الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

16 مليون طن خضراوات بسوق العبور تصيب بالفشل الكلوي

موردة من أفدنة مروية بمياه الصرف الصحي

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أن يكون الماء في بلدنا سببا رئيسيًا في موت الآلاف سنويا، فالكارثة هنا تعدت الصرخات والاستغاثات إلى ما هو أبعد بكثير، فالحكومات المتعاقبة، خصوصا بعد الثورة، وقفت عاجزة أمام هذه الكارثة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة، لكن هذه المرة برعاية الحكومة، وليست رعاية مباشرة بمعنى الكلمة، لكن التجاهل والإهمال تجاه مشكلة الرى بمياه الصرف الصحى كانا أقرب للمسئولين من الوصول إلى حلول تطبقها أغلب دول العالم حفاظا على شعبها.. أما هنا في «أم الدنيا»، فالموت المحقق لـ٩٠ مليون مواطن أمر عادى.
القضية شائكة، وتتوزع فيها المسئوليات على عدة جهات حكومية، تورطت جميعها في الكوارث التي تهدد المصريين، بسبب تناول أطنان من الفاكهة والخضراوات بكل أنواعها، بما تحمله بداخلها من أمراض خطرة تبدأ بفيروس «سى» والفشل الكلوى وتنتهى بالأورام السرطانية.
هذا الكم الهائل من المنتجات الزراعية، يتم توريدها يوميا إلى الأسواق والشوادر بطول البلاد وعرضها تحت بصر الحكومة، التي تعلم بكافة المخاطر دون أن تحرك ساكنا، خصوصا إذا علمنا أن سوق العبور وحدها تستقبل يوميا نحو ٣ آلاف سيارة نقل محملة بـ١٦ مليون طن من الخضروات، وفقا لنشرة إدارة السوق الشهر الماضى.
الجريمة هنا ليست في كميات الخضراوات كضرورة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها، لكنها تكمن في رى مئات الآلاف من الأفدنة والأراضى الزراعية بالمياه الملوثة بمياه الصرف الصحى والصناعى والزراعى، والأخطر من هذا وذاك هو إنتاج آلاف الأطنان من الأسماك عبر تربيتها في المزارع السمكية، سواء داخل الزراعات التي تحتاج إلى المياه الغزيرة مثل الأرز أو المقامة على أطراف الأراضى الزراعية والمصارف.
13 شركة تصرف في النيل
تبدأ المشكلة بفوضى العبث بمياه النيل «المنبع الرئيسى للترع»، إذ حصلت «البوابة» على خريطة تتضمن مصادر الصرف الصناعى التي تصب في نهر النيل، وهى عبارة عن ١٣ مصنعا وشركة منتشرة على جانبى النهر، وتضم القائمة شركة السكر والصناعات التكاملية بالحوامدية بمصانعها الأربعة، وتصرف في البر الغربى من النيل، شركة أسمنت طرة بحلوان وصرفها، شركة النيل للزيوت والمنظفات بسوهاج، مصنع السماد بمنقباد أسيوط من النيل، مصنع سكر دشنا بقنا وجميعها تصرف على البر الشرقى، الشركة المصرية للسبائك الحديدية بإدفو أسوان، شركة السكر والصناعات التكاملية بإدفو أسوان، شركة مصر إدفو للب الورق والطباعة أسوان، مصنع سكر «أرمنت الوابورات» بالأقصر، مصنع سكر نجع حمادى قنا البر الغربى، مصنعى السكر والورق قوص بقنا البر الشرقى، مصنع سكر جرجا بسوهاج البر الغربى بجانب ٩ مصانع حولتها وزارة الرى والموارد المائية خارج نهر النيل هي: مطحن سلندرات إسنا «مطاحن مصر العليا» بأسوان على البر الغربى من النيل، مصنع الحديد والصلب بالتبين على البر الشرقى من النيل، شركة النشا والجلوكوز بالمعصرة البر الشرقى، شركة الملح والصودا بكفر الزيات البر الشرقى، مصنع الشبراويشى للزجاج بالجيزة على البر الغربى، مصنع البيبسى بسوهاج على البر الشرقى، مصنع هدرجة الزيوت بسوهاج البر الشرقى، الشركة المالية بكفر الزيات البر، شركة أدفينا للأغذية بكفر الشيخ على البر الشرقى.
قرارات حبر على ورق
سنوات طويلة مرت على قرار الحكومة بمنع استخدام مياه الصرف الصحى في الزراعة، لكن القرار ظل مجرد حبر على ورق، وكل ما قيل عن خطة للقضاء عليها وتجريم الرى بها لا يعدو «كلام فض مجالس»، إذ صدر القرار الوزارى رقم ٦٠٣ لسنة ٢٠٠٣ والخاص بتقييد استخدام مياه الصرف الصحى في القطاع الزراعى، ونصت مادته الأولى على منع استخدام مياه الصرف الصحى، سواء المعالج أو غير المعالج في رى الزراعات التقليدية، ويقتصر استخدامها على رى الأشجار الخشبية ونباتات الزينة فقط، وحظر قانون الرى رقم ١٢ لسنة ١٩٨٤ استخدام مياه المصارف الزراعية في أغراض الرى إلا بترخيص من وزارة الرى.
ويقدم طلب الترخيص مرفقا به صورة من جميع الدراسات والتحاليل، متضمنة نوع التربة وتحليل مياه الصرف وأنواع المحاصيل تفصيلا، ودرجة مقاومة كل منها للملوحة، وكيفية استخدام مياه الصرف للرى مباشرة أو بعد خلطها بالمياه العذبة، واسم مجرى المياه العذبة الذي سيتم الخلط به ونسبة الخلط.
ورغم خطورة الزراعة المروية بالصرف الصحى، إلا أن الفلاحين لم يجدوا سبيلًا لرى أراضيهم غير الاعتماد عليها، ومن اللافت أن وزارة الزراعة لديها خريطة كاملة لكل المساحات التي ليس لديها مجرى مائى، وتعتمد على مياه الصرف الصحى في الزراعة، إلا أنها تصم آذانها عن الخطر الذي يهدد صحة المصريين، فقد أكدت دراسات بحثية خطورة تناول المحاصيل المروية بالصرف الصحى.
تخاذل وزارة الصحة
من جانبه قال الدكتور محمد عز العرب، رئيس وحدة أورام الكبد بمعهد الكبد، وممثل منظمة الصحة العالمية في مصر، إن الرى بالصرف الصحى يهدد المصريين بالفشل الكلوى وأنواع متعددة من السرطانات، وأن الخضراوات والفاكهة التي تؤكل نيئة إذا كانت مروية بمياه الصرف الصحى، فإنها تصبح عنصر نقل لبعض الميكروبات والطفيليات بكافة أنواعها كالإسكارس والدودة الشرطية، وفيروسى «A»، و«E»، وينتقلان عن طريق الطعام والشراب، مضيفًا أن تناول الطعام المروى بمياه الصرف الصحى ينقل فيروسات التيفويد، وجميع أنواع الدوسنتاريا، والتشيجلا، والسالمونيلا، والفاشيولا، وهى دودة كبدية تكون تحت أسطح الخضراوات الورقية، وللتخلص من هذه الدودة لا بد وضعها في محلول بيرموزينات بوتاسيوم، أو محلول خل فترة معينة، وليس الغسيل الظاهرى فقط.
واستنكر عز العرب تخاذل وزارة الصحة في التعامل مع أزمة انتشار الرى بالصرف الصحى، مؤكدًا أنها لا تتحرك إلا بعد تفاقم الأزمة، حيث لم تجر بحوثًا ودراسات حول الآثار التي تسببها مياه الصرف على الصحة العامة، لافتا إلى ضرورة تكاتف وزارتى الصحة والبحث العلمى لتقنين استخدام مياه الصرف الصحى، بحيث تستغل فيما لا يضر صحة المصريين مثل دول العالم كزراعة الغابات الشجرية.
تسبب الغباء
بدوره أوضح الدكتور على إبراهيم، خبير التنمية الزراعية، أن المحاصيل التي تروى بمياه الصرف الصحى تسبب أكثر من مرض خطير للإنسان عند تناولها، لما بها من معادن ثقيلة مثل الرصاص الذي يؤثر على المخ ويسبب ضعف النشاط العقلى، كما تحتوى مياه الصرف الصحى على معدن «الكادميوم» الذي يؤثر على الكلى والكبد والجهاز الهضمى، كما يسبب معدن «الزرنيخ» التسمم الحاد ويؤثر على الكبد والجهاز العصبى المركزى، محذرا من خطورة المعادن الثقيلة مثل الزئبق، الكادميوم، الزرنيخ، الرصاص، الكروم، والثيليوم، مؤكدا أنها سامة حتى في التراكيز المنخفضة، كما أنه لا يمكن إزالة هذه المعادن أو تدويرها وتسبب ارتباكا في الجهاز العصبى. 
كما لفت إلى أن الاسماك التي تنشأ في مياه الصرف الصحى يتراكم في أنسجتها «السيلينيوم»، ما يسبب مشكلات صحية للإنسان كفقدان الشعر والأظافر وتلف أنسجة الكبد والكلى، والعديد من المشكلات للجهاز العصبى المركزى، مضيفا أن مياه الصرف لها أثر سلبى أيضا على التربة الزراعية، حيث إن عمليات التعدين والاستخدام غير الواعى للمنتجات الصناعية والنفايات وحالات طمر حمأة الصرف الصحى والصناعى تسبب تلوث التربة الزراعية، كما أن المعادن الثقيلة يمكن أن تتكون طبيعيا، لكن لا تصل إلى الحدود القصوى للتسمم، ومن المحتمل أن تتشكل التربة الملوثة في مواقع النفايات القديمة، إضافة إلى الأراضى الزراعية الموجودة بجوار مفاعلات والمناطق الصناعية التي يمكن أن تطرح فيها المواد الكيميائية على سطح الأرض، وتلك التي تقع في اتجاه الرياح من المواقع الصناعية تزيد من تراكم المعادن الثقيلة في التربة.
تبوير الأراضي الزراعية
كما أكد الدكتور أحمد جاد، الأستاذ المتفرغ بكلية الزراعة جامعة الأزهر، أن الرى بالصرف الصحى قد يؤدى إلى تبوير الأراضى الزراعية إذا ما زادت نسبة الأملاح، محذرا كذلك من خطورة المعادن الثقيلة التي تتسرب للنباتات وعندما يتناولها الإنسان تسبب أضرارًا صحية بالغة، حيث تصل إلى الكبد، وتؤدى كذلك إلى الفشل الكلوى، مشيرا إلى أن جهاز شئون البيئة يشترط على المصانع أن تعالج صرفها الصناعى، إلا أن هذه الاشتراطات لا تنفذ بشكل كبير، لذلك تصل مياه الصرف الصناعى إلى الترع والمصارف، وبالتالى تروى بها الأراضى الزراعية، مؤكدا أهمية معالجة مياه الصرف الصحى والصناعى بنسبة ١٠٠٪ لتكون صالحة لرى الأراضى الزراعية كما يحدث في بعض دول العالم.
بينما قال الدكتور أحمد على الخطيب، أستاذ علم البيئة بكلية علوم سوهاج، إن مياه نهر النيل ملوثة بمياه الصرف الصحى والصناعى، إذ تلقى مياه الصرف في المصارف الصغيرة التي تصب في الترع الكبيرة التي تصب هي الأخرى في نهر النيل في ظل عدم استكمال مشروع إنشاء مصرف يجمع مياه الصرف الصحى والصناعى ويلقيها في البحر المتوسط، كما أن وحدات النقل المائى تنقلها إلى المنابع بصورة مباشرة، ما يلوث مياه الشرب، ونوه بأن الحيوانات التي تروى من هذه المياه فإن المعادن الثقيلة التي تحتوى عليها المياه تترسب في أنسجة هذه الحيوانات، وتنتقل بصورة غير مباشرة إلى الإنسان عند تناول لحوم هذه الحيوانات.
وحذر من خطورة الآبار الجوفية التي تحفر بجانب المصارف، مؤكدا أن مستوى المياه الجوفية مرتفع، كما أن التسريب المائى يجعل المياه الجوفية تختلط بمياه المصارف المجاورة، ما يؤدى إلى تلوثها، وللاستفادة منها يجب التأكد من سلامة هذه المياه قبل استخدامها عن طريق الفحص المعملى.
وأشار إلى أن وحدات معالجة مياه الصرف الصحى لا تقوم بمعالجتها بالطريقة الكيميائية الصحيحة، وبالتالى تتراكم الأملاح والمعادن الثقيلة في المياه، وعندما يتناول الإنسان زراعات مروية بالصرف الصحى تؤدى إلى ترسيب العناصر الثقيلة في جسم الإنسان، وهو ما يعوق حركة الدورة الدموية، وينتج عن ذلك عدة أمراض مثل الفشل الكلوى والسرطانات نتيجة لنمو غير متماثل في بعض الخلايا، وطالب الخطيب بمعالجة مياه الصرف الصحى، والاستفادة منها في زراعة الأشجار الخشبية والحدائق العامة، مثل اليابان وإسرائيل.
وبدوره أكد المهندس طارق سعد، وكيل معامل تحسين الأراضى بوزارة الزراعة، أن مياه الصرف الصحى بعد معالجتها وتقليل نسبة الملوحة بها من الممكن أن تستخدم في رى الغابات الشجرية والنخيل وأشجار الزيتون والتين البرشوم والشعير، لأن هذه الزراعات بها نسبة ملوحة، مضيفا أن التربة المزروعة بمياه الصرف الصحى لا يمكن تحسينها إلا بعد زراعتها بمياه صالحة للرى لمدة لا تقل عن ٩ أشهر.
20 ألف فدان بدون ماء
وقال فريد واصل، نقيب فلاحى كفر الشيخ، إن الفلاح يروى أرضه بمياه الصرف مهما كانت الأضرار التي ستنجم عنها، لأنه يستحيل عليه أن يجلس بجانب أرضه دون زراعة، لأنها مصدر دخله الوحيد، مشيرًا إلى أن هناك أكثر من ٢٠ ألف فدان ليس لهم مجرى مائى بمحافظة كفر الشيخ وحدها، وهو ما يضطر الفلاح للرى بمياه الصرف الصحى.
واتهم نقيب فلاحى كفر الشيخ وزارة الزراعة بالتسبب في هذه الكارثة، لأنها المسئولة عن توفير مياه الرى، مؤكدًا أن الوزارة لديها خريطة بجميع أراضى الجمهورية التي ليس لها مجرى مائى وتروى بمياه الصرف، لكنها لن تتمكن من تنفيذ قرارها بمنع الفلاحين من رى أراضيهم بالصرف، لأنها لم توفر لهم البديل.
وطالب واصل بسياسة زراعية متكاملة، لافتا إلى أن نقابة الفلاحين كانت قد اقترحت على رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب إنشاء مجلس أعلى للزراعة لوضع سياسات زراعية وخطة طويلة المدى يشترك في عضويته فلاحون ومسئولون بالدولة.
"الري" تنفي
من جانبه قال خالد وصيف، المتحدث باسم وزارة الرى والموارد المائية، إنه لا يوجد في مصر رى بالصرف الصحى، لكن هناك مصادر تلوث للترع وللمصارف، مشيرًا إلى أن المكان الوحيد الذي به صرف صحى هو ترعة الصرف، وهى عبارة عن مياه معالجة وتابعة لوزارة الزراعة، وتحذر المواطنين من الرى بها محاصيل مأكولة، مشيرا إلى أن وزارة الرى تتعامل مع مصادر تلويث المياه وتحرر مخالفات وإبلاغ الشرطة التي تقوم بدورها بإزالة أي تعديات، وتقوم الشركة القابضة بتوفير خدمة الصرف الصحى كبديل عن الصرف في الترع.
وأكد أن هناك نسبة تلوث بسيطة في المياه، وحسب درجة تلوث المياه تحدد طبيعة المزروعات التي تروى بها كزراعة أشجار إذا كان تلوثها أعلى، وفى بعض المناطق منعت وزارة الرى المزارعين من استخدامها لعدم نظافتها وصلاحيتها لرى المزروعات، وشدد وصيف على أن المياه جيدة بشكل عام.