الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بالمستندات.. نكشف أكبر قضية فساد بـ"البيئة".. إهدار 2.5 مليار جنيه بمشروعات وهمية.. تورط موظفين كبار في تسهيل الاستيلاء على أموال المنحة الألمانية.. والوزير يرفض تقديم بلاغ للنائب العام

خالد فهمى وزير البيئة
خالد فهمى وزير البيئة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم مرور أكثر من عامين على رفع المستشار القانونى لوزير البيئة، الدكتور محمود حمدى عطية، توصية إلى الوزير خالد فهمى، بضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية بتقديم بلاغ إلى النائب العام ضد عدد من الشركات المتورطة في مخالفات جنائية، خلال عملها ضمن مشروعات مكافحة التلوث في مدينة الكوثر بسوهاج، ضمن منحة بقيمة 2.5 مليار جنيه، مقدمة من بنك التعمير الألمانى، في 29 ديسمبر 2007، إلا أن الوزير ضرب بالتوصية عرض الحائط، مكتفيًا بنقل مدير المعمل المركزى لجهاز شئون البيئة إلى عمل آخر، مع إجباره موظفًا آخر على تقديم طلب للحصول على إجازة دون راتب، بحسب ما تقوله مصادر داخل الوزارة لـ«البوابة نيوز».

البداية كانت عندما أصدر فهمى قرارًا وزاريًا برقم 125 لسنة 2013، بتاريخ 22 مايو 2013، يقضى بتشكيل لجنة ثلاثية تضم الاستشاريين الفنيين للمشروعات، وهم الدكتورة فتحية سليمان، والدكتور علي خطاب، والدكتورة هدى صبرى، لمراجعة الإجراءات والاشتراطات والمستندات الخاصة بالمشروعات الممولة فنيًا وماليًا من مشروع حماية البيئة للقطاعين العام والخاص، وبعد 11 يومًا فقط من صدور قرار تشكيل اللجنة، زار أعضاؤها 9 مشروعات صغيرة ومتوسطة، من أصل 51 مشروعًا ممولًا من المنحة الألمانية.
وأثناء فحص ومراجعة اللجنة لجميع المستندات الخاصة بتمويل تلك المشروعات، وبحث مدى مطابقتها لاشتراطات التمويل المدرجة في الاتفاقية الموقعة بين الجانب الألمانى، ممثلًا في بنك التعمير، والجانب المصرى، ممثلًا فى البنك المركزى وجهاز شئون البيئة، اكتشفت عددًا من المخالفات المالية الجسيمة، التي قد ترقى إلى حد اعتبارها «جريمة»، بحسب الوصف الوارد في تقريرها، الذي حصلت «البوابة نيوز» على نسخة منه.

وكشفت مراجعة اللجنة للمشروعات عن عدم التزام أي من الشركات المنفذة لها بتطبيق المواصفات الفنية الخاصة بشراء المعدات، التي حصلت الوزارة على المنح الأجنبية لشرائها، كما تبين أن عددًا من الشركات المنفذة لم تشترِ المعدات من الأساس، مكتفية بتجديد المعدات المتواجدة في المصانع القائمة بالفعل قبل الحصول على المنحة، واكتشفت أيضًا أن سعر المعدات التي قالت الشركات إنها اشترتها لتنفيذ المشروعات، لا يزيد على 2.5% من القيمة التعاقدية.
كما رصدت اللجنة عددًا من المخالفات الجسيمة الأخرى، منها وجود تحايل للاستيلاء على مال الغير والمال العام، بالإضافة إلى إقرار فرع جهاز شئون البيئة بتوافق المعدات مع المعايير البيئية، على خلاف الحقيقة، ما أقره أيضًا المعمل المركزى في جهاز شئون البيئة، بعد زيارة المصانع، بالمخالفة للواقع، حيث اكتشفت اللجنة حصول أحد المصانع على مبلغ 170 ألف يورو لتغيير غلاية عمرها تجاوز الـ15 عامًا، وهو ما لم يحدث فعليًا، كما أوضحت القياسات البيئية وجود انبعاثات للأتربة في بيئة العمل، أعلى من المعدلات المسموح بها.

من جهته، بدأ المستشار القانونى للوزير، مذكرته القانونية المرفوعة إلى "فهمى" في نفس يوم ثورة 30 يونيو، بتفنيد واجبات ومهام جهاز شئون البيئة، وتحديد المسئوليات والاشتراطات الخاصة بتنفيذ المشروعات، وفقًا للاتفاق المبرم بين الوزارة والجهة الأجنبية المانحة.
وبحسب المذكرة، فإن الاتفاقية حددت مسئولية جهاز شئون البيئة، ووحدة إدارة المشروع، في تنفيذ آليات مراقبة تنفيذ وتشغيل المشروعات الفرعية، لضمان تحقيق الأهداف البيئية، على أن يكون قسم تقييم الآثار البيئية في الوزارة مسئولًا عن الموافقة على التقييم، وأن تلتزم البيئة بإعداد جدول زمنى تمويلي، مع المحافظة على الدفاتر والسجلات التي توضح جميع تكاليف المشروع.

وأكد المستشار القانونى، بعد مطالعة تقرير اللجنة الثلاثية، وجود دلائل جدية وثابتة تشير إلى وقوع جرائم جنائية، تتمثل في الاستيلاء على المال العام دون وجه حق، وهى مبالغ المنحة المقدمة بموجب اتفاقية التمويل، موضحًا أن المخالفات تضمنت تسهيلًا لاستيلاء الغير على المال العام أيضًا، ما يعاقب عليه نص المادة (133) من قانون العقوبات، التي تقضى بالأشغال الشاقة المؤبدة على المخالفين، إذا ارتبطت الجريمة بالتزوير.
وأشارت المذكرة القانونية إلى وقوع نوعين من الجرائم، الأول هو الإضرار العمدى بأموال ومصالح الغير (الجهة الأجنبية المانحة)، والمعهود بها لجهاز شئون البيئة المنفذ والمدير للمشروع، والثانى هو الإضرار غير العمدى بمصالح جهاز شئون البيئة، من خلال وقوع أضرار مادية جسيمة تحقق وقوعها، ما يعاقب عليه قانون العقوبات أيضًا.

وبحسب المذكرة القانونية، فإن تقرير لجنة الفحص أفادت بتكامل أركان جريمة الاستيلاء على المال العام دون وجه حق، من جانب الجهاز المنفذ والمدير للمشروع، وهو مشروع حماية البيئة من التلوث الصناعي، في صورة تسهيل الاستيلاء على مبلغ المنحة المقررة للمشروعات الفرعية المستفيدة، حيث امتنع الجهاز عن الالتزام بدوره في الإشراف والرقابة المستمرة على المشروعات، والتحقق من توافر شروط استحقاقها للمنحة المقررة، وهو مسلك وصفته المذكرة بـ«السلبي»، ما ترتب عليه تمكين معظم المشروعات من الحصول على مبلغ المنحة كاملًا، دون توافر الشروط، كما مكن البعض من إتيان طرق ووسائل احتيالية في سبيل الحصول على المنحة، وهى جريمة نصب تعاقب عليها المادة (336) من قانون العقوبات.


واتهمت مذكرة المستشار القانونى شركة الكوثر للأعلاف الداجنة بالنصب، والذي تمثل في الإيهام بوجود أكثر من شركة مستقلة، من أجل الحصول على مبلغ المنحة دون وجه حق، إضافة إلى حصولها على ضعف المنحة، وتجاوز الحد الأقصى المقرر، من خلال صرفها أكثر من مرة، كما أشارت المذكرة إلى أن الجهاز المنفذ للمشروع لم يقم بأى زيارة ميدانية لمواقع المشروعات الفرعية للتأكد من صحة وواقعية إجراءات تسليم وتركيب المعدات، ومطابقتها بالمستندات التي تمت الموافقة عليها، حسبما جاء في تقرير لجنة الفحص المشكلة بالقرار الوزاري، إضافة إلى عدم وجود معدات جديدة في عدد من مواقع الشركات الحاصلة على المنح لشرائها.

وكانت واحدة من المفاجآت التي كشفها تقرير اللجنة الثلاثية ومذكرة المستشار القانونى، هي صرف الجهاز المنفذ للمشروع مبالغ المنحة لجميع المشروعات الفرعية بالعملة الأجنبية، رغم أن عقود الموردين كانت تنص على الصرف بالعملة المحلية، خاصة أن المعدات مصنعة محليًا، حيث أعطى الجهاز تعليماته للبنك بأن يتم الصرف بـ«اليورو»، ما اعتبره المستشار القانونى أنه ينطوى على عملية تسهيل للاستيلاء على المال العام، إضافة إلى عدم تأكد الجهاز المنفذ للمشروع من وجود فواتير للدفعات المسددة للمشروعات الفرعية، واكتفائه بمحاضر تسليم وتركيب المعدات.

وفى نهاية المذكرة، خلص المستشار القانونى إلى أن ما نُسب من جرائم للقائمين على مشروع حماية البيئة للقطاعين العام والخاص، في جهاز شئون البيئة تنفيذيًا وإداريًا، تجاوز حد الاكتفاء بالمؤاخذة التأديبية، لأنه يشكل «جرائم جنائية مكتملة الأركان»، مشددًا على ضرورة تحريك دعوى جنائية ضد المتورطين، إعمالًا لقانون العقوبات، على أن تتولى النيابة العامة تحريك ومباشرة الدعوى أمام القضاء، لحين صدور حكم يحقق العدالة.

وأعد المستشار القانونى بلاغًا لإرساله إلى وزير البيئة، تمهيدًا لتقديمه باسمه إلى النائب العام، في سبيل تحقيق المصلحة العامة للدولة، وإعلاء سيادة القانون، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.