الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ملفات تنتظر انعقاد البرلمان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الآن.. بدأت صورة مجلس النواب المقبل فى التشكل بعد إعلان نتيجة المرحلة الأولى، وبغض النظر عن اتجاهات النتائج بين المستقل والحزبى، فإن هناك ملفات كبرى تحمل تساؤلات ملحة بات واجبا علينا أن نطرحها، وسأناقشها- هنا- فى نقاط موجزة:
أولًا: هناك مشكلة حقيقية فى تكوين البرلمان الموشك على الاكتمال، وهى (الانضباط الحزبي) إذ لم يعد من الموثوق به تحديد اتجاهات التصويت فى هذا البرلمان، وإذا كان الدستور يمنع (تغيير الصفة) بمعنى عدم قدرة الناخب على إطلاق العنان لرغباته الانتهازية، بحيث ينتقل من مربع حزبى إلى مربع حزبى آخر، فإن التحايل على ذلك الأمر يظل ممكنا، عبر البقاء تحت لافتة حزبه الحالى، والاتفاق على التصويت لقرارات حزب آخر، يعنى عدم الالتزام بتوجيهات ما يسمى فى الخارج chief- whip ويطلق عليه فى مصر (رئيس الهيئة البرلمانية).
وقد كان السيد كمال الشاذلي- أيا كانت آراء البعض فيه - يلعب ذلك الدور بامتياز، بحيث لا يخرج أحد من أعضاء الحزب الوطنى عن فكرة الانضباط الحزبى.
الآن.. ليس هناك كمال الشاذلى، وليس هناك - كذلك - أحد آخر أو شىء آخر، إذ حلت سلطة المال محل كل من هو سياسى أو حزبى أو مبدئى.
ولأن الانتخابات الأخيرة برزت فيها فكرة شراء المرشحين بدلا من شراء الناخبين، فقد ألهمتنا وبالتأكيد ألهمت غيرنا فكرة شراء الأداء البرلمانى نفسه، يعنى دفع أموال مقابل تصويت الناخب بنعم أو لا أو تقديم استجوابات بعينها فى مقابل أموال.
وطبعا مثل ذلك السلوك إذا حدث فى الديمقراطيات الكبرى، يكون بمثابة فضائح مدوية، وأذكر منها ما لحق بالنائب البريطانى المحافظ نيل هاميلتون نائب مقاطعة تاتون فى أواخر عهد رئيس الوزراء جون ميجور، وهى ما عرف باسم: (Cash For Questions) أو الفلوس فى مقابل الأسئلة، حيث كان النائب يوجه أسئلة إلى الوزراء فى مجلس العموم مقابل أموال دفعها له الملياردير المصرى محمد الفايد، وكذلك دعوة له لقضاء ليلتين فى فندق ريتز فى باريس ولوحة وقطعة أثاث ثمينة من محلات بيتر جونز.
هناك كان ذلك السلوك سيصير فضيحة، أما هنا فكل شىء جائز طالما لا نعرف من هذا النائب وإلى أى حزب بالضبط ينتمى.
ثانيًا: مشكلة اختيار الحكومة، فالرئيس - وكما أعلن- سيقوم بعرض حكومة شريف إسماعيل على البرلمان فإذا رفضها، يطلب من الأغلبية فى مجلس النواب تشكيل الحكومة، فإذا فشلت خلال ثلاثين يومًا يحل المجلس.
القصة هنا محكومة بالولاء الملبنى المرن للنواب، فإذا اشتراهم أحد رجال الأعمال- فقط- بالمال، فإن تصويتهم للحكومة أو عند تشكيل حكومة بديلة سيظل مرتبطًا بمصالحهم المباشرة، وهم سيخضعون وفقًا للصورة النمطية القديمة إلى إغراء التصويت لما يريده الرئيس، فسلطة الرئاسة (وفقًا أيضا للصورة النمطية القديمة) لها قوة جذب غير عادية ستجعل أيًا منهم يقفز من مركب رجل الأعمال الذين اشتروه، ليضع ولو طرف قدم فى مركب الرئيس.
ثالثًا: مشكلة عدم وجود الإطار الفكرى، أو العقيدة السياسية التى يؤمن بها رقم حرج كبير من أعضاء مجلس النواب، وبخاصة أن البرلمان الجديد سيواجه بمحاولة وضيعة من بعض الصفراويين المنتشرين فى الساحة السياسية، تقول إن مجلس النواب الجديد يتمتع بالشرعية القانونية، ولكنه لا يتمتع بالشرعية السياسية والشعبية.
ما معنى هذا الكلام الفارغ؟!
إنهم يحيلوننا إلى قوى هلامية غير واضحة المعالم بذاتها، بعد أن تأكد لهم فشل مخططات حشد الناس فى الشوارع كما حدث سابقا منذ ٢٠١١، ولكن الشعب بعد أن كشفهم صار يلفظ طرف أفكار النزول إلى الشارع، وإعادة المشهد القبيح لنخبة خائنة تختطف أحلام الوطن، ولا تسلم ناسه إلا للفقر والانهيار وضياع الأمن، والذين يهون عندهم كل ذلك فى سبيل تحقيق أمجادهم الشخصية وتصديغهم أمام كاميرات التليفزيون، وحصولهم على الجوائز وشهادات التقدير من أمريكا ودول أوروبا.
لا يوجد ما يسمى الشرعية الشعبية أو السياسية.. هناك - فقط- الشرعية القانونية التى تعنى أننا نحيا فى نظام قانونى رشيد Legal- rational- system، فقد انتهى زمن الغوغائية، وهيمنة المهمشين سياسيًا الذين رفض الشعب أفكارهم، وفوضى الشوارع، وعربدة الزلنطحية الأتلاح فى أرجاء الفضاءات السياسية وبراح الوطن كله.
رابعًا: مشكلة تعطيل بعض النصوص القانونية لسلطات الرئيس.
هذه النصوص تعنى أننا - ربما- نكون بإزاء سلطة تشريعية قد يسلمها الأشخاص الذين دفعوا لها، أن تكون برلمانًا للهدم لا برلمانًا للتنمية.
ومن ثم فإن تعطيل أو تعديل المواد التى تحدد سلطات رئيس الجمهورية سيصبح محكًا آخر لتمتع البرلمان بالرضاء الشعبى من عدمه، كما أن حل البرلمان (الذى بنص الدستور لا يمكن لرئيس الجمهورية إلا باستفتاء شعبي)، سيصبح الطريق الوحيد أمام الرئيس إذا شعر بأن البرلمان يقف فى وجه خططه للتنمية ومواجهة التخلف، وبما سيوقع البلاد - حينها - فى أزمة سياسية كبرى.
ومن ناحية أخري - وفى هذا الإطار القانوني- فإن المطاعن الدستورية العديدة التى يطرحها الخبراء حول تشكيل البرلمان الجديد، وبالذات ما يتعلق بقانون الانتخابات وتقسيم الدوائر، يطرح أزمة أخرى لا بد أن يجد البرلمان الجديد وسيلة للتعامل معها.
أى نعم فإن الدستور يشترط إقرار المحكمة الدستورية للطعن، ولكنه جعل مدة الطعن واسعة جدًا على نحو ربما يقلل من جديتها.
ثم من جهة ثالثة - وفى سياق الحديث عن المحددات القانونية - فإن الترديدات التى تتحدث عن تعيين عدلى منصور رئيسًا للبرلمان وجدت من الخبراء القانونيين - وعلى رأسهم تهانى الجبالى نائب الرئيس السابق للمحكمة الدستورية - من يعترض على ذلك الحديث، باعتبار مثل ذلك التعيين إذا حدث (غير دستوري).
فهل يتورط البرلمان الجديد فيما يعد تقاطعًا قانونيًا مع النقاط السابقة وغيرها كثير؟
خامسًا وأخيرًا: هل تختفى الأحزاب الخاسرة، وهل تنشأ أحزاب جديدة استعدادًا للانتخابات القادمة، وكيف ستؤثر تلك الحركة على عمل البرلمان الحالى، والذى لا يمكن أن يشتغل بمعزل عن الحركة السياسية خارجه؟!.