الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

في ذكرى حرب أكتوبر "7"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثيرًا ما يشوب ذكرى توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل قدر كبير من محاولة التناسى، بل والإحساس بما يشبه الخجل؛ كما لو كنا نحاول التبرؤ من ذلك السلام ومعاهدته.
لقد تحقق تحرير سيناء فى خطوات متتالية، استغرقت سنوات طوالًا، بدأت بعبور قواتنا المسلحة وتحطيم خط بارليف فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣، وتم رفع العلم المصرى على سيناء فى ٢٥ إبريل ١٩٨٢، تنفيذًا لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التى تم توقيعها بعد مفاوضات تفصيلية معقدة فى ٢٦ مارس ١٩٧٩، ثم ارتفع العلم المصرى على طابا فى ١٩ مارس ١٩٨٩ بعد عملية التحكيم، لتتحرر سيناء كاملة بعد ستة عشر عامًا من انتصار أكتوبر ١٩٧٣.
إن توقيع وثائق الاستسلام التاريخية يتم ـ كما أشرنا ـ عشية الانتصار بعد سحق إرادة وقدرات العدو دون حاجة لمفاوضات وأخذ ورد يستغرق مثل تلك السنوات الطوال، ولكن الأمر يختلف تمامًا فى حالات الحل السلمى للصراع، وهو الطريق الذى اختارته مصر بعد حرب أكتوبر.
إن إبرام معاهدة بين طرفين بعد مفاوضات طويلة إنما يعنى أن كل طرف قد وجد فى توقيعه على المعاهدة فائدة ما، بعبارة أخرى أكثر وضوحًا، فإن توقيع مصر وإسرائيل على المعاهدة، إنما يعنى أن لإسرائيل مصلحة فى التوقيع كما أن لمصر مصلحة كذلك. وهذا هو الفارق بين نتائج حل الصراع بالطرق السلمية، وحله عن طريق الحسم العسكرى.
فى الحالة الأخيرة يختص الطرف المنتصر بكل المكاسب، أما فى الحالة الأولى فإن الهدف يكون بلوغ الطرفين نقطة وسطية تحقق أكبر قدر من المكاسب لكليهما، ولكنها لا تمثل التحقيق الكامل للحد الأقصى لما يريده طرف على حساب الطرف الآخر.
لقد تضمنت المعاهدة ترتيبات متبادلة لضمان ألا تشن إسرائيل حربًا جديدة على مصر كما اعتادت، وألا تحاول مصر تكرار خبرتها فى حرب أكتوبر والهجوم على إسرائيل مرة أخرى، ومن ثم فقد قبل الطرفان بوجود قوات دولية ومناطق محدودة التسليح، وإلى جانب ذلك فقد حققت المعاهدة لمصر استعادة سيادتها كاملة على أراضيها، وإنهاء جميع أشكال التواجد الإسرائيلى العسكرى والمدنى من سيناء، ولكن فى مقابل ذلك حققت المعاهدة لإسرائيل اعترافًا مصريًا واضحًا لا لبس فيه بأحقيتها فى الوجود وفقًا لقرارات الأمم المتحدة عام ١٩٤٨، دون أن تعلق استعادتها لأرضها على استعادة الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين لأراضيهم المحتلة. أى أن معاهدة السلام لم تتمسك بأولوية تحرير جميع الأراضى العربية المحتلة، أو حتى بأولوية تحرير فلسطين باعتبارها وقفًا إسلاميًا لا يجوز التنازل عن جزء منه أو التفاوض بشأنه.
لقد استعادت مصر أرضها كاملة غير منقوصة، ولم ينقطع حديثنا عن ضرورة تعمير سيناء، وتنشيط السياحة فى سيناء، وتوقعات زيادة إنتاج البترول من آبار سيناء، فضلًا عن أننا كمدنيين أصبح فى مقدورنا ـ ربما للمرة الأولى فى تاريخنا الحديث ـ الذهاب إلى مدن فى سيناء لم تطأها سوى أقدام جنودنا وضباطنا فيما بين فترات الاحتلال الإسرائيلى. لقد بدأت «شرم الشيخ» و«دهب» و«نوبيع» و«العريش» و«سانت كاترين» و«طابا» تتسلل رويدًا رويدًا إلى حوارات المصريين ووعيهم باعتبارها مدنًا مصرية وليست مجرد مناطق عسكرية حدودية.
ومن هنا يبدو ذلك الخجل من معاهدة السلام ملفتًا للنظر، فى حاجة إلى تفسير:
ترى هل يرجع الأمر إلى مخاض الهويات الذى تمر به بلادنا، والذى تتفاعل فيه ثلاث هويات متداخلة: هوية عربية ترى فى إسرائيل كيانًا غريبًا زرعه الغرب لتفتيت الأمة العربية، وأن اتفاقية السلام قد أدت إلى خروج مصر عن الصف العربى، وإلى ما ترتب على ذلك من تبدد القوة العربية، وهوية إسلامية ترى الصراع العربى الإسرائيلى صراع وجود لا صراع حدود، فإما أن نوجد نحن أو توجد إسرائيل، وهوية مصرية ترى لاحتفاظ مصر بحدودها الدولية أهمية تعلو أى أهمية أخري؟
ترى هل يرجع الأمر إلى ما تمارسه إسرائيل من عنف وحشى حيال الفلسطينيين، وأن معاهدة السلام قد أطلقت يد إسرائيل فى هذا الاتجاه وفرضت علينا فى نفس الوقت صداقتها والتطبيع معها؟
التساؤلات عديدة، وتتطلب معالجة هادئة متعمقة، وتستحق أكثر من قلم، ولعلنا فى النهاية نصل إلى رؤية أوضح..أقول لعلنا؛ وليس ذلك على الله ببعيد.