة من هذه الفئة المتوسطة المتحزمة بالستر قالت إن أكثر ما أعجبها كان وجبات السمك وكان لسان حالها يقارن بين سعرين لا علاقة بينهما.
إذا كنا نعول على ضرب احتكارات المستوردين فلا بد من شرح للآليات وأيضًا لا بد من صورة أوضح. منذ عقود وهناك أسر.
وأسماء بعينها، كل عيلة تمسك بزمام سلعة وتحتكر استيرادها.. وهناك خرائط وأسماء، وهناك ورثة للاحتكارات، من السكر إلى عود الكبريت، وكم من تحقيقات ودراسات فضحت شبكات الاحتكار التى فى فترات كان الأمر يبدو كما لو أن الدولة تدعم الاحتكارات وتقويها بل وتجد لها الحيثية لتفتك بالناس.. الدولة فى العقود السابقة لم تدهس فقط معدومى ومحدودى الدخل، بل أزعم أنها مسحت الأرض بالطبقة المتوسطة الشريفة فى كل المجالات، من الأكل للتعليم للصحة، الدولة التى عليها أن تخدم الجميع لم يكن فى عينيها ولا قلبها إلا الأغنياء، من هنا تبدو «الوجبة» مؤشرا، نقطة تحول فى المنهج والمسار، مجرد بداية تصحيحية، يمكن جدًا لو تم شرح تفاصيلها أن تكون موحية بنقاط تحول فى مسارات أخرى.. مطلوب تصورات تصحيحية فى مجالات عدة منها التعليم على سبيل المثال..
المواطن الذى يجد نفسه إزاء خيارين لا ثالث لهما: إما لا تعليم فى مدارس الدولة أو ذبح وتجارة فى التعليم الخاص الخالى من رقابة الدولة أو ما يسمى بالتعليم الدولى. الوجبة نقطة تحول أيضا لأنها تتويج لفكرة الإنتاج.. الفلفل والفرخة والزيت والملح والصلصة أتصور أنها من الإنتاج وليس حصيلة استيراد.
الوجبة ليست قرصا مسكّنا للتغلب على فوضى السوق، لكن لا بد وأن تكون خطوة لتصحيح المسار، بل وإعادة توظيف وتعريف دور وزارة التموين، بداية للقضاء على الاحتكارات فى الاستيراد التى ليست مسئولة فقط عن ذبحنا، بل هى وشبكاتها التى تتصدى لأى محاولة للاعتماد على الذات والإنتاج.. الوجبة دلالة ونقطة تحول وإلا نكون ننغض نفسنا.