الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مسار الدولة المصرية على الساحة الدولية.. نظرة موضوعية "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يمكن تقييم مدى ما حققته الدولة المصرية من نجاحات منذ ثورة الثلاثين من يونيو، كموجة تصحيحية لثورة يناير المجيدة، دون رصد موضوعى ودقيق لحقيقة منجزاتها على الساحة الدولية، ومن ثم فمسار صحيح للدولة المصرية على الساحة الدولية، ما هو إلا الامتداد الطبيعى للحركة فى الداخل، والعكس صحيح.
وفى سبيل تشكيل رؤية موضوعية فى هذا الشأن، لا ينبغى أن يفوتنا ضبط الكثير من المفاهيم الحاكمة لتناولنا للشأن الدولى بصفة عامة، وما ينعكس به سلبًا على تقديرنا لموقفنا داخل المنظومة الدولية المعاصرة.
بداية لا يعد منطقًا مناسبًا لمجتمع ينهض بتحول ديمقراطى حقيقى، أن تعتلى خطابنا حسابات لا تستند إلى معايير موضوعية، لنظل أسرى لانفعالات على حساب كل منطق سياسى.
ولا فائدة نجنيها جراء بقاء قناعتنا تحت سطوة اعتبارات أخلاقية لا محل لها فى العمل السياسى، ناهيك عن الصراع السياسى الدولى، وما حمل من قواعد لا تسمح بتجاوزها، ولا تتيح مهربًا من قبول تداعياتها، ومن ثم فانخراط الدولة المصرية فى المجتمع الدولى لا يصح إن لم يكن على أسس سليمة.
ففى العلاقات الدولية، لا دائم إلا المصالح المشتركة، والاعتماد المتبادل، وإذ تتغير المصالح تتبدل، تتحرك الأطراف الدولية بين مواقع الصداقة والعداوة، وتتأرجح العلاقات بين التوتر والتحالف، وترتكز السياسات وفق أيديولوجيات لا تعرف فوق المصلحة قيمة، ولا تعترف أكبر من القوة سبيلًا.
فإذا ما تناولنا العلاقات الروسية ـ المصرية، فإن انحيازًا لتاريخ من الصداقة الحميمة، ربما لا يكفل رؤية موضوعية، إذ تغير السياق التاريخى بتغير القواعد المنظمة للظرف الراهن عنها فى ظل الحرب الباردة التى أتاحت فرصًا للمناورة أمام الدول النامية، تفوق قدراتها.
وعليه، فإن تناولًا أكثر موضوعية، ندرك به كم بات الاشتباك يحكم العلاقات الدولية المعاصرة، حتى لا يمكن فصل ملف عن آخر مما تذخر به الساحة الدولية، فروابط شتى عميقة، وأمن قومى واحد، لا ينزع احتمالية وجود خلافات فى بعض الملفات بين مصر وبعض الأشقاء العرب، ولنا فى ذلك أسوة واضحة فى الملف السورى، فإذا كان الأمر كذلك، فإن تباينات بين مواقف مصر وروسيا تبقى مشروعة، ولا جدوى من الالتفاف عليها هنا أو هناك.
وعليه، فإن تناولًا أكثر موضوعية، لعله يفيد أكثر من الاستجابة لمشاعر متدفقة فى غير أوانها أو مكانها، فليس من شك أن صراع مصر ضد الإرهاب، أمر من شأنه أن يلقى بظلاله من وقت لآخر على «شركاء» التنمية الاقتصادية، خاصة وقد تقدم الدب الروسى، تاريخيا، كثيرا داخل العقيدة الوطنية من هذه الزاوية، وبالتالى كان جديرًا بنا أن نعترف للرئيس بوتين بمسئولياته تجاه الرأى العام الروسى، ومن ثم لا تنقاد الدولة إلى صراع يحقق لأعدائنا أهدافًا أوسع من ضرب السياحة.
كذلك، لا يرتفع كل خلاف فى الرأى، بين مصر وأشقائها العرب، إلى مصاف ما بيننا من صلات وروابط، تصل إلى حد المصير المشترك، ومن ثم لا ينبغى أن تفقد الدولة المصرية سبيلًا تلتقى فيه بمشتركاتنا القومية مع كل اختلاف، سواء بشأن الأوضاع فى سوريا، أو غيرها من الملفات العربية التى باتت فى مقدمة الأحداث الساخنة على الساحة الدولية.
وفى إطار تناول أكثر إدراكًا لمتغيرات السياسة الدولية، يبقى ملف العلاقات المصرية الإيرانية غير قابل للطى والنسيان، ذلك أن تشكيلًا جديدًا لتوازنات القوى فى المنطقة، لا يسمح بتجاوز إيران كدولة محورية، وقوة إقليمية، وهنا تتجلى قدرة الدولة المصرية على صعود سلم مسئولياتها، والارتقاء بما يعبر عن قدرة الدولة على استيعاب قواعد الصراع الدولى باحترافية، خاصة فى ظل مساندة شعبية نالها النظام الحاكم، الأمر الذى يمنحه فرصًا متعاقبة لتغيير مسارات تم هجرها طويلًا بموجب جمود أصاب الخيال السياسى الحاكم لحركة الدولة المصرية.
ولا سبيل أكثر أثرًا فى قوة الدولة، دون الانطلاق من القاعدة الإفريقية، غير أن تطورًا لا ينبغى أن يتأخر عن ذلك، بموجبه نستدعى إلى العلاقات المصرية الإفريقية سبلًا أكثر معاصرة، إذ لم تعد بعثات دراسية، وأخرى علاجية، ولقاءات دبلوماسية متباعدة، تكفى لمد جسور الثقة بعيدًا عن مشروعات اقتصادية فعالة، ذات مردود حقيقى جاذب، فيما يحقق المصالح المشتركة باعتبارها جوهر العلاقات الدولية المعاصرة.
فى هذا الإطار، لم تعد لدى الدولة المصرية فرصة التمهل إزاء حتمية إجراء تغييرات واسعة فى أساليب عمل البيروقراطية المصرية العتيقة، فمعاناة جمة أصابت الكثير من المشروعات التى تم الإعلان عنها فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، مما جعل الخطى لا تواكب سرعة الطموحات التى راجت مع المؤتمر.
وإذا كانت السياسة الخارجية منتجًا محليًا بالأساس، وهى بالفعل كذلك، فإن البرلمان المقبل منوط به التعبير، لما يمثله من إضافة جادة للقوة السياسية للدولة، ومن ثم فاستغراق فى تفاصيل حياتية دقيقة، قد تكون مهمة بالفعل، غير أنها تزيد من الهوة بين البرلمان، ومن يتابعه، وبين مسار الدولة المصرية على الساحة الدولية، وأثره على ما يتحقق فى الداخل من تقدم.