رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

"الصدر" يعيد انتعاش المراجع الشيعية في مصر

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى كل أزمة يثيرها الشيعة فى مصر، أو تثار حولهم، تتردد التساؤلات ذاتها عن أعداد الشيعة فى مصر، وهل هى بالعدد الذى يستحق القلق بشأنه فى نشر المذهب، ومن ثم انتظار مصير مقارب لذلك الذى يلاقيه اليمن أو متاعب من قبل متاعب البحرين، أم أن العدد لا يتجاوز الآلاف الثلاثة، كما صرح أحد مسئولى الأوقاف إثر الأزمة الأخيرة بغلق مسجد الحسين فى «عاشوراء»، والنتيجة دائمًا واحدة فلا «الأوقاف» أو «الأزهر» أو أى جهة رسمية فى مصر تصدر إحصائية دقيقة، ولا تمتلك الأدوات لذلك، نظرًا لاستخدام الشيعة «التقية»، أى إخفاء تشيعهم، وفى المقابل قيادات الشيعة المعروفون يكتفون بإطلاق التقديرات من قبل التى أطلقها إسلام الرضوى، المتحدث السابق باسم الشيعة فى مصر، حيث قدرهم بما لا يقل عن ٢ مليون، معتمدًا على إحصائية أصدرتها الخارجية الأمريكية فى التسعينيات قدرت أعداد الشيعة فى مصر بـ٧٥٠ ألفا، وأخرى لمركز ابن خلدون عقب الثورة قدرتهم بـ٤ ملايين، ومن ثم فهى لن تقل عن مليونين، على حد قوله.
إلا أن الأزمة الأخيرة بغلق ضريح الحسين بذكرى عاشوراء لم تثر فقط ذلك التساؤل القديم الحديث، فحديث مقتدى الصدر، المرجعية الشيعية فى العراق، الذى هاجم فيه مصر على إثر هذه الأزمة، فى عدة بيانات متتالية، أثار تساؤلات أخرى حول موقع ذلك «الصدر» لدى شيعة مصر، ومعنى المرجعية الدينية عند الشيعة، وهو المصطلح الذى قد لا يعلمه كثيرون، وأخيرًا هل للشيعة مرجعيات فى مصر أم أن مرجعياتهم مستوردة من الخارج؟
المرجعية عند الشيعة
المرجعية لفظ يستخدمه الشيعة كبديل للمفتى عند السنة، أو كبار علماء الدين، فهم يستمدون أصولهم من المرجع أو الفقيه، وهو من امتلك الكفاءة والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية، وكان قادرًا على تحديدها ووصفها للعوام، وهو العالم بالفقه الإسلامى عن اجتهاد لا عن تقليد، فالشيعة يفرّقون فى منهجهم بين الاجتهاد الذى هو خاص بالمرجعيات، والتقليد، حيث يعتبر الفكر الشيعى التقليد واجبًا شرعيًا على كل شيعى إمامى يلزم به فى دينه ودنياه، وكصورة من صور الأصول الشرعية، وهم فى ذلك يقلدون هذه المرجعيات.
ويمنح المذهب الشيعى مكانة كبيرة للمرجع، من حيث كونه أعلى مقام روحى، والبعض يضعه فى مقام الرسل، فمهامه استنباط الحكم الشرعى، وهى المهمة الأساسية للمرجعية، ويدعم ذلك بالتوقيع الذى نسب إلى الإمام المهدى بالإشارة إلى مصطلح المرجعية بلفظ «فارجعوا» بقوله، وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتى عليكم، وأنا حجة الله عليكم، بالإضافة إلى مهام الإفتاء، والفصل بين المتنازعين، وتولى القضاء بالنيابة عن الإمام.
وعلى الرغم من طبيعة العلم على أنه متوارث وتراكمى، إلا أن سلطة المرجعية الشيعية وعلمه يقف عند حياته، فبمجرد وفاته وجب آنذاك على أتباعه الانتقال إلى مرجعية أخرى على قيد الحياة يقلدونها.
مراجع شيعة مصر
لم يعرف للشيعة فى مصر مرجعية دينية مصرية يقلدونها، أو يرجعون إليها فى مسائلهم، وهو ما قد يعد مؤشرًا على انخفاض تلك الأعداد، كما تذهب الجهات الرسمية وآخرها وزارة الأوقاف، إلى أن الشيعة أنفسهم يرجعون ذلك إلى حالة الترهيب التى يتعرض لها الشيعة من السلفية فى مصر، مما يجعلهم غير قادرين عن الإعلان عن تشيعهم، والاكتفاء بقول «نحن نتبع مذهب آل البيت»، أو الاختباء وسط الصوفية، فالظروف المحيطة لا تؤهل أحدًا أن يذهب ليدرس فى الحوزة العلمية فى قم، أو يتوسع فى العلم والاستنباط إلى أن يصبح مرجعا ذا مقلدين.
شريف شحاتة، شقيق نجل الشيخ حسن شحاتة المقتول على يد متشددين فى ٢٠١٣، يعتبر أن عمه كان آخر مرجعية دينية شيعية فى مصر، يلجأ إليه عوام الشيعة فى مسائلهم الفقهية واستفساراتهم، وكثيرًا ما قدم لهم إجابات بناء على اجتهاده وليس على التقليد، إلا أنه بعد وفاته لم تعد هناك مرجعيات، وإن كان بعض الشيعة يلجأون إلى القيادات المعروفة كعماد قنديل، المتحدث باسم جمعية «أحباب العترة»، والطاهر الهاشمى، عضو الاتحاد العالمى لآل البيت.
وأشار «شحاتة» إلى أنهم يلجأون حاليًا إلى الإنترنت للحصول على فتاواهم، حيث يقوم كل شيعى بإرسال سؤاله فى القضية التى يريد أن يستفسر عنها إلى المرجع الشيعى الذى يتبعه، وينتظر الرد عليه، الذى قد تطول مدته أو تقصر، بالإضافة إلى تفاعلهم مع صفحات المراجع عبر مواقع التواصل الاجتماعى، موضحًا تنوع المراجع التى يعتمد عليها المصريون، بين السيستانى، والشيرازى بالعراق، وأنهم لا يتبعون مراجع إيران، نظرًا لخطورة ذلك عليهم، فالتواصل مع شيعة إيران قد يعرضهم إلى مخاطر أو اتهامات من قِبل الأمن. أما فيما يتعلق بمقتدى الصدر فقال «شحاتة»: إن مقتدى الصدر ليس مرجعية دينية، وليس له أتباع فى مصر، واصفا إياه بـ«لسه طفل»، وواصفًا ما فعله من إصدار بيانات متعاقبة يهاجم فيها مصر بعد إغلاق مسجد الحسين بأنه بحث عن زعامة ووجود بين شيعة مصر.
وميز أحد الشباب الشيعى -الذى فضّل عدم ذكر اسمه- بين المرجع الذى يجب أن يصدر كتبا علمية، ويصل إلى درجة معينة من العلم، وبين المجتهدين أمثال حسن شحاتة وغيره، مؤكدًا أن شحاتة ليس مرجعا، موضحًا أن حتى مقتدى الصدر ليس مرجعية فى العراق حتى يصبح مرجعية لشيعة مصر، وأن والده الصدر هو من كان مرجعية، وهو فى العراق أقرب لقيادى سياسى، فهو قومى، ومعظم الأسئلة التى ترد إليه يصدر بها بيانات سياسية.
وقال حيدر قنديل، المتحدث باسم ائتلاف الشباب الشيعى، إن المرجعيات الشيعية تتخذ طبقًا للأعلمية، أى الأكثر علمًا، وعلى رأسهم السيستانى، وكذلك الشيرازى، ويختار كل شيعى مرجعيته طبقًا لاطمئنانه أكثر لأى منهم، فالعائلة الواحدة قد يتبع كل منهم مرجعية مختلفة، لا إكراه أو إجبار فى ذلك، وبعدها يتبع الشيعى مرجعيته فى كل الأمور، إلا أنه فى بعض المسائل التى لم يفصل فيها مرجعيته بصورة جازمة، واستخدم عبارات من قبيل «الأحوط»، وعدم الفصل بالحلال والحرام، فقد يلجأ الشخص إلى رأى مرجع آخر فصل فيها.
قيادات على رتبة مراجع محلية 
ورغم غياب المراجع المحلية فى مصر، فإن بعض قيادات الشيعة المصريين يتم التعامل معهم كبديل مطروح للمرجع، ومن تلك القيادات التى تتصدر المشهد الإفتائى والوعظى فى مصر أربعة، أولهم أحمد راسم النفيس، القيادى الشيعى وأستاذ جامعى، لديه موقع على الإنترنت تحت مسمى «النفيس»، ينشر من خلاله آرائه المختلفة سواء السياسية أو الفقهية، بالإضافة إلى الطاهر الهاشمى، عضو المجمع العالمى لآل البيت ورئيس جمعية الثقلين، فلديه هو الآخر موقع باسمه، فضلًا عن موقعه على «فيس بوك»، فهو من القيادات النشطة عبر موقع التواصل الاجتماعى، ومن أكثر القيادات تواصلا مع القواعد الشيعية وعلمًا بهم، بالإضافة إلى عماد قنديل، وهو متخصص أكثر فى الجانب البحثى، حيث يقوم بإعداد أبحاث تشكك فى المذهب السنى، وتدعو إلى الشيعى، معتمدًا على كتب السنة ذاتها، وكان آخرها تأكيد أن على بن أبى طالب هو أول من أسلم وليس أبوبكر، بالإضافة إلى «ذكرى عاشوراء» والأدلة على جواز اللطم فيها على الحسين والبكاء عليه، وكيف أن الرسول أول من بكى عليه، بالإضافة إلى ذلك، فهو يعد مرجعية الشيعة فى الدقهلية، ومنزله يعد أشهر الأماكن التى تقام فيها المناسبات الشيعية.
وأخيرًا سالم الصباغ، وهو قيادى شيعى، يتولى مهمة الرد على المسائل الفقهية التى ترد إليه عبر صفحته على «فيس بوك»، وكان آخرها سؤاله عن الطهارة، فقال: «سألنى سائل لو أن شخصا توضأ للصلاة ثم ارتكب معصية ما كالكذب أو الغيبة أو النميمة متعمدا، فهل تم نقض وضوئه وبالتالى فسدت صلاته؟!
الإجابة باختصار: إن المعاصى ليست من مبطلات الوضوء والطهارة الظاهرية، ولكنه مبطل للطهارة المعنوية وللصلاة المعنوية».

التشيّع كـ«سبّوبة»
وقال وليد إسماعيل، منسق ائتلاف الصحب والآل السلفى، إن المذهب الشيعى يفرض على الشيعى المتبع خُمس ما يملكه، وما ينفقه للمرجع، كالزكاة عند أهل السنة، وتلك الفريضة يفترض دفعها على كل شيعى يتبع ذلك المرجع، حتى لو لم يوجد فى نفس دولته، فيقومون بتحويل الأموال عبر حسابات بنكية، إلا أن ما يحدث فى مصر مختلف، حيث إن القيادات التى تسافر إلى العراق وإيران وتلتقى تلك المراجع، وتمثل حلقة وصل بينهم وبين عوام الشيعة، لا يدفعون لهم الخمس، بل يأخذون منهم، بدعوى دعم الشيعة ونشر التشيع فى مصر.
وأشار «إسماعيل»، فى تصريحات لـ«البوابة»، إلى أن الشيعة فى العراق يعتقدون أن الشيعة فى مصر أعداد كبيرة تصل إلى ٥ ملايين وأكثر، وذلك بناء على الكلام الذى يصل إليهم عبر هؤلاء القيادات فى مصر، فالقيادات الشيعية من مصلحتها توصيل صورة أن أعداد الشيعة فى مصر كبيرة وتتزايد، حتى يطلبوا أموالا أكثر من هؤلاء المراجع، ولما كان كل مرجع يسعى لزيادة أعداد تابعيه، وتكوين قاعدة له فى مصر، لما لها من مكانة وأهمية فى المعتقد الشيعى، فإنهم يغدقون عليهم بالأموال.
وأوضح أن أحدث وسيلة يحاول من خلالها الشيعة تصوير كما لو كانوا كُثرا فى مصر هو برنامج «البالتوك»، وهو تطبيق يحمل على الهواتف يتضمن غرف محادثات للديانات والطوائف المختلفة، ونحن أهل السنة نعتبره منبرا للدعوة، يتم من خلاله الاستفسار عن أمور الدين وغيرها، وتوجد غرف للشيعة يركزون فيها على وجود شيعة مصريين يريدون «الاستبصار» -أى إعلان تشيعهم- عبر تلك البرامج، فى حين أنها خدع يقومون بها بسهولة.
أما فيما يتعلق بالقيادات الشيعية المصرية الذين يقومون بالإفتاء لعوام الشيعة أو تقديم أبحاث دينية، والتشكيك فى مذهب أهل السنة، قال منسق ائتلاف الصحب والآل السلفى: «إن هؤلاء فى المذهب الشيعى ليسوا مراجع، ولا حتى رجال دين، فالمذهب الشيعى ليس كالسنى يطلق لفظ عالم الدين على الباحثين فيه ومشايخه، فهو يضع الناس فى طبقتين، أما المرجع وما دونه فهو متبع ولا يحق له الاجتهاد»، مشيرًا إلى أن طبقة قليلة بين الاثنين يطلقون عليها رجل دين وهم القريبون من إيران.
أما فيما يتعلق بحديث الصدر فقال «إسماعيل» إن ذلك الحديث محاولة لإيجاد قاعدة له فى مصر، وبهدف الشو الإعلامى، إلا أنه فى الوقت ذاته كان عامل تحريض مهما، استغله الشيعة فى تصدير مظلوميتهم.