الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

التدخل العسكري الروسي في سوريا بين حسابات المصالح وقضايا النفوذ.. "داعش" هو البوابة الشرعية لتدخل موسكو.. ودول "الناتو" لا تستطيع الاحتجاج.. والتحالف مع إيران يفتح الشرق أمام الدب

التدخل العسكري الروسي
التدخل العسكري الروسي في سوريا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبيل بداية شهر أكتوبر الجاري أعلنت روسيا رسميًّا تدخلها العسكري في سوريا لصالح الرئيس بشار الأسد في مواجهة “تنظيم /داعش/ والمجموعات الإرهابية الأخرى”، وهو التدخل الذي استهلته بـ20 غارة جوية يوم -30سبتمبر- داخل سوريا ضد داعش، ومنذ ذلك الإعلان لم يتوقف الجدل حول ذلك التدخل عالميًّا من الشرق إلى الغرب، حيث ارتكزت مبررات الدول الداعمة للتدخل العسكري الروسي بسوريا بشكل أساسي على الدور الإيجابي الذي قد يلعبه ذلك التدخل في تقويض التنظيم والحفاظ على المؤسسة العسكرية " الجيش السوري "، فيما ذهبت المخاوف من الأطراف المعارضة للتدخل الروسي، إلى الدور الذي قد يلعبه هذا التدخل في تثبيت أركان نظام الرئيس بشار الأسد، وإضعاف المعارضين بما فيهم الذين لا ينتمون لداعش ".

إلا أن هذا التدخل يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة الأهداف الروسية، ومدى إمكانية تحقيق حل نهائي للأزمة السورية ينهي المأساة الإنسانية هناك، في ظل تدويل تلك الأزمة وتضارب المصالح بين القوى الدولية والإقليمية، بما فيها القوى المتحالفة مع روسيا مثل إيران، التي لا يمكن أبدا تغافل مصالحها، وتضاربها مع مصلحة روسيا في تثبيت موطيء قدمها الهش في الشرق الأوسط


 

واذا نظرنا إلى الهدف الإستراتيجي الروسي فإننا يجب أن نستعيد ما جرى في الماضي القريب وتحديدا عام 2003، حين غزت القوات الأمريكية وحلفاؤها الغربيون العراق وفككوا جيشه، والذي كان يعتمد على التسليح والتدريب الروسي، وأغلق ميناء البصرة أمام الأسطول الروسي، وتم سحب مشاريع تنقيب وتكرير بترول كانت قد حصلت عليها شركات روسية في العراق، وتولتها شركات غربية.

وفي2011 بدأ هجوم التحالف الغربي على ليبيا، وإسقاط معمر القذافي؛ وخسرت روسيا علاقتها بالجيش الليبي، حيث كانت بينها وبينه عقود تسليح وتدريب، وكذلك عقود تنقيب وتكرير بترول، ناهيك عن فقدان حقها الإستراتيجي في استخدام الموانئ الليبية، لرسو أسطولها فيها.

وعلى هذا الأساس، لدغ الغرب روسيا في أكثر من جحر؛ ولم يبق لروسيا غير ميناء طرطوس كقاعدة بحرية ترسو قطع أسطولها البحري فيه. وزحف الغرب، بما يمثله من حلف الناتو العسكري -الموجه تحديدًا ضد روسيا- إلى حدود روسيا نفسها، وبالتحديد لجمهورية أوكرانيا؛ والتي شجعها وأغراها الغرب لخلق توترات بينها وبين روسيا والانضمام لحلف الناتو.

 


وكان هذا التهديد من الغرب لروسيا، يمثل قاصمة الظهر بالنسبة لها؛ حيث مقر أسطولها البحري بجزيرة القرم التابعة لأوكرانيا. ولو حدث ذلك لأصبحت روسيا دولة داخلية، حيث سواحلها الشمالية تتجمد أكثر من 6 أشهر في السنة؛ وعليه تحركت روسيا دون أي تردد أو تأخر وسيطرت على جزيرة القرم وضمتها لها، حيث كانت في الأصل جزءا منها.

وعندما تفجرت الثورة السورية في 2011، وتحولت بفعل التدخلات الخارجية إلى حرب أهلية، تهدد بتفكيك مؤسسات الدولة السورية وعلى رأسها مؤسسة الجيش السوري؛ شعرت روسيا بخطر الناتو يهددها من جديد، كما حدث في العراق وليبيا، وعليه لن يبقى لأسطولها موضع قدم في الشرق الأوسط المهم إستراتيجيا لأي دولة تعتبر نفسها دولة عظمى.

وكان بقاء الجيش السوري لخمس سنوات يدافع عن النظام السوري؛ قد شجع روسيا على الوقوف إلى جانبه ودعمه بالتدخل العسكري المباشر؛ خاصة عندما بدأ الناتو وحلفاؤه بالتدخل المباشر في الحرب الأهلية السورية، وذلك ليس فقط عن طريق تمويل وتسليح وتدريب التنظيمات المسلحة في سوريا، ولكن عبر شنها غارات طيران داخل سوريا نفسها، لمحاربة داعش


 

وفي هذا الإطار شرعنت روسيا، تدخلها العسكري المباشر في سوريا، وهي محاربة داعش، ولا تستطيع دول الناتو ولا حلفاؤها الاحتجاج عليها، كونها هي من بدأ محاربة داعش في سوريا والعراق، وتمكنت روسيا من تكوين حلفها الجديد لمحاربة داعش، المكون من إيران والعراق وسوريا وحزب الله بحيث تكون قوة تبقيى على الارض، وقد أقر لها الغرب بذلك، عندما طلب التنسيق معها في تدخلها العسكري المباشر في سوريا.

ومن هذا المنطلق فان الحلف الروسي الإيراني العراقي السوري، لن يحفظ لروسيا قاعدة أسطولها العسكرية في طرطوس فقط ؛ لكنه سيعيد لها تواجدها في الشرق الأوسط، لتفتح أمام أساطيلها الحربية موانئ هذا الحلف، وعليه تستعيد روسيا، جزءا كبيرا من مجد الأسطول السوفيتي في المنطقة؛ وتتهاوى خطط الناتو لحصار روسيا، داخل حدودها.

فيما يبقى الموقف الإيراني ضمن حسابات المكسب والخسارة متأرجحا ما بين مخاوف الحفاظ على مناطق النفوذ، والحفاظ على توازن القوى في تلك المنطقة المهمة من العالم، فقوّة بحجم روسيا والتحرك المفاجئ الذي قامت به لا يمكن الإستهانة بما سيتركه من أثرٍ على الساحة الإقليمية والدولية، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ إيران لا يُمكن لها في الوقت الراهن أن تقوم بتحرك مماثل للتحرك الروسي، فموقع روسيا كقوة دولية لها علاقاتها الواسعة وحضورها في مجلس الأمن يسمح لها أن تقوم بالتدخل على غرار ما تقوم به أمريكا وإسرئيل في المنطقة


إلا أن كل المؤشرات تؤكد أن تقييم التحرك الروسي في سوريا يُرجّح حسابات الربح إيرانيًا على الصعد كل، وأن الحديث عن القلق الإيراني من هذا التدخل لا يعدو كونه شعورًا بالمنافسة على مناطق النفوذ يصدر من قراءة غير دقيقة للعلاقات الأمنية والسياسية والمصالح التي تجمع طهران بموسكو، لأن الأمر أكثر من كونه تحركا تكتيتيا، بل أننا لا نبالغ إذا وصفناه بأنه تحوّل إستراتيجي يصب في مصلحة إيران وحلفائها.

وعلى الصعيد الدولي فأن قوى كثيرة تأمل في حل سلمي للأزمة السورية، لكن المعطيات الراهنة تشير إلى ترجيح سيناريوهات استمرار الحرب وعلى نطاق واسع، خاصة وأن الوجود الروسي أصبح مثله مثل التحالف الدولي لمحاربة داعش، جزءا من المشكلة، حتى وإن كان الهدف منه الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومحاربة قوى التطرف التي تتشح برداء الدين.


 

وليس أبلغ من تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للدلالة على ذلك حيث أكدت “إن الجهود العسكرية ستكون ضرورية في سوريا لكنها لن تحل المشكلة.. نحتاج لعملية سياسية، لكن هذا لا يسير بشكل جيد حتى الآن".، موضحة أنه “للتوصل إلى حل سياسي أحتاج كلًّا من ممثلي المعارضة السورية ومن يحكمون حاليًا في دمشق وآخرين أيضًا، من أجل تحقيق نجاحات حقيقية، ثم والأهم من ذلك حلفاء كل مجموعة ".

فيما يرى مراقبون أن الحل السياسي للأزمة السورية لم ينضج بعد، وقد يكون على السوريين الانتظار سنوات أخرى، حتى تضع الحرب أوزارها بعد فشل كل القوى في تحقيق نصر حاسم، الأمر الذي سينتهي بالأطراف المتصارعة إلى مواصلة الحرب من أجل إثبات وجودها، وهنا لابد من نصرة أحد الأطراف على حساب باقي الأطراف، وهو ما تقوم به روسيا من خلال تدخلها العسكري.