الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

انتهى الدرس.. يا كاوبو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التدخل العسكرى الروسى الذى بدأ الأسبوع الماضى فى سوريا دون أى عنصر مفاجأة، جاء بمثابة تأكيد رسمى أمام العالم على عودة روسيا لدورها أمام أمريكا كأحد القطبين الأساسيين فى النظام العالمى بعدما أثبتت كل الدلائل أن تغييب القطب الروسى عالميا على يد رؤسائها السابقين جورباتشوف ويلتسين والاستفراد الأمريكى بهذا الدور أدى إلى اشتعال وتفاقم الصراعات بدلا من احتوائها كما كان يحدث عبر التاريخ فى ظل وجود روسيا كعامل أساسى يشكل التوازن الدولى المطلوب أمام أمريكا.
روسيا نجحت فى استثمار كل لحظة فشل أمريكية حين استحوذت على مجريات الأمور سواء فى أفغانستان أو العراق أو سوريا.. وحولتها إلى نجاح روسى أعاد لها السيطرة على العديد من الملفات الدولية.. الدور المنفرد فى إدارة العالم الذى اتخذته أمريكا مبررا لغطرستها ثم اصطدم بسلسلة من الفشل والتخبط السياسى والعسكرى مع ضعف الإدارة الحالية.. كلها عوامل استدعت مراجعة أمريكية حول جدوى هذا الدور الذى عجزت عن القيام به، لعل أبرز مظاهر هذا الضعف المثيرة للسخرية كانت حملات «التبشير» المكثفة برعاية وسائل الإعلام التى تتبنى خطاب الإدارة الأمريكية - وهى معروفة - حول الانتصار الدبلوماسى الساحق الذى حققته أمريكا بالتوصل إلى الاتفاق النووى مع إيران حتى وصل الأمر إلى تبنى هذا الإعلام حملة مكثفة لتجميل صورة الرئيس الإيرانى حسن روحانى خلال مشاركته مؤخرا فى الجمعية العامة للأمم المتحدة كوجه مقبول بين عامة الشعب بينما تتعالى هتافات «الموت لأمريكا» فى شوارع إيران!
ضعف الموقف الأمريكى أيضا ظهر علنا أمام العالم خلال الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة فى كلمة الرئيس الأمريكى والتى بدت أقرب إلى محاضرة دعائية عن السياسة الأمريكية يلقيها أستاذ جامعى انبرى خلالها أوباما ملوحا بالقوة العسكرية ثم انتقل موجها النصائح إلى حكام العالم بالابتعاد عن الديكتاتورية.. ثم اقتصار قمة مكافحة التطرف التى أقيمت على هامش الجمعية العامة برعاية أمريكية على الشكل الإنشائى والخطابات المكررة دون أى قرارات محددة توضح إنجازات التحالف الدولى للحرب على الإرهاب أو خططه المستقبلية.. فى المقابل نجح خطاب بوتين فى عرض رؤية روسية متوازنة لواقع الأزمات أكدت ثبات الرئيس الروسى على موقفه عبر السنوات الماضية دون تردد أو تضارب فى المواقف مع التأكيد على أهمية التنسيق العاجل بين أمريكا وروسيا خصوصا مع فشل سياسة «الكاوبوى» الأمريكى سواء فى استعراض آليات قوته العسكرية أو فرض حلول سياسية عبر قنواته الدبلوماسية تنهى الصراعات فى دول مثل العراق وسوريا وليبيا.
نجاح رجل المخابرات المحنك بوتين فى إيجاد صيغة تقارب فى المواقف مع إيران حول الأزمة السورية يستدعى إثارة هاجس ليس بعيدا عن حسابات الرئيس الروسى يرصد حدود الطموح الإيرانى فى الشرق الأوسط.. أمريكا اختارت الابتعاد عن «الصداع» الذى سببته فى المنطقة العربية مقابل صرف النظر عن تمدد النفوذ الإيرانى، بينما يبدو بوتين مصرا على مراقبة - أو فى قراءة أخرى – السيطرة على الطموح الإيرانى فى بلد ما زال يمثل نموذجا صارخا للأطماع الإيرانية.. هو العراق.. الإعلان عن إنشاء مركز تنسيق عسكرى روسي - أمريكى ثم مكتب عمليات استخباراتية يضم روسيا والعراق وسوريا وإيران – رغم التوضيح الذى جاء ضمن خطاب رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة- أثار مخاوف بين عدة أطراف فى المشهد السياسى العراقى وقوى مدنية تسعى إلى إبقاء الحالة الثورية التى تشهدها مدن العراق ضد تفشى الفساد والهيمنة الإيرانية على العراق.. أبرز هذه المخاوف هى إعطاء المعلومات الاستخباراتية من المكتب إلى جهات خاطئة تعيدها إلى الجماعات الإرهابية كما حدث وفق التقارير الصادرة عن الجانب الأمريكى التى أكدت وقف تسليح المعارضة السورية بعد تسرب معظم هذه الأسلحة إلى مقاتلى جبهة النصرة.. خصوصا أن تواجد عدة أطراف إقليمية على أرض المعركة الدائرة ضد داعش فى العراق خلق تعقيدات كانت بشكل غير مباشر تصب فى صالح هذا التنظيم، فالهدف الرئيسى لتواجد هذه الأطراف هو خدمة مصالحهم سواء داخل أو خارج العراق.. بينما عنوان «الحرب على الإرهاب» مجرد شعار يعكس غاية نبيلة تستر خلفها شبكة مصالح وأطماع.. أيضا وجود عناصر مما يُعرف بالحشد الشعبى داخل هذا المكتب مع ارتباط بعض عناصر هذه الميليشيات بارتكاب الممارسات الطائفية هو مبرر منطقى لإثارة قلق العديد من الأطراف العراقية المستقلة.
القراءات حول تكثيف الدور الروسى فى العراق ما زالت لم تتضح أبعادها.. بين بارقة ضوء فى النفق المظلم ترى هذا التطور خطوة نحو مراقبة الطموح الإيرانى المتزايد خصوصا أن إيران تمثل امتدادا جغرافيا لا يبعد كثيرا عن روسيا.. مما يبعث الأمل فى تحجيم النفوذ الإيرانى داخل العراق.. بينما تبدى التيارات الداعية إلى استعادة السيادة العراقية من المطامع الإقليمية التى استحوذت على مقاديره قلقها من أن تكون هذه الخطوة تكريسا للنفوذ الإيرانى على العراق كجزء من صفقة ضمن البنود غير المعلنة فى الاتفاق النووى بين أمريكا وإيران.