الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"إسماعيل مظهر".. حرر فكرك من الأساطير الموروثة "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
متعة بلا حدود للعقل وللنفس والروح إعادة قراءة إسماعيل مظهر، ومعه يظل السؤال مطروحا لماذا يُحجب تراثه الفكرى عن المدارس، خصوصا فى المرحلة الإعدادية والثانوية، وفى وسائل الإعلام وفى فضاء الثقافة عموما.
ولد إسماعيل مظهر عام ١٨٩١، وغادر عالمنا فى ١٩٦٢، وهو واحد من رواد النهضة الثقافية والعلمية، وكان مترجما عظيما. ترجم لطاغور وسيرة المهاتما غاندى. وكانت ترجمته الأكثر جرأة فى ذلك العصر «أصل الأنواع» لداروين بجزئيه عام ١٩١٨، لذا نستطيع أن نقول وبمنتهى الثقة إنه قد سبق عصره.
أصدر إسماعيل مظهر مجلة «العصور»، وكان عددها الأول فى سبتمبر عام ١٩٢٧، ولنتأمل ونفكر فى هذا التاريخ جيدا، ثم لنقرأ شعارها: «حرر فكرك من كل التقاليد والأساطير الموروثة، حتى لا تجد صعوبة فى رفض رأى من الآراء أو مذهب من المذاهب اطمأنت إليه نفسك وسكن إليه عقلك إذا انكشف لك من الحقائق ما يناقضه».
استمر صدور مجلة «العصور» من سبتمبر ١٩٢٧ إلى يونيه ١٩٣٠، وتوقفت عن الصدور بسبب الأزمة المالية التى ألمت به. فقد استدان من البنوك حتى يواصل إصدارها، ولكنه لم يستطع وباع أملاكه سدادا لديونه، حتى إنه قيل فى ذلك الوقت «إن إسماعيل مظهر باع العزبة من أجل القلم». وقد تمت إعادة إصدار أعداد مجلة «العصور» فى مجلد فى عام ١٩٩٨ عن دار زويل للنشر بدعم من صندوق التنمية والثقافة.
انحاز إسماعيل مظهر إلى الفقراء، ورأى أن الفلاحين هم عماد الاقتصاد فى مصر، لذا وضع برنامجا لحزب سماه «حزب الفلاح»، منطلقا من قناعته أن النظام الاقتصادى فى عصره يزيد الغنى غنى والفقير فقرا. وكان من مبادئ الحزب التى عندما نقرؤها نكتشف كم كان سابقا لعصره، ومن بعض هذه المبادئ ما نطالب به حتى هذه اللحظة وما نحلم بتحقيقه ومنها «التسوية بين الناس فى فرص الحياة»، وبلغة عصرنا ما نسميه تكافؤ الفرص و«إلغاء الامتيازات الأجنبية بدون قيد أو شرط، تحريم ملكية الأراضى الزراعية على الأجانب، عدم السماح بإنشاء شركات أجنبية إلا فى ظروف ضيقة، وفى هذه الحالة يُحتفظ للمصريين بنصف أسهمها».
أمن بهذه المبادئ بينما مصر كانت محتلة فى ذاك الوقت، لكنها أساس استقلال الاقتصاد الوطنى. ومنذ أكثر من نصف قرن طالب بـ«فرض ضرائب جمركية خاصة على الكماليات ومواد الزخرفة والرفاهية»، و«القضاء على حركة التبذير السارية فى أكثر مرافق الحكومة»، و«فرض ضرائب متدرجة على الدخل والميراث»، تلك المبادئ التى أمن بها ابن «الباشاوات» هى طبق الأصل ما نطالب به الآن، فنحن نطالب بوقف الاستيراد الترفيهى من الفجل الكورى حتى أكباد الإوز الفرنسية، كما نطالب بوقف الإنفاق الحكومى السفيه الذى يطالب بضرائب متدرجة أى الضرائب التصاعدية فى لغتنا الحديثة.
ومن مبادئ الحزب أيضا أن يكون التعليم مجانيا بجميع مراحله، وتحديد ساعات العمل، وإقرار تعويضات للفلاحين والعمال عند الاستغناء عنهم، مع حقهم فى إعانة البطالة والتأمين ضد الإصابة والشيخوخة، وحقهم فى تنظيم نقابات واتحادات. وكما سبق عصره فى وضع هذه الأسس الاقتصادية كان سابقا لعصره فى رؤيته للمرأة وحقوقها. فكان من مبادئ مشروع حزب الفلاح «المساواة بين المرأة والرجل فى الحقوق السياسية والاجتماعية»، و«منع تعدد الزوجات».
هوجم إسماعيل مظهر بشدة وألقى القبض عليه بتهمة الشيوعية، وبالتأكيد هوجم هجوما شديدا لترجمته أصل الأنواع لداروين، لكنه على أى حال لم يقتل ولم تقم عليه قضايا الحسبة من الجهلاء. وكان من أقواله: «خير لى أن أكون عبدا أطالب بحريتى من أن أكون حرا لا أتساوى مع العبيد».