الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نحو دور استثنائي للإعلام الوطني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شاع الحديث فى الآونة الأخيرة، عن تعدد الأجيال التى دونتها وشهدت لها العلوم الاستراتيجية، كتطورات دالة على ما طرأ من أوجه متباينة على حقيقة ما يتبناه مفهوم الصراع الدولى من صور معاصرة.
ورغم وجود الإعلام فى موقع متقدم من ساحات القتال، وفق الجيل الرابع المستحدث من الحروب، إلا أن امتدادا حقيقيا يصل واقعنا بتاريخ قديم، لا يمكن تجاهله، إذ كان ومازال للحروب النفسية «بطولات» مشهود لها، لطالما انهارت أمامها قوى تقليدية عتيدة.
فواقع الأمر أن الحرب النفسية عميقة الجذور فى المسيرة الإنسانية، وأن تطورات أدواتها وآلياتها، مضيفة إلى تطور وسائل الإعلام، عناصر القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، مستهدفة التأثير على الآراء والمشاعر، ومن ثم السلوك. وعليه تقتصر الرؤى عن الإلمام بالغرض من حديثنا هذا، إن لم تؤكد على جدارة الحرب النفسية بدور فاعل فى بناء الدول ككيانات مستقرة، فضلًا عن أثرها فى العلاقات الدولية المعاصرة، حتى باتت عنصرا لا يغيب عن جهود تحقيق الاستراتيجية القومية للدول فى صراعها الدولى المتواصل، سلمًا وحربًا.
فى هذا السياق وعلى ضوء التجربة المصرية الحديثة، لا ينبغى إهدار ما يتصل بالإعلام من مفاهيم، لعل أهمها العلاقات العامة والإعلان والدعاية، كلها باتت فى حاجة ملحة إلى مراجعات حقيقية، تزيل ما نالها من سيولة والتباسات أتاحت قدرًا مفرطًا من الحماية على أعداء الوطن، مثلما أسقطت أدوارًا وطنية قلما تمسك بها، وتحمل تبعاتها نفر قليل من العاملين فى الحقل الإعلامى، ممن لم يفقدوا إيمانهم بأولوية المسئولية الوطنية على ما عداها من «هوامش» أشاعت الفوضى داخل الرأى العام. إذ حلت «الشفافية الانتقائية» مسارا غالبا على حركة المجتمع، بينما جاءت «سيادة القانون» ستارا كثيفا فى أيادٍ لم تقدم للوطن ما يدعم مشروعية احتسابها داخل أطر النخب السياسية المنوط بها استنهاض همم المجتمع لمجابهة ما يواجهه من تحديات ومخاطر. فإذا بها وثيقة الصلة والمصالح بأعداء الوطن. لا تجد ما تستتر به إلا «سيادة القانون» شعارا جاذبا للأنظار باتجاه مغاير لما تحمله أجندتها من ملفات معادية للوطن.
وليس من شك أن المسئولية الوطنية للإعلام، ما عاد لها أن تحتجز بعيدا عن أدوارها الاستثنائية التى تتيحها حالة الحرب التى يعيشها الوطن. فدور إعلامى كاشف لحقائق المشهد السياسى، يستند إلى قواعد الحرب النفسية ودوافعها ومبرراتها، يدفع بنا بالقطع باتجاه استئصال عناصر قوة أعداء الوطن، كفئة ضالة مضللة. اعتادت الجلوس على كل الموائد، ساعية بين صفوف الثورة حاملة أسباب بقاء الفوضى المجتمعية التى طالما ارتزقت على منتجاتها، واعتلت منابر راسخة فى المسيرة الوطنية، فأساءت إلى موقعها الأثير فى الضمير الوطنى.
والواقع أن وسائل الإعلام، باعتبارها الناقل الرئيسى للحرب النفسية، باتت أداة سياسية ناجحة، يشير إلى ذلك الاشتباك الحادث على الساحة بين القوى السياسية وملكية، أو استئجار، وسائل الإعلام، إذ باتت الفضائيات أذرعًا سياسية لا منافس حقيقى لها للترويج لاستراتيجيات خاصة، لم تنجح يومًا فى تقديم أوراق اعتمادها إلى الرأى العام، كوجوه وطنية تعلى من شأن المصالح العليا للوطن، وتلتحم بصفوف المواطنين متخلية عن دواعى تضخمها الرأسمالى.
إن اللافت أنهم لا يتورعون عن التشهير بالمال السياسى ودوره «المتوقع» غير المرغوب فيه، فى العملية الانتخابية المقبلة.. بينما الحال أن بقاء مثل هؤلاء فى مواقعهم غير المستحقة، لم يكن إلا باستخدام المال السياسى، وبالتالى فهو أداتهم النافذة، ومناخهم المفضل، وبيئتهم الخصبة الحاضنة لمبادئهم المضادة للوطن.
وعلى هذا النحو، يواجه المجتمع حربًا نفسية شرسة، وقودها المال وأدواتها الإعلام، وأبطالها وجوه الكل يعرفها، تستغيث دومًا بسيادة القانون. وما القانون بأعمى عما يفعلون، وما الإعلام الحر بمنأى عن مسئوليته الوطنية، ليواجه متذرعًا بمسئوليته وباستثنائية المرحلة، ما يبثه أعداء الوطن فى الداخل من سهام ترمى المجتمع بأدنى ما تملكه من قيم فاسدة.
ففى أدائهم السياسى المترهل والمغرض، ما يشيع الكثير من التشوهات على المشهد السياسى، الأمر الذى يدعم التشكك فى قدرة النظام الحر الذى أفرزته ثورة الثلاثين من يونيو على قيادة الوطن، وفق ما جاء فى خارطة المستقبل التى التف حولها الشعب تعبيرًا عن إرادته الحرة.
من هنا، تعبر الحرب النفسية الموجهة ضد الوطن من بعض أبنائه، من مرتزقة العمل السياسى، عن رغبة حقيقية فى تفريغ الوطن من قوة إرادته الحرة. فحقًا أيقن الخائنون أن فى ذلك ما يدعم توجهات أعداء الوطن فى الخارج، بعد أن أسقطت ثورة الثلاثين من يونيو ما كان بينهم من «صفقات مشبوهة» هيأت لكثير من «الصغار» فرصًا ساذجة ليست إلا فى أوهامهم تعيش، يتطلعون بها إلى قيادة الوطن، وما هم فى الواقع إلا ببعيد عن مصير كل من خان وأفسد وضلل، وظن أن سيادة القانون، يمكن أن تحمى الخائنين.
بينما الحال أن الأدوار الاستثنائية التى تبيحها أجواء الحرب، لن تغفر للإعلام الوطنى الحر تراجعه عن مسئوليته الوطنية، ليواصل الجسور منهم جهدًا وطنيًا حثيثًا، بموجبه تعتدل وجهة الخائنين من جلسة القرفصاء المذلة اختباء خلف الستائر الكثيفة للقانون، إلى الوضع وقوفًا أمام عدالة القانون.