الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السعودية.. وضوح لا يحتمل الالتباس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا خلاف على التحديات الأمنية والاقتصادية التي تمر بها المملكة العربية السعودية، والتي تفرِض اهتمام ودعم الدول العربية التي تُغلِب الحكمة في تحديد حساباتها الإقليمية، خصوصا أن التغييرات التي استدعت الجيل الثالث من العائلة الحاكمة إلى الصفوف الأمامية في مقاليد الحكم - تحديدًا في المواقع الأمنية - والتي استهل بها الملك سلمان حكمه، بدت وكأنها استجابة أو إعادة هيكلة فورية أمام ما استشعرته السعودية من تهديدات للمنطقة العربية.
دوافع القلق المشروع لدى السعودية بعد توقيع الاتفاق النووى الأمريكي - الإيرانى لم تعد تبدده التصريحات «المعلبة» ولا المصافحات والابتسامات الدبلوماسية المتبادلة مع إدارة البيت الأبيض، ولا نجحت في الحد منه كل التطمينات الإنشائية الصادرة عن الجانب الأمريكى. واجهت السعودية الاختيار الأصعب للحفاظ على أمنها القومى مع تحركات ميليشيا الحوثى التابعة لإيران، التي بدأت تهدد وحدة اليمن ورعت تحالفًا عربيًا عسكريًا لصد تلك التهديدات. التهديد لم يقتصر على الحدود الجنوبية إذ سعت إيران إلى فتح ثغرة عبر الحدود الشمالية في منطقة «النخيب» العراقية وهى من أقرب النقاط المؤدية إلى الحدود السعودية، وسعى المخطط الإيرانى إلى فتح ممر يحقق له مساحة التدخل في منطقة دول الخليج والسعودية عن طريق إثارة اقتطاع منطقة «النخيب» التابعة تاريخيًا لمحافظة الأنبار - ذات الأغلبية السنية - وضمها إلى محافظتى كربلاء والنجف - حيث التواجد الإيرانى الكثيف - ليصبح ممر «النخيب - كربلاء - النجف» المنفذ الجغرافى الأقرب إلى السعودية والأردن.
المحاصرة التي يسعى الطموح الإيرانى إلى فرضها على السعودية، حتى وصل التوتر بينهما إلى ذروته بعد حادث التدافع في موسم الحج الماضى، وضعت إيران على رأس قائمة مصادر التهديد في الحسابات السياسية السعودية، مقابل هذا التوتر المتصاعد تتضاءل فرص الحلول التفاوضية خصوصًا أن مساندة دولة في حجم مصر للموقف السعودى وحقوقه المشروعة في الدفاع عن أمنه القومى يجعل تدخل مصر - أو أي دولة عربية - أمام نقاط تتقاطع مع أو تهدد التحالفات العربية بعد ثورة ٣٠ يونيو ومنها تشكيل قوات الدفاع العربى المشترك، إضافة إلى أن إيران لم تطرح نفسها عربيًا في صورة الدولة الجارة المعنية بتحسين أوضاعها الداخلية بدلًا من الانسياق وراء طموح جامح ومغامرات خارجية تهدف إلى بسط نفوذها على المنطقة، لغة المطامع هذه أغلقت كل سبل الوساطة والتفاوض أمام الدول العربية.
أما المخاوف التي عبرت عنها بعض الآراء من حدوث «تراخٍ» سعودى مع الوجه القبيح الآخر للطموحات الإيرانية، الذي يتمثل في نهم جماعات الإرهاب إلى السلطة.. فهى لا تتفق منطقيًا مع قوة الإجراءات الحازمة التي تبنتها المملكة ضد هذه التنظيمات الإرهابية وأفراد عصابتها المتنقلين بين قطر وتركيا ولندن.. كما يُذكر للسعودية أنها كانت الدولة المبادرة إلى فرض قوانين حاسمة ضد هذه التنظيمات - ومنها الإخوان - بما يحفظ أمنها واستقرارها. التوجه السعودى نحو استيعاب القوى السنية من جديد بهدف تحجيم النفوذ الإقليمى الإيرانى يبدو مفهوما.. ومن المستبعد أن يتقاطع هذا التوجه مع سياسات محددة تبنتها السعودية ضد الجماعات الإرهابية.
التحسب من حدوث خلط بين تبنى سياسة استقطاب قوى سنية وبين حدوث أدنى تراجع في المواقف مع التنظيمات الإرهابية لا يستدعى تحميل مواقف أكثر مما تتطلب.. مثل «لهفة» أحد شيوخ التنظيمات الإرهابية - يوسف القرضاوي - على الظهور في مناسبة العيد الوطنى للمملكة.. خصوصًا أن القرار السعودى بإدراج الإخوان ضمن قائمة التتنظيمات التي تهدد أمنها القومى هو قرار واضح لا لبس فيه.. مهما بلغت المحاولات المستميتة من أصحاب الوجوه «القبيحة» في استغلال أي مناسبة للظهور العلنى.
في مقابل «الفتور» الظاهر في السياسة الأمريكية تجاه أزمات المنطقة العربية.. ظهر دور الدبلوماسية السعودية في تنشيط فتح قنوات الاتصال مع روسيا ودعم عودتها كطرف قوى في المعادلة الإقليمية من أجل إحداث نوع من التوازن في مواجهة إيران، خصوصا في ظل التقارب الأمريكي - الإيرانى بعد توقيع الاتفاق النووى بينهما. روسيا قد تلتقى في نقاط محددة مع إيران حول الأزمة السورية لكنها قطعًا لن تُضحى بصداقاتها الجديدة في المنطقة العربية - تحديدًا السعودية ودول الخليج - من أجل إيران نظرًا للأهمية الاقتصادية التي تمثلها هذه الدول، مما يلاقى الاحتياج الروسى إلى فتح آفاق جديدة لتحسين اقتصاده.
أمام ما قد يُطرح عن اصطدام التقارب السعودي - الروسى بموقف كلا الطرفين من سوريا.. يُذكر أن الموقف الروسى منذ البداية تبنى دعم الحفاظ على كيان «الدولة» في سوريا وليس التمسك بشخص محدد.. بالتالى هو تباين سطحى لا يمتد إلى جذور الأزمة السورية، إذ من المؤكد أن كل الأطراف - بما فيها السعودية - توصلت إلى حقيقة، هي عدم امتلاك طرف واحد القدرة على القيام بدور جاد في إنهاء المأساة السورية.. مع توجه الموقف الدولى إلى تبنى الحلول السياسية في تحديد مستقبل سوريا الذي لن يكون بشار الأسد جزءًا منه.