الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرقابة العربية على الكتب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلما سمعت عن وجود رقابة على الكتب فى العالم العربى، ضحكت واندهشت. الرقابة على الكتب هى مهنة النظم الشمولية التى لم تصل إلى أى نتيجة غير انتهاء هذه النظم. كم من الأحاديث عن الرقابة فى الاتحاد السوفيتى التى انتهت بخروج أكثر الأدباء الكبار إلى أوروبا، وانتهى الاتحاد السوفيتى، وعاش الأدباء والكتاب من خلال أعمالهم. الأمر نفسه حدث مع ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، بل حدث مع أمريكا حين كانت المكارثية سببًا فى هروب الكُتّاب والفنانين فى الخمسينات من القرن الماضى.
انتهت المكارثية وعادت أمريكا إلى الطريق القويم، ولماذا نذهب بعيدًا؟ كانت فى مصر رقابة على الكتب حتى عام ١٩٧٩ حين ألغاها الرئيس السادات وكانت هذه من حسناته، وإن ظلت الرقابة على الكتب المستوردة قائمة حتى الآن للأسف، أيام عبد الناصر واحتدام الرقابة كان الأدباء الذين تمنع كتبهم ينشرونها فى بيروت. كانت بيروت فى الحقيقة جزيرة الحريات العربية ومازالت. لم تكن هناك مشكلة مع الكتب فى دول الخليج، لأنها كانت دولًا تسعى للتكوين، كانت الرقابة فى المملكة العربية السعودية قائمة ومازالت، مع تطور الزمن سمحت السعودية فى عهد الملك السابق عبد الله للكتب بالدخول إلى المعارض، دون رقابة، بشرط أن يعود الناشر بما بقى منها ولا يدخلها فى غير أوقات المعارض إلا بعد «الفسح»، أى موافقة الرقابة. كانت هذه ومازالت خطوة جيدة وإن لم تكن كاملة.
لكن المعارض فى الكويت صارت منذ سنوات تحت سيطرة الرقابة للأسف، وفى الفترة الأخيرة اتجهت الإمارات العربية إلى الرقابة أيضًا، ولم يكن ذلك موجودا من قبل. كنت فى شبابى مستعدًا أن أهتم بمسألة الرقابة هذه وأتحدث فيها فى الصحف وغيرها، ومع الوقت صار الموضوع مملًا وسخيفًا، خاصة أن هذه الرقابة تحدث فى زمن الإنترنت العابر للحدود، وأن الكتب كلها موجودة على الإنترنت سواء سرقة أو بشكل طبيعى نظير سعر زهيد. ما أكثر المواقع المجانية، وما أكثر المواقع التى تبيع الكتب على الإنترنت بأسعار زهيدة كما قلت. لم يعد يهمنى موضوع الرقابة، لكنه للأسف لايزال يهم الكثير من الدول العربية.
لا أجد معنى ولا قيمة له، لكن فى الدول العربية يتصورون أن الرقيب مهم للحفاظ على الأخلاق والقيم والتراث والتقاليد وغير ذلك من الكلام الممل المحفوظ، الذى لا معنى له إلا الثبات وعدم التقدم مع العصر. ولم تأخذ أى دولة عربية بعبرة التاريخ، وهى أن الكتب الممنوعة هى أكثر الكتب طلبًا وأكثر الكتب توزيعًا سرًا أو علنًا أو عن طريق الإنترنت كما قلت.
أكتب هذا الكلام بمناسبة معرض الكويت الدولى، الذى يتناقل الكتاب والشباب أخبار الرقابة فيه على الكتب، التى طالت كل الأجيال وخاصة فى مجال الرواية والشعر، بل طالت كتابًا كويتيين أو يعيشون هناك. لم أكن لعدم اهتمامى بالمسألة أعرف شيئًا عن الرقابة فى معرض الكويت إلا منذ عامين أو ثلاثة، حين انتشر خبر منع رقابة المعرض لرواياتى «البلدة الأخرى وعتبات البهجة وقناديل البحر». ثلاث روايات دفعة واحدة.
ساعتها كتبت مندهشًا بحثًا عن أى سبب واضح للمنع. ولأن المعرض منع كتبًا لكتاب آخرين زاد عددهم جدًا، روائيين وشعراء ومفكرين، كتبت أقارن بين الكويت فى السبعينات حين كانت واحة الهاربين من بطش حكامهم من الأدباء والمفكرين، والمصريين على الخصوص. كتبت أقارن بين سنوات السبعينات والآن، لم أعد إلى الموضوع مرة أخرى لاعتقادى وهو اعتقاد حقيقى، أن المنع هبل لا مؤاخذة، فعلى الإنترنت كل شيء كما قلت.
لكنى هذا العام عرفت أنه حتى يوم السبت الواحد والعشرين من نوفمبر لم تفسح الرقابة الكويتية روايتى «أداجيو» والمعرض يقترب من النهاية. لم أعرف القرار بالمنع أو عدمه؟ لكن كل هذا الوقت والكتب ذهبت إليهم قبل المعرض واقتراب المعرض من النهاية، يجعلنى أدرك أن الرواية لن يسمح لها بالعبور، رغم أنها قصة حب كبيرة بين حبيبين.
لا سياسة فى هذه الرواية ولا حتى فيها اسم أى سياسى أو وزير أو غفير. الأسماء الواردة فى الرواية هى أسماء مؤلفى الموسيقى العظام ومقطوعاتهم الموسيقية، فبطلة الرواية عازفة بيانو وحبيبها المحب للفن يجلس معها أيامها الأخيرة فى هذه الدنيا وهى غائبة عن الوعى. لم أذكر اسم أى حاكم أو سياسى حتى لا أفسدها وأخرج بها من عالم الموسيقى والروح إلى العالم اليومى البائس. فهل صار الحب حرامًا أيها الرقيب فى الكويت؟ أقول لك: سأعود لا أهتم وأعرف أن العالم تجاوز الرقباء فى كل الدنيا وخليكم زى ما أنتم. وأدعو كل الأدباء من الكويت وغيرها ألايحزنوا وألا يهتموا، فالكتب الآن عابرة للقارات.