الأربعاء 05 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"عماد أبوصالح" الذي لا تعرفونه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خبا الشعر، تبخر رويدا من ذائقة المُثقفين، هرب من جمهور القراءة، وخاصمته دور النشر، فصار ملكا غير متوج، وسيدا افتراضيا.
فى بلادى انزوى الشُعراء على حساب الحكائين، وقاطع جمهور القُراء دواوين الشعر لصالح كُتب الفضائح والنمائم، لكن رغم ذلك يبقى شعراء مُجتهدين ومُزعجين بجنونهم وصدماتهم التى ما زالت قادرة على صناعة الدهشة. منهم الشاعر الجامح عماد أبوصالح الذى ما زال موجعا ومُزعجًا بشعره المُنفلت الذى يرد عافية الإبداع كُلما ران السأم ساحة الكلمات. لقد صدمنى الشاعر الصديق قبل أيام بقصيدة جديدة تعيد ترتيب أذهاننا بشأن مُبدعينا بعنوان: «أنا لست مهووسا بـ«فيروز».
أعتذر هنا لمريديها ومَريضيها.
سريعة وهشة وخفيفة كما يليق بفراشة تعوم فى النور.
هى غصن، لا جذر.
وردة، لا شجرة.
صوتها صاف وشفّاف، لكنه معقّم، لا يشبعنى، ولا «يبلُّ ريقى».
كأنه ينقصه عثرة، غلطة، ذرة غبار، نحنحة، أو حبة ملح تحد من حلاوته.
صوت طالع من «الحلق» لا «العمق».
صوت «فينيقى» وطنه الماء، بلا طين ولا رسوخ.
صوت «نخبة» يرفل فى الفرح والراحة.
هو بيت من هواء، لا خيمة لكلاب السكك ومشردى الشوارع.
شوكولاتة، لا رغيف للجوعى.
هو «جنّة» لا يدخلها المطرودون من رحمة الله.
صوت طاهر ونظيف، حرام على الوسخ والتعاسة.
«جارة القمر»، هل هذا مديح؟ لا طبعا، هنا الأزمة.
أزمتها فى علوها، فى «ملائكيتها» ضد «إنسانيتها».
عبقرية أبوصالح تتلخص فى قراءته للجمال والقبح بصور مختلفة، مثلما فعل فى كثير من قصائده المنشورة. أقرأ من كتابه الأخير «كان نائما عندما قامت الثورة» تلك العبارات الرائعة التى يقول فيها:
«لا أحلم لا بأن يشرب الذئب مع الخروف من وعاء واحد، فهذا حلم كبير. لا أحلم بأن يتوقف الناس عن متعة القتل. إن هذا مستحيل. كل حلمى أن يظل القاتل قاتلا والقتيل قتيلا دون أن يختلط علىّ اليد التى غرزت السكين والقلب الذى تلقى الطعنات. أحلم بالحياة حلبة مصارعة، بالعدل، بين الخطأ والندم، لا منتصر ولا مهزوم».
ويقول: فى قصيدة «ذم الأشجار»:
«ما هى العصا؟ غصن شجرة. ما طاولة التعذيب؟ جذع شجرة. ما الصليب، ما الباب الذى يحجب الهواء. ما هو النعش؟ دلونى على شجرة ليس فيها فرع جاهز لتعليق حبل. كل شجرة. إغراء بمشنقة» تصوروا هذا المجنون المُدهش مُسيج بالعُزلة، مُبتعد عن الوسط الثقافى، مُتجاهل من جمهور الثقافة الرسمى.
أقرأ للشاعر عبارته الرائقة «من الخطأ ألا نقع فى الخطأ»، فأفكر كثيرا فى انزواء وعزلة وتجاهل مُبدعين مُدهشين مثله، وأتعجب كيف لا تلتفت وزارة الثقافة لأعمالهم، بينما تطبع أعمالاً كاملة لكثير من المُبدعين غير المصريين.
إننى أستغل وجود مُثقف حقيقى مثل حلمى النمنم على رأس وزارة الثقافة لأكتب أنه آن الأوان أن نُقدر مُبدعينا فى حيواتهم، وعماد أبوصالح نموذجا. والله أعلم.