الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

دعه ينهب دعه يمر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كعادة المصريين فى إضفاء «التتش» الخاص بهم إلى كل ما هو مستورد، كان إبداعهم فى التعامل مع الأديان والثورات والأفكار، حتى لو كانت قد غيّرت وجه التاريخ.
من بين مفردات هذا الإبداع تعامل المصريين مع أهم ما أنتجه الفكر الإنسانى فى مواجهة المجتمعات الإقطاعية والعبودية.
وإذا كان أبو الرأسمالية آدم سميث صاحب أهم كتاب فى الاقتصاد السياسى «ثروة الأمم» قد رفع شعار «دعه يعمل دعه يمر»، وهو الشعار الذى انتصرت به الثورات البرجوازية على دول الإقطاع الأوروبية والعبودية الأمريكية، وخلال هذا الصراع بين القديم والجديد دفعت تلك الشعوب ثمنا غاليا للانتقال نحو المجتمعات الرأسمالية، وتحرير العبيد والفلاحين الأقنان، للعمل فى مصانع الرأسمالى الجديد قام المصريون بحل التناقض بين دولة الإقطاع والرأسمالية دون قطرة دم، وذلك بتحول الإقطاعيين أنفسهم إلى رأسماليين دون أى تغيير فى سلوكهم أو ثقافتهم فى التعامل مع فلاحى مصر.
وعندما قامت ثورة يوليو تحولت الرأسمالية دون قطرة دم من يد الإقطاعيين إلى يد البيروقراطيين ورجال الجيش، لتشهد مصر إبداعا جديدا من رأسمالية الدولة.
وفى مرحلة لاحقة جاء الرئيس الراحل أنور السادات بثورة الانفتاح الاقتصادى، ويصبح شعار الرأسمالية الجديدة «دعه ينهب دعه يمر» ينافس ويتباهى به المصريون على كل أساطين الفكر الاقتصادى.
ومنذ بداية الانفتاح وحتى يومنا هذا شهدت مصر أكبر عملية نهب وتجريف للثروة المصرية، وتطور شعار الرأسماليين الجدد إلى قانون «اهبش واجرى». هكذا كان الحال من الهباش الرائد توفيق عبدالحى إلى آخر الهباشين حسين سالم.
توفيق عبدالحى رجل أعمال هرب عام ١٩٨٢، إثر فضيحة استيراد ١٤٢٦ طنا من الفراخ الفاسدة وبيعها للمصريين، بجانب ٢٥ قضية نصب واحتيال وإصدار شيكات دون رصيد، بعد أن حصل على ٤٥ مليون دولار من ثلاثة بنوك كبرى بلا أى ضمانات أو مستندات.
كتب يوما ما عمنا جلال عامر عن الواقعة فى منتدى الحوار المتمدن كان الطالب الفاشل «توفيق عبدالحى» مندوبا للإعلانات فى جريدة «الطلاب»، وكانت جريدة لا تقبل الحال المايل، لذلك كانت تنتقد بشدة «أنور السادات» و«عثمان» وسياسة الانفشاخ ذاتها... فكر «عثمان» أن يضرب جريدة «الطلاب» بمندوب الإعلانات «توفيق عبدالحى»... فأسس له جريدة باسم «صوت الطلاب» لا هم لها سوى مدح «أنور السادات» و«عثمان»… أغدق «عثمان» المال على «توفيق» وجريدته حتى اختفت الجريدة الأصلية تحت وطأة الأزمات الخانقة، وبقيت الجريدة المزيفة تنافق السادات وعثمان حتى ملها الناس وانصرفوا عنها فأغلقت أبوابها... فأصدر له عثمان جريدة من أموال وزارة التعمير باسم «التعمير»، وكان يتم توزيعها بالأمر... همس «عثمان» فى أذن السادات بتعبير «التنمية الشعبية»، وعلى حس هذا الإصلاح أقيمت شركة «أريك»، وأقيم لها مجانا ١٥٢ منفذا للبيع فى أهم الأماكن، وكان معظمها مخالفا للقانون، والغريب أن «عثمان» و«عبدالحى» اللذين اقتنصا الملايين بسبب هذه النفحة الساداتية لم يدفعا فى هذه الشركة إلا ٥ آلاف جنيه.
بعد اغتيال «السادات» وتلاشى نفوذ «عثمان» أوقفت الجمارك شحنات الدجاج التى توزعها شركة «أريك»، وتبين أنها حتى لا تصلح سمادا للتربه (نعم نص التقرير على أنها لا تصلح سمادا للتربة أو طعاما للكلاب)... حتى هذا الوقت كانت التنمية الشعبية المهلبية قد أدخلت ١٠٥ شحنات دجاج ضخمة من محارقها فى الخارج إلى بطون المصريين... وتبين أن أفضل الشحنات كانت منتهية الصلاحية من سبع سنوات... وتبين أن «توفيق عبدالحى» نهب ملايين البنوك بضمانات وهمية، وأنه حتى لم يسدد للدولة جنيها واحدا كضرائب... ورغم ذلك فقد وجد «توفيق عبدالحى» من ينبهه أن أمرا من النيابة سيصدر بالقبض عليه... فهرب الرجل إلى اليونان ليكون باكورة طابور الهاربين وهو الطابور الذى بدأ به ولم ينته إلى الآن..
وخلال الرحلة لمعت أسماء كبار الهباشين وناهبى ثروات الوطن والكل يمرح ويستمتع فى العواصم الأوروبية ويشربون فى صحة مصر والمصريين.
لكن الأمانة تقتضى القول إن رحلة الهروب الكبير التى بدأها توفيق عبدالحى كانت ظالمة لعبدالحى الذى كان أشبه بحرامى غسيل بالمقارنة مع غيره، خاصة السيد حسين سالم الذى بدأ حياته بمرتب شهرى ١٨ جنيها شهريا وشقة إيجار، وانتقل إلى ثروة خيالية من مليارات الجنيهات والدولارات وملكية منتجعات وقصور وفيلات وأراض وحتى مدن مثل شرم الشيخ إلى جانب ممتلكات الخارج.
وشهادة من أهلها، حيث أكد المستشار محمد عبدالمولى محامى رجل الأعمال حسين سالم أن سالم تقدم بطلب تسوية بإجمالى ٥٧.٥٪ من إجمالى ثروته فى إطار تسوية شاملة.
وأضاف أن سالم ذكر فى رسالته أن ثروته تُقدر داخل مصر بـ٨ مليارات جنيه مصرى، وفى الخارج بـ١ مليار دولار فقط، مشددا على أنه إذا ظهرت أى أموال أخرى له غير ما ذكر فهو متنازل عنها، بحسب بوابة «أخبار اليوم».
هرب حسين سالم من مصر فى أعقاب انتفاضة ٢٥ يناير بعد أن قام بوداع الرئيس مبارك وأسرته، واستقل طائرته الخاصة متجها إلى سويسرا يوم ٣١ يناير ٢٠١١، إلا أن السلطات الإماراتية ألقت القبض عليه بمطار دبى فى أثناء توقف طائرته للتزود بالوقود، وبحوزته ٥٠٠ مليون دولار، لكنه تمكن من المغادرة بعد مفاوضات مع السلطات الإماراتية.
ونأتى إلى «التتش» المصرى عندما يصرح حسين سالم إلى صحيفة «المصرى اليوم» فى حوار طويل منذ عدة أشهر:
- أنا لا أدرى ما المشكلة التى سببها حسين سالم للبلد، أنا دائما كنت أقدم المصلحة العامة على أى مصلحة خاصة، وأفنيت حياتى مؤمنا ومخلصا لهذا المبدأ، وهو ما تشهد عليه الأعمال التى قمت بها، وأنا قمت بكل شىء بناء على توجيهات من المخابرات، وعمر سليمان والتهامى، رئيسى المخابرات السابقين، شهدا بذلك فى المحكمة، وقال القاضى فى حيثيات الحكم إن شركتى هى تابعة للمخابرات، فكيف أحاكم وأنا كنت أعمل لصالح الدولة، وهل هناك بلد فى العالم يحاكم مستثمرا، ألم تروا عظمة المشروعات التى نفذتها لصالح مصر، ومنها قاعة المؤتمرات فى شرم الشيخ، التى بنيناها فى ٨ شهور، وأهديتها للمخابرات مع الفندق المجاور لها، فعلى ماذا أحاسب؟!
■ ويسأل محرر الجريدة: كيف تعيش؟
- ويجيب سالم: أنا أعيش الآن فى شقة «غرفتين» فى ضيافة أحد الأشخاص، ولولا أن أولادى اشتروا منازلهم فى التسعينيات لم يكونوا ليجدوا أى مكان للإقامة به فى إسبانيا، أنا باشحت أنا وأولادى وأعيش على المعونات من أصدقائنا فى أبوظبى، وهذا ممكن أن يتوقف فى أى وقت، فمن أين سنعيش أنا وأولادى وأحفادى، نحن ١٥ فردا هنا، لا نعمل، نحن نريد العدل، ابنى خالد لم يستطع فتح شركة للعمل بها، وحفيدتى حاولت العمل بإحدى الوظائف، لكن تم رفضها، نحن نعيش على فيض الكريم، حتى صحتى تدهورت فى مدريد، الناس فاكرة إننا عايشين ملوك برة، وهذا غير صحيح.. وكل الناس كانت فاكرة إننا سرقنا البلد ومشينا.
دعوة للتبرع من أجل حرامية الوطن الذين يعيشون على فيض الكريم. ولا عزاء للأخ آدم سميث.