السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ابن تيمية شيعي وليس سلفيًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يظن الكثيرون أن الكارثة الطائفية التي بدأت في المنطقة منذ عام ١٩٧٩ م؛ سببها اختطاف الخمينى وعصبته من ملالى طهران ثورة الشعب الإيرانى ضد الشاه وتأسيس نظام عنصرى طائفى يعادى العروبة ويبغض المسلمين السنة.
رغم صحة التوصيف السابق، إلا أنه يشير إلى أحد جانبى الحقيقة ويغفل الجانب الآخر الذي يعد أكثر إثارة وأشد خطورة من سابقه؛ فالنظام القائم في طهران قبل أن يكون معاديا للعروبة ومحاربا لأهل السنة يعد بالأساس انقلابا وتزييفا للمذهب الشيعى الذي يدعى وهما وكذبا أنه يمثله.
قد يبدو الكلام السابق عجيبا وغريبا بفضل منظومة الأكاذيب والافتراءات التي زرعها وروجها -وما زال- نظام الخمينى، فأصبحنا أمام قضية لا تقبل الخلاف؛ مفادها أن النظام الحاكم في طهران هو الممثل الوحيد للشيعة
وبفضل إجرام وجرائم نظام الملالى بات المذهب الشيعى والتشيع سبة ولعنة، رغم أن التشيع من صميم الإسلام والعقيدة والحضارة مثله مثل التصوف والاعتزال عرفه المسلمون في القرون الثلاثة الأولى المباركة وفق التعبير النبوى الشهير.
لكن يبقى السؤال الحاسم: ما التشيع؟ وفق تصور الأغلبية الكاسحة -إن لم يكن الجميع- يعنى التشيع الاعتقاد بأحقية على بن أبى طالب وبنيه للإمامة بعد وفاة الرسول -ص- ومن ثم يصبح أبوبكر وعمر وعثمان وجميع الحكام مغتصبين لحق على وبنيه -رضى الله عن الجميع- في الإمامة ويتطور الأمر فيُلعن ويُكفر أبوبكر وعمر وعثمان ومن والاهم وأيدهم وهذا هو تشيع الخمينى وملالى طهران سب ولعن وتكفير للمسلمين السنة.. إلا أن هذا التصور يمكن وصفه بالتشيع الزائف الذي انتقل إلى الإسلام من تصورات فارسية وغنوصية وإذا أردنا معرفة معنى التشيع الحقيقى كما تحدثت عنه مراجع تاريخية موضوعية سنرى صورة مغايرة.
وفق المنطق المجرد واعتمادا على المنطق العلمى ليس مقبولا البحث في كتابات أهل السنة عن معنى التشيع لأنها توصف بكتابات الخصوم، لذلك يجب تتبع معنى التشيع في كتابات تيار آخر عقلانى يحظى بتقدير مختلف الفرق الإسلامية ولا يعد معاديا للشيعة بل إنه في مسألة الإمامة تحديدا متفق مع الشيعة في الفكرة الكلية ومختلف في التفاصيل هذا التيار هو المعتزلة فكيف عرفت وأرخت كتب المعتزلة للتشيع ونشأته؟
أول ما يطالعنا في هذا السياق رسالة للجاحظ أحد أبرز زعماء المعتزلة في القرنين الأول والثانى الهجريين بعنوان «العثمانية» وتجد فيها أن مقابل شيعى عثمانى، مبينا أن التشيع يعنى أحقية على بن أبى طالب بالإمامة على عثمان فقط مع الاعتراف بتقديم أبى بكر وعمر على الجميع في حين تعنى «عثمانى» أحقية عثمان بالإمامة بعد أبى بكر وعمر.
أيضا في كتاب «الحور العين» لأبى سعيد نشوان الحميرى أحد علماء المعتزلة في القرن السادس الهجرى نقرأ ص ١٠٠-١٠١: الشيعة ثلاث فرق: فرقة منهم، وهم الجمهور الأعظم الكثير، يرون إمامة أبى بكر وعمر، وعثمان، إلى أن غير السيرة، وأحدث الأحداث.. وفرقة منهم، أقل من أولئك عددًا: يرون الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبا بكر، ثم عمر، ثم عليًا، ولا يرون لعثمان إمامة، وفرقة منهم يسيرة العدد جدًا، يرون عليًا أولى بالإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويرون إمامة أبى بكر وعمر كانت من الناس على وجه الرأى والمشورة، ويصوبونهم في رأيهم ولا يخطئونهم، إلا أنهم يقولون: «إن إمامة على كانت أصوب وأصلح» ثم يقول عن زعيم المعتزلة واصل بن عطاء: كان ينسب إلى التشيع في ذلك الزمان، لأنه كان يقدم عليًا على عثمان.
في نص ثالث في «المنية والأمل» لابن المرتضى الزيدى الشيعى ص ٢٨ يقول عن ابى الهذيل العلاف المعتزلى: «كان شيعيا لأنه كان يقدم عليا على عثمان».
إذن وفق شهادات المعتزلة بل والشيعة التشيع يعنى تقديم على بن أبى طالب على عثمان بن عفان، ومع الاعتراف بإمامة أبى بكر وعمر تبقى إضافة أخرى وهى أن كلمة تشيع كانت تستخدم بمعنيين آخرين هما: الانحياز لعلى ابن أبى طالب في قتاله ضد معاوية وكذلك الانتصار لآل بيت رسول الله -ص- ضد الأمويين.
لكن ماذا عن موقف أهل السنة من التشيع «الحقيقي» كما رصده المعتزلة؟ يمكن في هذا السياق رصد تيارين داخل المذهب السنى: الأول: عثمانى يقدم عثمان، ومن أبرز ممثلى هذا التيار الإمام مالك وأحمد بن حنبل وجميع فقهاء أهل المدينة، يلاحظ أيضا أن هذا التيار كان يرفض تماما الخوض في الخلاف بين على ومعاوية وكان ابن حنبل يقول دائما عن هذا الخلاف: «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم».
والثاني: شيعى يقدم أو يجيز تقديم على بن أبى طالب على عثمان ويمثله: أبو حنيفة وسفيان الثورى والشافعى وفقهاء الكوفة وابن تيمية.
قد يبدو غريبا لأول وهلة وصف ابن تيمية بالتشيع لكن استنادا لشهادة المعتزلة يمكن رصد الأدلة التالية على تشيع ابن تيمية.
أولا: في كتابه الشهير «العقيدة الواسطية» يقول ابن تيمية إن للمسلم –السنى- تقديم على بن أبى طالب على عثمان أو العكس.
ثانيا: يؤكد ابن تيمية في كتبه مرارا وتكرارا على أن الحق كان مع على بن أبى طالب في خلافه مع معاوية ويعتمد على الحديث النبوى: «ويح عمار ستقتله الفئة الباغية».. والذي قتل عمار بن ياسر هو فريق معاوية.
ثالثا: شن ابن تيمية حملة شعواء على أبى بكر ابن العربى الفقيه السنى الشهير لتبريره قتل الإمام الحسين ووصف ابن العربى بالكاذب الجاهل.
رابعا: صال ابن تيمية وجال في «مجموع الفتاوى» ليؤكد على أفضلية سفيان الثورى رافضا تقديم ابن حنبل لمالك بن أنس على سفيان لأن ابن حنبل كان يفضل علماء المدينة على الكوفة لتقديمهم -أي علماء الكوفة- «على» على «عثمان».
إذن ابن تيمية يجيز تقديم «على» على «عثمان» ويؤكد أن الحق كان مع على وليس معاوية وينحاز لآل البيت ضد خصومهم الأمويين، وهذا هو التشيع الحقيقى.
أما عدم سلفية ابن تيمية فيمكن الإشارة إلى الآتي:
أولا: هناك كتاب بعنوان «ابن تيمية ليس سلفيا» لعالم أزهرى يسمى منصور محمد عويس، أصدره في ستينيات القرن الماضى ليؤكد مخالفة ابن تيمية للسلف في الموقف من صفات الله عز وجل.
ثانيا: في كتاب «ابن تيمية الشيخ السلفى» قال الراحل محمد خليل هراس -وهو من إعلام السلفية في العصر الحاضر- إن ابن تيمية خالف السلف في بعض الأمور راجع هامش ص ١٩٥.
ثالثا: إضافة إلى ما سبق فإن أي قارئ لكتب ابن تيمية خاصة ما كتبه في العقيدة يجد أنها قائمة على طريقة المتكلمين وهى الطريقة التي حذر منها علماء السلف خاصة الإمام الشافعي -رحمه الله- الذي قال: «حكمى في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال»
بل إن الشافعى رفض أن يستخدم طريقة المتكلمين في الرد على المعتزلة واكتفى بترديد نصوص القرآن والسنة في حين استخدم ابن تيمية نفس طرق المتكلمين لإثبات عقيدة السلف فهل كان يعجز الشافعى عما قام به ابن تيمية!
يبقى سؤال: إذا كان ابن تيمية هكذا فمن أين أتت مواقع وقنوات وصحف ملالى طهران بهذه الأكاذيب التي لفقوها لشيخ الإسلام؟ أعتقد أن الجواب: ما أتوا به إلا من خبث الضمائر.
كما قال حجة الإسلام أبى حامد الغزالى بمقدمة كتابه «الاقتصاد في الاعتقاد».