الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ميراث الجد واتهام الحفيد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليست القضية في أن خطواته قد قادته إلى مقعد المتهم في ذروة درامية تستحق الكتابة، أن يجلس محمد فتحي رفاعة رافع الطهطاوي أمام وكيل النيابة متهمًا بالمشاركة في احتجاز وتعذيب وتهديد بالقتل لمواطنين تظاهروا احتجاجًا على سياسات الرئيس الذي كان يعمل معه رئيسًا لديوان رئيس الجمهورية.
ليست القضية في تبرئته من الاتهام ولا في كونه محبوسًا الآن على ذمة التحقيقات في الاتهام بالتخابر مع جهات أجنبية، وتزويدها بمعلومات عن الشأن الداخلي.
لا يستطيع أحد أن ينكر إحساسًا بالألم في رؤية أكبر أحفاد المعلم الأول مشيد نهضة مصر العلمية والثقافية رفاعة رافع الطهطاوي، محبوسًا ومقترنًا اسمه باسم شخص مثل أسعد الشيخة، أو حتى محمد مرسي، ومن الإنكار غير المقبول ألا تلقي هذه القضية بسؤال: كيف وصل غثاء هذا التيار إلى عقله؟، وقد تابعنا دفاعه عن محمد مرسي ومشروع جماعته،
فالحفيد مثله كمثل من ينتمي إليهم، مؤمن بأن الغرب الكافر يحارب أمة الإسلام، ويحارب الإسلام نفسه، ولم يقتنع للحظة بتفسير جده العظيم لسبب احتلال فرنسا للجزائر في عام 1830، الذي فسر حرب فرنسا ضد الجزائر ليست انتصارًا “,”للملة المسيحية على الملة الإسلامية، إن الحرب بين الفرنساوية وأهالي الجزائر إنما هي مجرد أمور سياسية ومشاحنات تجارية“,”، ولم يكن في هذا الوقت قد ظهرت مصطلحات الصراع الاقتصادي أو الامبريالية والاستعمار إلى آخره، لكن جوهر الصراع وضحه وأصاب حقيقته الجد بلغة عصره وإنه “,”أمور سياسية ومشاحنات تجارية“,”.
لا يستطيع أحد أن ينكر الصدمة في أن ينتمي حفيد الطهطاوي إلى جماعة تُكفر من آمن بما قاله الجد العظيم عن الدستور الفرنسي الوضعي: “,”حكمت عقولهم بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير الممالك وراحة العباد وكيف انقادت الحكام والرعايا لذلك حتى عمرت بلادهم، وكثرت معارفهم، وتراكم غناهم، وارتاحت قلوبهم، فلا تسمع فيهم من يشكو ظلمًا أبدًا، والعدل عندهم أساس العمران“,”.
إكرامًا للمعلم الذي أسس لنهضة مصر الثقافية والعلمية تابعنا سيرة حفيده، فلم نجد منه انحيازًا لهذا البلد ولا لحضارته ولا للعدل الذي قال عنه جده إنه أساس العمران، بل لم نسمع منه دفاعًا عن تاريخ هذا البلد الذي وصفه بعض ممن انتمى إليهم بأن حضارته عفنة بينما الجد الذي يفصله عن الحفيد قرن ونصف القرن احترم هذه الحضارة ورغم مشاغله الكبرى قام ببداية جمع الآثار المصرية، وأصدر من موقع مسئولياته أوامر بصيانتها وتسجيلها وحفظها لمنع تهريبها وضياعها.
ليست القضية في أن خطوات حفيد الطهطاوي قادته إلى الجلوس على مقعد المتهم، ولكن القضية أن سكن عقله نموذج أراد قهرًا وعنوة أن يطبقه هو وتياره في بلادنا، نموذج لا يختلف كثيرًا إن لم يكن طبق الأصل لخرائب أفغانستان أو قطع الأرض الممزقة في السودان أو بائسة كالصومال، هذه هي النماذج، فلم يقتنع عقله بحلم جده بالنموذج المتحضر لبلادنا.
وسيظل السؤال قائمًا: كيف ننقذ العقول من هذا الخراب، كيف هو السؤال وما العمل؟ وعلينا ألا نهدأ بحظر الجماعة أو حتى تسجيلها جماعة إرهابية، فستظل أفكارها المسمومة تسري في العقول، القضية هي كيف نواجه هذه الأفكار حتى لا يخرج أحفاد جدد لرفاعة الطهطاوي يقوضون ما بناه الجد الأكبر.