الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مأساة محطة الرمل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لن أتحدث عن أى شيء مما تعودنا عليه للأسف، وجعل كل جميل فى حياتنا قبيحًا. لا عن الزحام والعشوائية والزبالة وغير ذلك. بل لم أكن سأتحدث عن الإسكندرية التى لا تنتهى مشاكلها مثل أى مدينة مصرية والتى أحاول أن أعيش فى القاهرة على ذكرياتى عنها، كما كتبتها فى رواياتى
. لكنى هذه المرة مضطر، لأن ما سأتحدث فيه هو الكتب وهو أمر ثقافى وتاريخى فى المدينة اندثر منه الكثير لكن لا يجب أن نسكت عن الباقى ومحاولة محوه.
تفاجأت مثل غيرى بخبر هدم أكشاك الكتب فى محطة الرمل. أصابنى الخبر بالضيق والقرف. لكنى أخذت أحملق فى الصور التى انتشرت على الإنترنت حتى أدركت أنها ليست كلها، وأنها تخص مكانين على محطة الترام. 
فى اليوم التالى اتصلت ببعض باعة الكتب الملاصقين لسور السنترال الذى يعاد كما يقال إعداده الآن، والذى فى زيارتى الأخيرة للمدينة منذ أسبوعين وجدت أمامه تلًا من التراب الناتج عن التجديد، لم يفكر المقاول أن يحمله على سيارة نصف نقل، لكن تركه مشهدا سيئا قميئا. 
المهم عرفت أن الكشكين اللذين تمت إزالتهما لخلاف بين أصحابهما وشركة الترام التى أجرت لهما الكشكين. وهذان الكشكان أحدث من المحلات الصغيرة الملاصقة للسنترال.
المدهش أن محافظ الإسكندرية صرّح بأنه سيزيل أيضا أماكن الكتب الأخرى ويعيد المزايدة عليها. وطبعا هذا للحصول على أموال أكثر. 
وطبعا هذا سيجعل أصحاب بيع الكتب الستة الموجودين منذ نصف قرن غير قادرين على منافسة أصحاب الموبايلات الذين سيتسارعون إلى المزاد ليحصلوا على هذه الأماكن المهمة، ولن يكفيهم شارع شكور الذى تقريبا صار كله لهم. 
المحافظ الذى يريد مزادا جديدا لا يعرف تاريخ هذه المحلات للكتب وعلاقتها بالمثقفين فى الإسكندرية الموجودين فيها أو الذين رحلوا عنها إلى القاهرة مثلى ومثل الكثيرين، ولا يعرف أنها تاريخ ثقافى عريق فى المدينة. 
والأهم أن الحصول على مال أكثر أمره سهل جدا فهناك جراج كبير تحت حديقة الخالدين يسع ١٢٠٠ سيارة متوقف عن العمل منذ تم عمل الجراج المحيط بحديقة سعد زغلول قبل هذا المحافظ طبعًا بسنوات.
والجراج الذى أقيم حول حديقة سعد زغلول، تم تأجيره إلى صاحب شركة وفندق متروبول أحد أملاكها. والمدهش أنه حين تم إعداد هذا الجراج حول الحديقة مقتطعا جزءا كبيرا من الشارع، ومن موقف الأتوبيسات على الفور أغلق الجراج الثانى جراج حديقة الخالدين، وليس لهذا تفسير إلا لكى يكسب مؤجر الجراج الجديد. سمعت أن تعاقد مؤجر جراج حديقة سعد زغلول انتهى.
وسواء كان هذا صحيحا أو غير صحيح فلقد أغلق الجراج الثانى بسببه. وخلال إغلاقه تمت سرقة مواسير منه ومعدات ويحتاج إلى حوالى اثنى عشر مليون جنيه كما قالت لى إحدى الصديقات من أساتذة كلية الهندسة بالإسكندرية. والمحافظة طبعا غير قادرة على دفع هذا المبلغ لإعادة الجراج إلى العمل، ولا أعرف كيف تعجز المحافظة عن مبلغ كهذا. 
وإذا كانت فعلا عاجزة لا أعرف كيف لا تفكر أن تجد لها عونا وتبرعات من رجال الأعمال، كما كان يفعل اللواء عبد السلام المحجوب. يمكن جدا أن يحدث ذلك نظير لافتة توضع فى مقدمة الجراج تقول إنه تمت صيانة هذا الجراج بمساعدة فلان وفلان. 
هذا الجراج لو لم تؤجره المحافظة إلى أى أحد وقامت هى بتشغيله وجعلت الساعة بجنيه وهو أقل ما يمكن ستحصل على نصف مليون جنيه فى العام على الأقل.
وستنهى الزحام الفظيع للسيارات حول الحديقة وحول جامع إبراهيم. لقد تم إغلاق هذا الجراج وترك عرضة للنهب ليستفيد مستأجر جراج سعد زغلول الذى لم تقل الساعة عنده عن خمسة جنيهات. بل والأكثر من ذلك حين تم إنشاء جراج سعد زغلول، تم نقل نقطة بوليس محطة الرمل من جانب الحديقة ووضعها وسط باعة الكتب ومحطة الترام فى محطة الرمل والمكان صغير لا يتحمل نقطة بوليس، فمساحته أقل من خمسمائة متر تعوّد الناس منذ عشرات السنين، أن يقفوا فيها أمام باعة الكتب أو الفشار أو الآيس كريم ثم يركبوا الترام. 
الآن تشغل مساحة منه نقطة بوليس كان لها مكان أوسع وأفضل وأجمل، لأن الخلاء كان حولها فكانت على طرف الحديقة، ولا أعرف من صاحب هذه الفكرة العجيبة نقل نقطة بوليس لوضعها فى هذا المكان.
يقول محافظ المدينة إنه سيعيد إعداد المكان فهل سيجد مكانا آخر لنقطة البوليس مثلا؟ للأسف بعد ثورة يناير ٢٠١١ كل محافظ جاء إلى الإسكندرية فكر فى طرد باعة الكتب من المكان، لا أعرف لماذا؟. هذه المرة ينجح المحافظ فى أولي خطواته. 
شيء مؤسف أن تمتلئ المدينة بالزبالة، ولا تجد من يرفعها لكنها تجد من يرفع الكتب من أماكنها. صحيح شيل الكتب أسهل من شيل الزبالة.