السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مسلمو فرنسا مخاوف وآمال "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ هجمات الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١ على الولايات المتحدة الأمريكية، تصاعدت العمليات الإرهابية على القارة الأوروبية من قبل تنظيمات جهادية إسلامية متطرفة، وقد حظيت فرنسا بنصف هذه الهجمات تقريبًا، ومعظمها كانت على باريس العاصمة الفرنسية. وبالتأكيد فإن إصرار فرنسا على محاربة الإرهاب تاريخيًا فى عدة مناطق حول العالم، هو ما يفسر تعرضها لمثل هذه الهجمات. وجاءت هجمات ١٤ نوفمبر ٢٠١٥ لتؤكد هذا المعنى، حيث شاركت فرنسا مع التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة بشن هجمات ضد داعش وتحديدًا فى يوم ٢٧ سبتمبر عندما قامت بقصف مواقع لداعش بسوريا، وما يهمنا فى هذا المقال مدى ردود الأفعال على المجتمع الفرنسى والمجتمع الأوروبى، عقب الهجمات الأخيرة خاصة أن فرنسا من أكبر الدول الأوروبية التى تعيش على أرضها جاليه إسلامية، حيث يعتبر الإسلام هو الديانة الثانية فى فرنسا، ونسبة المسلمين حوالى ٨.٥ ٪ من عدد السكان ومعظم مسلمى فرنسا نازحون من دول المغرب العربى، حيث يشكلون ٨٢٪ من مجمل مسلمى فرنسا إلى جانب ٩.٣ ٪ من إفريقيا جنوب الصحراء و٨.٦٪ من تركيا و١٪ فرنسيون تحولوا إلى الإسلام، ولقد حظى مسلمو فرنسا بالعديد من المكتسبات، حيث توفر الحكومة الفرنسية أراضى لبناء مساجد فى جميع مدن فرنسا، ولا توجد أى ضغوط على عقائد المسلمين، كما أن معظم المحلات التجارية الكبرى تعمل على توفير اللحم الحلال طوال السنة. ولأن فرنسا دولة علمانية منذ عام ١٩٠٥ فإن الدستور الفرنسى فى مادته الثانية يقر «جمهورية علمانية لكنها تحترم كل الأديان»، ولقد استوطن المسلمون فى فرنسا منذ عام ٩٦ هجرية، ومرورًا بالفتوحات الإسلامية والحملات الصليبية على الشرق، اتجه كثير من المسلمين إلى فرنسا، أما فى العصر الحديث، ومع بداية القرن العشرين، بدأت الحكومة الفرنسية وأرباب الأعمال استجلاب الأيدى العاملة من المستعمرة الجزائرية، لسد العجز فى الأيدى العاملة فى الصناعة، ثم تطور الأمر إلى إقدام فرنسا على التجنيد الإجبارى لعدد كبير من المسلمين من مستعمراتها الجزائر والمغرب وإفريقيا الغربية. لقد سمح الاحتلال الفرنسى لهجرة أعداد ضخمة من المسلمين لفرنسا، حتى بعد الاستقلال، حيث استمرت فرنسا فى سياسة تشجيع جلب اليد العاملة من مستعمراتها ومحمياتها القديمة، ومن هنا ندرك أن معظم الجاليات من المسلمين فى فرنسا، هم من أبناء وأحفاد الطبقة العاملة الوافدة من المغرب العربى، وخاصة الجزائر، هذا لا يمنع من أن يكون هناك ما يقرب من ٨٪ من هذه العمالة تلتحق فى وظائف عليا كمهندسين وأطباء... إلخ. وقد تأتى أعداد أخرى للدراسة والتعليم، وفى الحقيقة فإن الحكومة الفرنسية سمحت للمسلمين بإنشاء العديد من المؤسسات الدينية أهمها «المعهد الإسلامي»، الذى يعرف بمسجد باريس أو المسجد الكبير ويتبعه عدد كبير من المساجد فى أنحاء فرنسا ثم يأتى «اتحاد المنظمات الإسلامية»، وهو تنظيم يعتبر نفسه امتدادًا للإخوان المسلمين، ويدير عددًا من المساجد والمدارس، وينظم ملتقى سنويًا للمسلمين فى فرنسا ويدير الاتحاد معهدًا إسلاميًا يحمل اسم المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية، ويقوم بنشر الكتب باللغة الفرنسية، ثم يأتى بعد ذلك «الفيدرالية الوطنية لمسلمى فرنسا» والتى تأسست فى عام ١٩٨٥ برعاية رابطة العالم الإسلامى وهى تعتنى بشأن الفرنسيين الذين يعتنقون الإسلام، وأخيرا تأتى «جماعة الدعوة والتبليغ»، المعروف عنها أنها من أصل هندى، وتتوخى العمل فى الحقل السياسى، ومعظم عناصرها متجولون زاهدون، وهم يكرسون حياتهم لإعادة أسلمة من ابتعدوا عن الإسلام أو محاولة كسب أنصار جدد، وهم يملكون العديد من المساجد والمصليات فى كبرى المدن الفرنسية، وتدعمهم بعض الدول مثل السعودية ودول الخليج ومسموح للمسلمين ببناء مدارس أو معاهد إسلامية، وقد تكون هناك بعض الكتاتيب ملحقة بالمساجد، لكنها لا يجوز لها إعطاء أى شهادات رسمية، كذلك المدارس الابتدائية والمعاهد الدينية. من الواضح أنه لا توجد مشاكل ذات بُعد عنصرى لدى مسلمى فرنسا وإن كانت هناك مشاكل مثل البطالة أو الخدمات أو الحصول على وظائف خاصة فى الأحياء المسلمة الفقيرة التى يقطنها المسلمون، وتعانى من التهميش، وتتحول إلي مفرخة للعناصر الإرهابية، لعدم قدرتهم على التكيف مع واقع المجتمع الفرنسى، وهى شروط مثالية لتصبح حاضنة آمنة للكثير من الخلايا النائمة، على أن ردود أفعال الجالية الإسلامية بعد ١٤ نوفمبر ٢٠١٥ جاءت قوية وداعمة ومؤكدة على أن المسلمين جزء من المجتمع الفرنسى، وأنهم لا يقبلون التطرف بجميع أشكاله، حيث خرجت خطب يوم الجمعة الماضى موحدة، وفى أجواء حماسية، من قبل جميع الطوائف الإسلامية خاصة فى باريس، حيث احتشد المصلون فى المساجد خاصه المسجد الكبير وتم توحيد خطبة الجمعة لتدين الأعمال الإرهابية وتؤكد وحدة النسيج الوطنى الفرنسى، وأن المسلمين الفرنسيين هم أحد مكونات المجتمع الفرنسى، وقد ارتفعت حدة هذه الأصوات فى مواجهة بعض الدعاوى للانتقام من المسلمين عقب التفجيرات. وهذا ما دفع السيد بان كى مون الأمين العام للأمم المتحدة للتعبير عن قلقه عندما قال: أشعر بالقلق العميق إزاء تعرض المسلمين للانتقام، ومزيد من التمييز نتيجة الهجمات الإرهابية الأخيرة التى شهدتها العاصمة الفرنسية باريس يوم الجمعة الماضى، الأمر الذى سيؤدى إلى تفاقم الاغتراب الذى يتغذى عليه الإرهابيون.
وبقية الحديث فى المقال القادم ..