الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ما الخبر؟ "١-٢"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أبدًا لم أكن أسمعها «تغنى» كان صوتها يدق شغاف قلبى.. مثل عصفور براءتى الذى ينقر كل صباح على نافذة أحلامى، كنت دائما أسمعها «تعزف».. بصوت هو فرقة موسيقية كاملة.. كنت وما زلت أسمع فى ذلك الصوت نداء ملائكيا قادما من السماء.. كأنه صوت مؤذن جميل يطلبنى لصلاة الفجر.
هكذا كانت - وما زالت فيروز عندى.
■ ■ ■
وأنظر كيف كنت إنسانا محظوظا.. حين سمعتها ورأيتها وتعرفت عليها وجلست معها، فى ليلة واحدة - ويا لها من ليلة صافحت بأحداثها الغريبة ضوء الصباح.. فما عدت أفرق بين تلك الليلة وذلك النهار.
حدث ذلك فى الكويت قبل سنوات.. حين ذهبت فى زيارة قصيرة لأيام معدودات، وبينما كنت أستعد لحزم أمتعتى فى الليلة التى تسبق سفرى تلقيت مكالمة هاتفية من واحدة من أقرب صديقات فيروز إلى نفسها.. إن سفيرة لبنان إلى القمر التى يلتف حولها الملايين، لا تتأثر سوى بدفء أصدقاء قلائل.. هم فقط الذين تستريح إليهم.. ومعهم فقط تنزع عباءة «صورة الفنان الشامخ» التى يفرضها عليه جمهوره.
مع نخبة أصدقائها لا تغنى.. فيروز تدندن.. تتحدث تداعب.. تضحك.. تحاور، تكشف عن «فيروز الفنانة».. ربما أعلى إلى حيث المنطقة التى يلعب فيها أطفال الملائكة.
على الهاتف سألتنى صديقة فيروز المقربة: ماذا تفعل؟
قلت: ألملم شتات أوراقى وملابسى استعدادا للرحيل؟
قالت بدهشة: أو ترحل قبل أن تراها؟
كنت أعلم أن فيروز سوف تقوم بإحياء حفلتين على «مسرح سينما الأندلس وكنت حزينا لاضطرارى لمغادرة الكويت لارتباطى بأعمال صحفية فى القاهرة قبل موعد حفلتى فيروز.. لكن لم يخطر على بالى أبدا أنها تتحدث عنها.. لقد قالت «قبل أن تراها» ليس وقبل أن تسمعها.
قلت: تعلمين أننى أتشرف دائما بلقاء أصدقائك.. لكنك تعلمين أيضا أن إبراهيم سعدة رئيس تحرير «أخبار اليوم» قد حدد موعد عودتى.. ولم أتعود مخالفة أوامره.
قالت وهى تضحك: لو من أجل عيون فيروز؟
فيروز معى فى كل لحظات يومى ومعظم ساعات ليلى! أسطواناتها لا تتوقف فى مكتبى أو سيارتى أو بيتى.. صوتها يجرى فى شرايينى مع كرات الدم الحمراء والبيضاء.
قالت صديقة فيروز: لقد قلت «تراها».. ولم أقل «تسمعها».
سألتها غير مصدق: هل تعنين؟
قاطعتنى بمرح: نعم.. لقد كانت نهاد وهذا اسم فيروز الحقيقى تحدثنى عبر الهاتف منذ دقائق.. أخبرتها أنك فى الكويت ورحبت بأن تراك وتتحدث إليك فور انتهاء حفلها الأول.. فما رأيك؟
رددت على الفور: حقيبة سفرى يمكن أن تنتظر.
سألتنى ضاحكة: ورئيس تحريرك؟
قلت: لا مانع «عندى» أن يفصلنى من عملى من أجل فيروز، لكنى أعتقد أنه لا مانع «عندك» أن تتوسطى لى عنده.
قالت قبل أن تنهى المكالمة: وقد فعلت.. فاهدأ واستعد للقاء فيروز بعد الحفل الأول.. موعدك معها.
قلت: موعد أنتظره منذ أعوام طويلة.
■ ■ ■
كأننى ذاهب إلى لقاء حبيبة..
اشتريت بدلة جديدة.. أكثر من رابطة عنق.. ذهبت لأقص شعرى. نمت طوال النهار.. لكنى لم أنم.. هل يعد نائما من رقد يتقلب مغمض العينين فى الفراش يمتلئ لهفة وتوترا وشوقا؟ وهل صحيح سأسمعها وأراها فى ليلة واحدة؟
كالنائم كنت أسبح فى بحيرات صوتها القادم من جهاز تسجيل صغير بجوار الفراش.. وبين النوم واليقظة تخيلت أننى رأيتها وهى لم تزل بعد الصبية الجميلة «نهاد حداد» التى ولدت وعاشت صباها فى بيت متواضع، تساعد أمها فى أعمال المنزل.. وتصدح بصوت أخاذ أغانى أسمهان وهى تعجن الطحين.
رأيت الصبية التى كبرت وأصبحت «فيروز لبنان» كما أصبح «لبنان فيروز».. عبر أكثر من أربعين عاما من الشدو ونثر الحب على الملايين.. بدأت منذ تلقت مع زوجها الراحل عاصى الرحبانى دعوة رسمية لتقديم بعض أغانيها فى الإذاعة المصرية بالقاهرة.
وسألت نفسى: فيروز.. كم مليون عربى عشق صوتك، كم مليون ساهر قضى ليله يبث نجواه فى موسيقى حنجرتك السماوية؟
وسألتها بين منامى ويقظتى: سيدة قلبى وقلوب الناس.. كيف شكلك يا أجمل زهور حديقة الأغنية؟ وكيف أمكنك يا حلوة أن تسرقى الفرح من أعماق نفسك لتعطى الآخرين شجاعة السعادة ولذة الثقة؟ وما الذى حدث لنفسك النبيلة طوال سنوات عذاب ووحدة.. وأنت تزرعين فى كل لحظة الرحمة والحب والجمال فى قلوب الناس؟
سألت نفسى..
وجاءنى الصوت الجميل عبر جهاز التسجيل
من يوم تغربنا قلبى
قلبى عم بيلم جراح
يا ريتا بتخلص هالغربة
تا قلبى يرتاح
والأسبوع القادم نكمل