الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فرانسيس.. «الإنسانية كلها معك»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ستظل سيرة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان مصدرًا لإثارة مشاعر متعددة ومختلطة ومتنوعة ما بين الدهشة والإعجاب والمحبة والحزن أيضا. فإذا كان مستمعوه من البشر الطبيعيين، خصوصا فى بلادنا، سوف يستبد بهم الشوق لسماع مثل هذه الكلمات، ورؤية تجسيدها على أرض الواقع فى الخطاب الدينى لدينا، سواء فى المؤسسات الرسمية ومناهجها التعليمية أو من المتنطعين باسم الدين الإسلامى. وسوف تثير أيضا كلماته ومواقفه خيبة أمل من عمق المسافة واتساعها بين لغة رجال الدين فى واقعنا المرير وبين لغة البابا فرانسيس. سوف نحلم كما يحلم هو «بقساوسة يذهبون إلى السينما ويستمتعون بالموسيقى. يخرجون مع الأصدقاء ويشربون الكولا ويتواصلون على الإنترنت... ولا يخجلون من تناول البيتزا، يحبون الغناء والرقص والرياضة والمرح. يتحلون بعقول مستنيرة اجتماعية تحب البهجة والصحبة. قساوسة يعرفون كيف يستمتعون، ويحصلون على أجمل ما يمكن أن تقدمه الحياة دون قسوة أو رتابة».
هل يمتد بنا الخيال، ونضع بدلا من قساوسة «مشايخ» يحبون الحياة والموسيقى والرياضة والابتسامة فى الوجوه؟ إنه حلم إنسانى يبدد صورة وذكرى عبدالمنعم الشحات، المتحدث الرسمى باسم الدعوة السلفية، وهو يصف الحضارة الفرعونية بأنها حضارة عفنة، ويصم أذنيه ويغمض عينيه فى أحد البرامج رفضا لسماع أغنية وطنية، وقال مبررا لسلوكه الشاذ «لن أغضب الله وأخالف تعاليم دينى بسماع أغنية»، ولمَ نذهب بعيدا، فقد سبق ورفضوا فى مناسبات عدة وهم المقبلون الآن على انتخابات برلمانية الوقوف للسلام الجمهورى وتحية العلم.
إنهم لا يحبون الحياة، ولا تعرف قلوبهم الفرحة والبهجة، ولا ينشرون حولهم سوى الكآبة.
تثير سيرة البابا فرانسيس فى نفوس الناس الطبيعيين الإصرار على حق الفقراء فى ثروات العالم وفى ثروات بلادهم مع غيرها من الحقوق ومنها التعليم، حيث أكد الحق الأصيل لأبناء البلدان الفقيرة فى التعليم، وخاطب من فوق منصة الأمم المتحدة قادة العالم، لبذل الجهود، لضمان وصول هذا الحق للكافة حتى «يتمتع الجميع بأساس مادى وروحى لتحقيق كرامتهم وبناء عائلاتهم»، بينما فى بلاد تدعى أنها إسلامية تحرق المدارس وتتعقب وتحرم تعليم البنات، وتقصر التعليم على ما جاء فى الكتب الصفراء من إنتاج فقهاء القرون الوسطى. فهم يحتقرون العلم والعقل.
وحمل البابا بقوة المسئولية للدول الرأسمالية الكبرى. الرأسمالية التى وصفها بالمتوحشة فى أحد لقاءاته، منحازا هو إلى الفقراء الذين يموتون جوعا، والأطفال الذين لا يصل إليهم الحق فى الوقاية من الأمراض والأوبئة القاتلة. بينما الرأسمالية المتوحشة تنفق المليارات على أدوات القتل والإبادة.
كان يلقى كلمته فى نفس الوقت الذى تشهد منطقتنا حرائق باسم الدين الإسلامى، ولا نعرف متى يتوقف هذا الجنون؟! ومتى يصل إلى عقول رجال الدين فى بلادنا أن مواجهة هذا العنف جزء من مسئوليتهم التى حملها لهم الدين الذى يؤمنون به، دون تفرقة بين أصحاب الديانات الأخرى؟.. لذا يحق لنا أن نحلم برجال دين يقتربون من عقل ووجدان البابا فرانسيس الذى يناضل من أجل وقف العنف ضد الأقليات الدينية والعرقية فى بعض من بلدان الشرق الأوسط. وهو ودون أن يقصد يعمق من أوجاعنا بقيامه بالصلاة من أجل السلام فى المكان الذى وقعت فيه هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ فى نيويورك بحضور ممثلين عن الديانات الهندوسية والبوذية واليهودية والمسيحية والإسلامية وعن بقية الطوائف المسيحية.
هل فى سيرة البابا فرانسيس حلم من حقنا أن نحلم به؟ هل استمع هؤلاء الذين يدمرون الإنسانية باسم الدين هتاف من استقبلوا بابا الفاتيكان: «فرانسيس العالم كله معك»، وإن أردنا الدقة فنحن نقول إن «الإنسانية كلها معك»؟