الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة" تحقق في اختفاء 339 مليار جنيه من "الصناديق الخاصة"

"المركزي للمحاسبات" يبحث عنها وأوراق القضية فى مكتب النائب العام

لمركزى للمحاسبات
لمركزى للمحاسبات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
301 مليار جنيه اختفت فى عهد «الإخوان»
البنك المركزى يكشف تجاوز حركة السحب والإيداع 196 مليار جنيه فى عام واحد
«المالية» تهربت من تقديم البيانات «للمحاسبات» طوال 5 سنوات ثم ألقت بالمسئولية فى ملعب البنك المركزى
«مغارة على بابا»، هو اللفظ أو الوصف المناسب لما يجرى على أرض الواقع فيما يسمى بالصناديق الخاصة، فما أكثر ما أعلن عما تحويه من مليارات، وما أكثر المطالبات التى نادت وناشدت وصرخت لنجدة أموال هذه الصناديق مما يجرى بها من عبث، يصل إلى حد السرقة العلنية، فيما كانت الردود الواردة من جهات رسمية عديدة، كلها تكذب ما توصل إليه كثير من الكتاب والباحثين، بينما كان رد الجهاز المركزى للمحاسبات غائبا طول الوقت، وشاكيا بعض الوقت من غياب الحقائق التى يمكن لمفتشيه أن يستندوا إليها فى تحقيق أرقام ما تحتويه تلك الصناديق.
«البوابة» حصلت على مستندات خطيرة تكشف حجم أرصدة تلك الصناديق الخاصة، التى لم يجرؤ أحد فى السابق على التفتيش فى أوراقها.
وتكشف تلك المستندات أن إجمالى ما أمكن حصره من أموال فى تلك الصناديق بلغ 339 مليارًا، و532 مليونًا و715 ألف جنيه، وهو مبلغ ربما يكفى لإخراج مصر من كبوتها الاقتصادية، وسد العجز الحاد فى الموازنة العامة للدولة.

339 مليارا تائهة
بحسب المستندات التى بحوزتنا، بلغت حركة الحسابات فى تلك الصناديق، منذ عام 2011، وفق مذكرة للجهاز المركزى للمحاسبات، صادرة فى عام 2013، نحو 98 مليارًا و700 مليون جنيه كإيداعات، مقابل 98 مليارًا و800 مليون جنيه كسحوبات، بما يعنى سحب 100 مليون جنيه من الرصيد السابق.
وبحسب المذكرة ذاتها، فإن ما نسبته 95٪ من حركة السحب، تم توجيهه لشراء هدايا لمسئولين كبار فى الدولة، ومكافآت لأشخاص لا علاقة لهم بأنشطة تلك الصناديق.
والمفاجأة فى الأرقام التى حصلت عليها «البوابة»، أنها تتجاوز بكثير تقديرات رئيس الجهاز المركزى السابق، المستشار جودت الملط، فى بيانه عن العام المالى 2009/2010، بالمخالفة لتقارير الجهاز فى ذلك الوقت، وهى ذات المبالغ التى أمكن حصرها مع تولى المستشار هشام جنينة رئاسة الجهاز عن العام نفسه.
ما تضمنه تقرير الملط بشأن الأرصدة، جاء مخالفًا للحقيقة التى كان يعرفها بحكم منصبه، إذ أورد بيان «رئيس المركزي للمحاسبات السابق»، «أن جملة الإيرادات للحسابات الخاصة فى البنك المركزى والبنوك التجارية بلغت نحو 21 مليار جنيه، وجملة المصروفات بلغت 15 مليار جنيه، والفائض المرحل فى نهاية يونيو 2010 بلغ 12 مليار جنيه».
وهو ما يستوجب إحالته إلى النيابة العامة، للتحقيق معه بتهمة «التدليس»، بحسب ما قال وكيل الجهاز السابق، ورئيس المركز المصرى لمكافحة الفساد، عاصم عبدالمعطى، لـ«البوابة»، مشيرًا إلى أن تقارير جهاز المحاسبات فى 2010، أكدت أن الملط خالف الحقيقة التى يعرفها، وهى أن جملة الإيرادات الخاصة بتلك الصناديق فى ذلك العام، بلغت نحو 88 مليارًا، و232 مليون جنيه، مقابل مصروفات بلغت 61 مليارًا و446 مليون جنيه، بفوائض مرحلة بلغت نحو 26 مليارًا و785 مليون جنيه».
الوكيل السابق للجهاز المركزى للمحاسبات، عاصم عبدالمعطى، يشير إلى أن تقرير الملط المقدم إلى البرلمان وقتذاك تجاهل عمدًا حسابات الصناديق والوحدات ذات الطابع الخاص بالعملة الأجنبية، والبالغ عدد ما أمكن حصره منها 616 صندوقًا، وهى بعملات أجنبية متنوعة ما بين الجنيه الإسترلينى، والدرهم الإماراتى، والدولار الكندى، والدينار الكويتى، والريال السعودى، والفرنك السويسرى، والين اليابانى، والكراون السويدى، والكراون الدنماركى، والدولار الأمريكى، وجميعها صناديق منتشرة فى كل الوحدات الإدارية التابعة للدولة، ولا تخضع للرقابة، مضيفًا أن إيرادات الحسابات الخاصة ذات الطابع الخاص، بلغت نحو 2 مليار و498 مليون دولار، فيما بلغت الإيرادات الخاصة بصناديق الدينار الكويتى نحو 90 مليون دينار كويتى.
ويضيف عبدالمعطى: «ليس معقولا أن نترك الحبل على الغارب للمسئولين فى قضية الصناديق الخاصة، رغم أننا بلد يواجه كل هذه المشاكل الاقتصادية، حسب تعبير رئيس الوزراء السابق، إبراهيم محلب، فلا يمكن ترك كل هذه المليارات دون حسيب أو رقيب، وليس معقولًا أن ننفقها على إعلانات التعازى والتهانى وتجديد سيارات المسئولين، ودفع مكافآت للمحظوظين، لذلك أرى أن ما يجرى فى هذا الملف جريمة مقصودة وممنهجة، تستهدف أن يستمر الفساد مستشريًا فى كل مؤسسات الدولة، وأن تكون الصناديق الخاصة بوابة للفساد، تمر منها الأموال دون حساب».
فيما يعلق الخبير الاقتصادى، الدكتور صلاح جودة، على ذلك بقوله: إن إهدار المال العام فى الصناديق يعد «جريمة فى حق بلد يحاول ويسعى جاهدًا للنهوض من كبوته»، معتبرًا أن «ذلك الإهدار يبدو مقصودا وممنهجا، بهدف إغراق مصر وتجريفها تماما».
وبحسب «جودة» فقد تجاوزت عمليات النهب المنظم للمال العام فى الصناديق الخاصة، التى اعتبرها الخبير الاقتصادى الدكتور صلاح جودة، أكبر عملية تجريف للمال العام فى تاريخ مصر، كل الحدود، خاصة فى صناديق الحسابات المتنوعة، التى يبلغ عددها 5241 صندوقًا، تتوزع بين جهات مختلف، منها 1291 صندوقا يخص وحدات الإدارة المحلية، وتضمنتها الصفحات من 104 إلى 181 من كشوف البنك المركزى الخاصة بتلك الحسابات، والتى حصلت «البوابة» على نسخة منها، بالإضافة لـ13 صندوقا للشخصيات الاعتبارية، برصيد إجمالى يبلغ 765.5 مليون جنيه.
مبارك فشل في السيطرة عليها
قبل اشتعال شرارة ثورة 25 يناير، كان الرئيس الأسبق مبارك قد انتبه إلى وجود الصناديق الخاصة بعيدًا عن أعين الرقابة، إذ كان يعرف جيدًا حجم مليارات الصناديق الخاصة التى تفوق الحصر، وخطورة بقاء أموالها خارج الرقابة المالية للدولة، وكذلك خطورة أن تضل طريقها إلى يد رجال نظامه فتصرف دون ضوابط للصرف، وفى عام 2006 أشار إلى أنه آن الأوان لاسترداد أموال هذه الصناديق، أو ما تبقى منها.
فخرج للنور القانون رقم 139 لسنة 2006، الذى ألزم وحدات الجهاز الإدارى فى الدولة، والإدارة المحلية، والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وغيرها من الشخصيات الاعتبارية العامة، بإغلاق جميع الحسابات المفتوحة خارج البنك المركزى، دون ترخيص من وزير المالية، خلال فترة لا تتجاوز 30 نوفمبر من العام نفسه، على أن يتم فتحها فى البنك المركزى.
كما فرض القانون على كل من وزير المالية ومحافظ البنك المركزى، إصدار لوائح منظمة لضبط حسابات تلك الصناديق، وقواعد الصرف منها، وأعطت للوزير حق الاطلاع على تلك الحسابات، ومراجعتها فى البنك المركزى وجميع البنوك التجارية، وهو ما لم يتم فى كثير من تلك الصناديق، التى بلغت حساباتها فى البنك المركزى حتى 30 يونيو 2011 ما يقرب من 400 مليار جنيه، يتضمنها 1061 حسابا.
50 مليارا لم تستفد منها الحكومة
كان عدد حسابات الصناديق الخاصة فى البنوك التجارية قد بلغ 300 حساب بالأرصدة المحلية والأجنبية، بقيمة إجمالية 47 مليارًا و400 مليون جنيه، وفق تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات، أحيل إلى النيابة العامة للتحقيق فيه، وأكد التقرير أن معظم تلك الصناديق تم إنشاؤها بقرارات إدارية، ومن موظفين عموميين، بالمخالفة للقانون الخاص بالموازنة العامة للدولة، فضلًا عن عدم إعداد لوائح مالية لإدارة تلك الصناديق والحسابات.
وأشار التقرير إلى ما اعتبره «مخالفات محاسبية جسيمة» عند التصرف فى أموال تلك الصناديق، مؤكدًا صرفها فى غير الأغراض المخصصة لها، سواء فى التعازى، أو الحفلات والضيافة، أو الهدايا الخاصة والمكافآت غير القانونية، فضلًا عن عدم الاستفادة من أموال مجنبة، بعد تخصيصها لتمويل مشروعات تم نسيانها تماما، ومع ذلك بقيت الأرصدة مجمدة لمدد طويلة دون الاستفادة منها فى الأغراض المنشأة لأجلها. وبحسب مستندات منسوبة إلى البنك المركزى، حصلت عليها «البوابة»، تم تجنيب مبلغ 50 مليار جنيه فى الحساب رقم ٩٤٥٠٨٢٤٥١٠ منذ عام 2000، من حصيلة بيع سندات الحكومة، بغرض تغطية العجز النقدى فى حساباتها، ورغم مرور 15 عامًا على تجنيب المبلغ، لم تستفد منه الحكومة حتى الآن، ودون أى ذكر للفوائد المتحققة عن المبلغ المودع فى البنك، ومن يتصرف فى الأموال والفوائد، وفى عام 2001 تم تجنيب مبلغ 18 مليار جنيه أخرى من السندات لنفس الغرض، لكن فى حساب جديد، فضلا عن 10 مليارات و810 ملايين جنيه تقريبًا فى صندوق فروق إعادة تقويم الذهب المودع بغطاء النقد.
باب خلفي للفساد
تكشف ملاحظات الجهاز المركزى للمحاسبات، الواردة فى التقرير المقدم للنيابة العامة، أن الأموال الموجودة فى عدد من الصناديق الخاصة إما مجنبة دون سبب واضح، أو تنفق فى غير الأغراض المخصصة لها، وأن عددًا كبيرًا من هذه الصناديق أنشئت للصرف على مشروعات كبيرة قبل نسيانها تمامًا، دون الاستفادة من الأموال الموجودة فيها، أو استخدمت تلك الأموال فى توصيل مياه وكهرباء وخدمات أخرى لفيلات عدد من كبار المسئولين، وأدوية لغير ذى صفة، حسبما جاء فى حركة الصرف، والأهم أن كل الصناديق، دون استثناء، لم تتبع قواعد وأصولًا حسابية واضحة فى الإنفاق، ولم تلتزم الشفافية، بمعاونة من البنك المركزى، حسب التقارير الرقابية الأخيرة.
ورغم أن «قانون مبارك» كان خطوة للسيطرة على الصناديق الخاصة، إلا أنه لم يكن كافيًا لإعادة تلك الأموال السرية إلى الدولة. فقد سعت قوى خفية إلى إبقاء «كنز على بابا» بعيدًا عن الرقابة، فظل عددًا كبيرًا من تلك الصناديق فى طى الكتمان، داخل المغارات السرية المستخدمة فى نهب الأموال دون رقيب.
ملايين عهد الإخوان
على مدار سنوات، تواطأت حكومات متعاقبة على «مصمصة» مصر، وعندما جاء «الإخوان» إلى الحكم تمكنوا فى عام واحد، من إغراق البلاد «عمدًا» فى بحر من الرمال المتحركة، وصل إلى حد تقنين التورط فى إخفاء 301 مليار جنيه من أرصدة الصناديق الخاصة. وذلك بحسب تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات، تم تقديمه إلى النائب العام، فى القضية رقم 8714 لسنة 2014 بلاغات نيابة الأموال العامة العليا.
فمغارة «الصناديق الخاصة»، التى وصفها «المركزى للمحاسبات» فى بلاغ للنائب العام بـ«الإنفاق السفيه»، خصوصًا فى فترة حكم «الإخوان» لمصر، كانت عزبة خاصة، صرف المسئولون منها وتصرفوا فيها بل ونهبوا كيفما شاءوا، فبنى البعض من أموالها قصورًا، ولف البعض بأموالها العالم.
بينما كان يمكن لأموال هذه الصناديق الخاصة أن تحل أزمة عجز الموازنة العامة للدولة، بدلًا من أن تكتفى الحكومات المتعاقبة بالنظر تحت قدميها، دون عناء التفكير فى هذا الحل الممكن لإنقاذ البلاد من عثرتها الاقتصادية.
لكن الغريب أن جميع الحكومات السابقة، اختارت الطريق الأسهل لعلاج عجز الموازنة، وهو الاستمرار فى الاقتراض، لسداد فوائد ديوان سابقة، حتى تحولت البلاد إلى بالون منتفخ بالعجز، فى انتظار انفجار محتوم.
حكومة واحدة، لم تأت بعد، كان يمكنها أن تستمع إلى المطلب الذى تردد كثيرًا على لسان عدد كبير من خبراء الاقتصاد، الذين لم يجدوا صدى لمطلبهم بضرورة دمج الصناديق والحسابات الخاصة فى الموازنة العامة للدولة، حتى تكون خاضعة الرقابة، دون أن يجدوا التفاتًا إلى منطقية ووجاهة مطلبهم، وكأن الجميع تواطئوا على ترك كبار المسئولين ليستمروا فى نهب «عزبة» الصناديق الخاصة كيفا يشاءون.
ووفقًا لتقرير «المركزى للمحاسبات»، فقد كان حجم أرصدة الصناديق الخاصة فى يوم تنصيب المعزول محمد مرسى رئيسًا، فى 30 يونيو 2012، يبلغ 339 مليارًا و533 مليون جنيه، انخفض فى عام واحد، ليصل إلى 38.5 مليار جنيه فقط «بقدرة قادر»، فى 30 يونيو 2013، دون أن يعلم أحد أين اختفت تلك الأموال.
وخلال العقدين الماضيين، تشعبت تلك الصناديق الخاصة، وانتشرت فى جميع الوزارات والمحافظات، ووصلت إلى الشركات القابضة، بعدما استمرت كل هذه الجهات بسلسلة من القوانين، تعطى الحق لها فى إنشاء تلك الصناديق. واللافت أن التوسع فى إنشاء تلك الصناديق، لم يواكبه أى صلاحيات فى الرقابة على إنفاق أموالها وأوجه صرفها، وكأنما تأسست لتكون بعيدة عن عيون الأجهزة الرقابية، سواء من ناحية الإنفاق «السحب» أو المصادر «الإيرادات»، وذلك رغم الشكاوى المتكررة التى أطلقها مسئولو «المركزى للمحاسبات» من غل القوانين ليد الجهاز فى الرقابة على هذه الأموال.
إلا أنه من المفارقات المثيرة للدهشة بشأن «الصناديق الخاصة»، أن وزير المالية، الدكتور هانى قدرى دميان، منذ تولى الوزارة، لم يختلف عمن سبقوه فى نظرته إلى تلك القضية، فلا هو اهتم بمعرفة الحجم الكلى لأموال الصناديق الخاصة، باعتباره المشرف عليها، وفقا للقانون رقم 139 لسنة 2006، أو البحث عن طريقة للتصدى لإهدارها.
وبحسب تصريح سابق له عن تلك الصناديق، فقد قال فى أغسطس 2014، إن «أموال الصناديق الخاصة لم تزد على 3.8 مليار دولار»، لكنه لم يستطع تفسير سر اختفاء مبلغ 5.6 مليار دولار من أموالها، فى السنة المالية 2012/ 2013. وهو ما اعتبره المركزى للمحاسبات «إنفاقا سفيها وممنهجا» لأموال الصناديق الخاصة، يجعل الأمر يتجاوز حدود المخالفة الإدارية، ليدخل فى نطاق الجريمة، خاصة عندما يتحدث الجهاز عن اختفاء 3.1 مليار جنيه فى عام واحد، وتشير مصادر داخل الجهاز إلى أنها أنفقت بأوامر من جماعة الإخوان الإرهابية، ومكتب إرشادها، كرشاوى لإسكات المطالب الفئوية، وضمان ولائهم.
ويكشف التقرير الرقابى للجهاز، أن عدد الصناديق التى أمكن حصرها، هو 6061 صندوقًا، بأرصدة فى البنك المركزى بلغت 38.6 مليار جنيه فى 30 يونيو 2014، منها 5 مليارات تتعلق بالهيئات الاقتصادية وحسابات أخرى، ونحو 5.8 مليار جنيه رصيد الحسابات الخاصة بالعملات الأجنبية، والباقى يخص الجهاز الإدارى للدولة، والإدارة المحلية، والهيئات الخدمية، والشخصيات الاعتبارية، والجامعات، والحسابات الموازية للحسابات الصفرية.
كما رصد «المركزى للمحاسبات» 300 صندوق آخر فى البنوك التجارية، بالمخالفة للقانون الذى يمنع افتتاح حسابات خاصة فى أى بنك خلاف البنك المركزى، وبلغت جملة تلك الأرصدة فى يونيو 2011، نحو 8.8 مليار جنيه، والغريب أن موظفى الإدارة المركزية للتفتيش على البنوك، التابعة للبنك المركزى، لم يتمكنوا من رصد حركة تلك الأموال، ومعرفة أين ذهبت؟ ومن المتصرف فيها؟ كما لم يعرفوا ما إذا كانت تلك المبالغ بالعملة المحلية أم بعملات أجنبية؟.
وتضمن التقرير ملاحظات أخرى مثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، «صرف أموال بعض الصناديق والحسابات الخاصة فى غير الأغراض المخصصة والمنشأة من أجلها»، لافتا إلى أن جانبا كبيرا من تلك الأموال أنفق كقروض وسلف ودعم وإعانات ومصروفات ضيافة لبعض الجهات، وللصرف على أطعمة ومواد غذائية لعدد من الوفود، والمعسكرات، وإعلانات التعازى والتهانى، ومكافآت وبدلات للمحظوظين بأرقام أكبر من المسموح بها قانونا، ومكافآت لأشخاص لا علاقة لهم بأموال الصناديق».
وأشار التقرير إلى جوانب أخرى للإنفاق من أموال هذه الصناديق، فى مقدمتها شراء أجهزة غير ضرورية، حيث تم تشوينها، ما جعلها عرضة للتلف، كما استخدمت تلك الأموال فى الإنفاق على تجهيز مكاتب ومبان دون استغلالها، كما لفت إلى عدم إحكام الرقابة على عمليات الصرف والإيداع، وتحصيل أموال لتلك الصناديق دون لوائح مالية، وتحصيل أموال نقدًا، وإنفاق أخرى دون مستندات صرف.
وتعنى تلك الملاحظات للجهاز أن «مجمل التصرفات» التى جرت لأموال الصناديق لم تكن محصنة من الاعتداء عليها، لأنها أنفقت على أغراض خاصة، وذهب الكثير منها فى توصيل المرافق لفيلات كبار المسئولين، وصيانتها، بالإضافة لتمويل صيانة سياراتهم، وشراء سيارات جديدة، واستيراد أدوية لأشخاص بعينهم دون وجه حق.
المالية تتهرب من مسئوليتها
الجهاز المركزى للمحاسبات اتهم فى تقريره وزارة المالية بـ«التقاعس» عن رقابة تلك الصناديق، التى شهدت أكبر جريمة نهب وتجريف للمال العام، خصوصًا أن الجهاز المركزى للمحاسبات يلح منذ عام 2007 على وزارة المالية للإفصاح عن تفاصيل مبالغ تلك الصناديق، لكن الرد كان يأتى من الوزارة أكثر من مرة، بأنها لا تعرف شيئًا عن هذه الصناديق، رغم كونها المسئولة قانونًا عن مراقبتها ومتابعتها، ووضع النظم المحاسبية الكفيلة بحماية المال العام.
وفيما كانت مطالبات الجهاز المركزى للمحاسبات لوزارة المالية بالإفادة عن هذه الصناديق قد شملت ضرورة الإفصاح عن تفاصيل حساباتها، وفروع البنوك المفتوحة بها، ونوع العملة، والحساب، وأصحاب حق الصرف، حتى يمكن متابعتها واتخاذ اللازم.
فقد كشفت خطابات الردود المتبادلة بين الجانبين، أن الجهات المسئولة عن الرقابة فى وزارة المالية، والجهات المنوط بها التصرف فى الأموال «لا تعرف شيئًا عن هذه الصناديق».
فبحسب المخاطبات المتبادلة بين «المالية» و«المركزى للمحاسبات» لم تكن بيانات الصناديق وأرصدتها متاحة للوزارة، التى نصحت موظفى الجهاز باللجوء إلى الإدارة المركزية للرقابة والإشراف على البنوك، التابعة للبنك المركزى، وهو ما دفع المركزى للمحاسبات بالفعل لمخاطبة البنك المركزى على مدار 5 سنوات، دون أن يسفر ذلك عن تلقى إجابة واضحة عن مصير وطبيعة تلك الحسابات وأرصدتها، خلال الفترة بين عامى 2007 و2011.
لكن البنك أخيرًا أرسل نسخة من أوراق الصناديق إلى الجهاز المركزى لمراجعتها. وفى نوفمبر 2011 أكد البنك المركزى فى خطابه لجهاز المحاسبات أنه يرسل جميع البيانات بصفة دورية إلى وزارة المالية، منذ صدور القانون رقم 139 لسنة 2006، فيما يثير بدوره علامات استفهام كبيرة حول غموض موقف الوزارة من كشف حقيقة هذه الصناديق.
شبهات إخفاء متعمد
الخطابات المتبادلة بين البنك المركزى ووزارة المالية، طرحت شبهات حول وجود محاولات لإخفاء المعلومات الخاصة بأرصدة الصناديق الخاصة عن الجهاز الرقابى، وإنكار العلم بعددها وأرصدتها، لكن حين جاءت ثورة 25 يناير، فتحت الباب - لأول مرة - أمام الإفصاح بمعلومات عن بعض هذه الصناديق، لتبين أن معظم أموالها مرصود لخدمة مسئولين كبار ونافذين، ومعظمها كانت تصرف دون ضوابط، ووصل حجم تلك المصروفات إلى مليارات الجنيهات.
لكن الغموض الرسمى والتعتيم «المقصود» فى التعامل مع الأموال السرية للصناديق الخاصة، دفع منسق عام ائتلاف ثوار الصعيد، عبدالرحمن أبوزيد، إلى التقدم ببلاغات للنيابة الإدارية والنائب العام، يتهم فيها مسئولين كبارا بإهدار المال العام، والسرقة، مؤكدًا أن «تلك المليارات كانت تذهب لجيوب الفاسدين»، وآن الأوان لاستردادها، وتوجيهها إلى مصارفها الشرعية السليمة. كما شدد على ضرورة الكشف عن تلك الأرصدة من واقع حركة السحب والإيداع عليها فى البنوك، وعرض المعلومات على الرأى العام.

وزير المالية الأسبق يعترف
المثير أن وزير المالية الأسبق، الدكتور ممتاز السعيد، اعترف فى تعليقه لـ«البوابة» بأنه أثناء فترة توليه الوزارة، واجه حربًا شرسة مع المستفيدين من حصيلة الصناديق الخاصة، وقال لـ«البوابة»: «عندما طلبت ضم 10٪ من أرصدة هذه الصناديق إلى الموازنة العامة للدولة، قوبل الطلب بالرفض، لكنه نجح فى الوصول إلى اتفاق يقضى بضم 10٪ من الحسابات الجارية السنوية للصناديق دون الأرصدة»، مطالبًا الحكومة الحالية بفرض سطوتها على تلك الصناديق، وإصدار قانون يلغى كل الحسابات والصناديق الخاصة، على أن تؤول الأرصدة إلى الموازنة العامة التى تعانى عجزًا شديدا.
مؤكدا أن الصناديق الخاصة تمثل أهم أسباب الخلل فى الموازنة المصرية، مضيفا أن تلك الصناديق تمثل أوعية موازية للميزانيات الخاصة فى الوزارات أو الهيئات العامة والمحافظات، وهى تنشأ بقرارات جمهورية لتستقبل حصيلة الخدمات، وغيرها من الغرامات والرسوم والموارد لتحسين الخدمات المقدمة من الهيئات العامة.
ملايين الصناديق في الجامعات
عن الصناديق الخاصة بالجامعات، حدث ولا حرج، فجامعة القاهرة وحدها أنشأت 255 صندوقًا، بأرصدة إجمالية بلغت 929 مليونًا و249 ألف جنيه، تلتها جامعة عين شمس بـ238 صندوقًا أرصدتها 543 مليونًا و474 ألف جنيه، ثم جامعة الإسكندرية بـ380 صندوقًا، أرصدتها 365 مليون جنيه، فيما أسست جامعة حلوان 193 صندوقًا بأرصدة إجمالية 150 مليون جنيه، وأسست جامعة المنوفية 175 صندوقًا وحسابًا خاصًا، بأرصدة بلغت 71 مليون جنيه.
ووصل العدد الإجمالى للصناديق والحسابات الخاصة بالجامعات، 2268 صندوقًا وحسابًا خاصًا، وبلغت حركة السحب عليها خلال عام واحد 3 مليارات و897 مليون جنيه، وأرصدة نهائية بقيمة 3 مليارات ومليون جنيه، أما صناديق هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، فبلغ عددها 27 صندوقا وحسابا خاصا، بأرصدة إجمالية بلغت 838 مليونًا، وحركة دائنة بنحو 13 مليارًا و133 مليون جنيه.
وما يثير علامات الاستفهام فيما يخص تلك الحسابات والأرصدة الضخمة، أن تزعم جامعة الإسكندرية مثلًا، عدم وجود مبالغ مالية فيها لتغطية أجور العاملين للعام المالى 2014/ 2015، رغم امتلاكها 356 مليون جنيه فى أرصدة صناديقها الخاصة، حيث أرسلت الجامعة خطابًا لوزير التعليم العالى تطالب فيه الوزارة بتغطية الاعتمادات المالية الخاصة بالكادر، ما أرسله الوزير بدوره إلى وزارة المالية، بتاريخ 27 يونيو 2014، يطلب فيه توفير الاعتمادات المالية المطلوبة، إلا أن الأخيرة ردت عليه بالإشارة إلى أن آخر إقفال لحسابات الصناديق الخاصة للجامعة فى البنك المركزى، تشير إلى أرصدة بقيمة 277 مليون جنيه.
ومن المفاجآت التى تكشفها مستندات «المركزى للمحاسبات» والبنك المركزى، وصول حركة السحب الخاصة بـ13 صندوقًا لشخصيات اعتبارية، إلى 555 مليونًا و207 آلاف جنيه، وبلغ عدد الصناديق والحسابات الخاصة بالهيئات الاقتصادية 208 صناديق وحسابات خاصة، بحركة سحب قيمتها 34 مليارًا و356 مليون جنيه خلال العام الماضى، ورصيد حساب ختامى بقيمة 4 مليارات و960 ألف جنيه، فيما بلغ إجمالى أرصدة الصناديق والحسابات الخاصة بالعملات الأجنبية، والمقومة بالجنيه المصرى 5 مليارات و847 مليون جنيه.
ولم يتمكن مفتشو الجهاز المركزى للمحاسبات من متابعة حركة السحب والإيداع الخاصة بحسابات الجهات المختلفة خارج البنك المركزى، والبالغ عددها 300 حساب خاص، ولم يتعرفوا على كيفية صرف تلك الأموال، فاكتفوا برصد الحساب الختامى لها، والبالغ 8 مليارات و795 مليون جنيه، وبحسب تقرير الجهاز، بلغ عدد الصناديق التى أمكن حصرها داخل وخارج البنك المركزى، وفى البنوك التجارية الأخرى، 6361 صندوقًا، بلغت أرصدتها النهائية 47 مليارًا و444 مليون جنيه، وبلغت حركة السحب عليها خلال عام واحد، 97 مليارًا و760 مليون جنيه، وحركة إيداعات بلغت 98 مليارًا و708 ملايين جنيه.
ورغم مرور أكثر من عقدين تقريبًا على ظهور الصناديق الخاصة، كان تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات المقدم إلى النائب العام، هو الوحيد الذى حدد حركة أموال تلك الصناديق، منذ عام 2011، ووفقًا للتقرير فإن أرصدة الصناديق التى أمكن للجهاز المركزى للمحاسبات مراجعتها بلغت 31.5 مليار جنيه فى أول يوليو 2010، وهى تختلف كثيرًا عن أرصدة الصناديق نفسها، التى رصدتها كشوف البنك المركزى، الصادرة فى 30 يونيو 2010 (لدينا نسخة منها)، والبالغة 339 مليارًا و533 مليون جنيه.
ووفقًا لكشوف الحسابات الصادرة عن البنك المركزى، توجد 7 صناديق خاصة تابعة لمكتب النائب العام، اثنان منها يخصان «تطوير التعليم»، وتبلغ أرصدتهما 150 مليون جنيه، فيما بلغ رصيد صندوق تحسين الأراضى الزراعية التابع للمكتب أيضًا 50 مليون جنيه، وهى صناديق لا توجد بشأنها معلومات كافية، سوى الإشارة إلى تبعيتها للنائب العام، وبحسب مصادر فإن تلك الصناديق ربما يكون متحفظًا عليها من النائب العام، لمنع العبث بها، لكونها جزءًا من تحقيقات قانونية.