الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حلم المُثقف العربي يا "حلمي"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
داعبت القلوب قبل الآذان.. اللهجة المصرية التى احتضنها الشارع العربى بإجماع لم ينقطع تاريخيا من خلال الفنون والثقافة، بينما فرقته السياسة كثيرا.. وجمعته أحيانا قليلة إبداع القوى الناعمة - وليس الساسة - هو الذى نقل تعبير «الوحدة العربية» من متحف المصطلحات السياسية وبيانات الجامعة العربية وترجمه إلى واقع ملموس من المحيط إلى الخليج، حيث تجمعت قلوب العرب على عشق رموز هذه القوى الناعمة فى مختلف مجالاتها، بينما فشلت كل دعوات المقاطعة السياسية التى رفعتها النُظُم المختلفة فى تطبيق هذه القرارات على القوى الناعمة. سمة الجدية التى يتصف بها وزير الثقافة حلمى النمنم وسعة إلمامه بكواليس الحياة الثقافية يعرفها عن النمنم كل الذين جمعتهم به صداقة منذ بداية العمل الصحفي، والملفات الشائكة العديدة المطروحة أمامه معروفة.. منها بعض الثغرات التى تفتقر إلى الانضباط فى دار الأوبرا رغم جهود د. إيناس عبدالديم.. إلى آفة البيروقراطية التى تنهش فى جسد مؤسسات هذه الوزارة التى شرفنا بالاعتصام شهراً داخل مقرها، تحملنا خلاله هجمات «بلطجية» البنا.
المعارك الشريفة التى خاضها النمنم ضد تيارات الظلام تُحسب له كمثقف وطنى طالما بقت فى إطارها بعيدا عن محاولات هذه التيارات استدراج وزير الثقافة إلى معارك مع مؤسسات دينية بهدف تشتيت جهوده عن التركيز فى وضع خطط الإصلاح التى يترقبها الوسط الثقافى من النمنم لإحداث تغيير ملموس.
ضمن المهام العديدة.. تزداد - فى هذا التوقيت - الحاجة إلى تفعيل دور ثقافى مهم ظل بعيدا عن الاهتمام المطلوب.. الواقع الجديد الذى خلقته التحالفات العربية السياسية والأمنية بعد ٣٠ يونيو، ما زال انعكاسه محدودا على وسائل القوى الناعمة.. الآن تبدو اللحظة الأنسب لفتح هذا الملف وإعادة الروح إلى الدور الريادى الذى تستطيع وزارة الثقافة المصرية القيام به فى احتضان المثقفين العرب ودعم التواصل والتقارب الثقافى بينهم عبر اللقاءات والمؤتمرات، يتم خلالها تبادل الإبداع والرؤى الثقافية العربية.. حتى استحضار فكرة «الصالونات الثقافية العربية» قد تبدو ضمن الحلول المجدية لإعادة بناء جسور التواصل.. عودة المثقف العربى إلى الحضن المصرى هى الدعم الحقيقى للحراك الذى تقوده الرئاسة والدبلوماسية نحو استعادة قوة وتأثير الدور المصرى عربيا..
ملف السينما أهم عناصر القوى الناعمة التى تتطلب خطوات جادة وصارمة من الوزير الجديد.. وجود لجنة تابعة لوزارة الثقافة تضم أسماء فنية قديرة فى صناعة السينما لم يفلح فى فرض حلول لمشاكلها البالغة التعقيد أو إنقاذها من التعثر، لذا لا يبدو أمام النمنم سوى فرض آلية آخرى لاقتحام أزمة السينما بعيدا عن الصيغ البيروقراطية لعمل اللجان.
بعيدا عن ملفات وزارة الثقافة، لكن فى غياب منصب وزير الإعلام، تحاصر الأزمات ركنا مهما آخر ضمن القوى الناعمة هو الدراما.. خلال شهر رمضان الماضى شرفت بالمشاركة فى مجموعة ندوات عن النهوض بالدراما المصرية أقامتها أسرة قسم الإذاعة والتليفزيون بالأهرام والتى تشرف عليها الكاتبة الصحفية فاطمة شعراوى وضمت نخبة من كتاب ومخرجى الدراما، بين عدة توصيات جادة طرحت كحلول قابلة للتنفيذ مثل تشكيل كيان مستقل للدراما يندرج ضمن المجلس الوطنى للإعلام، بينما اخترت إثارة جانب التداعيات السلبية لتحول منتجى السينما إلى الدراما حاملين معهم «توليفة» العناصر التى فرضوها على السينما الأعوام الماضية، بعيدا عن متاهات اللجان، النهوض بالدراما يفرض المطالبة بعودة كبار مبدعى الدراما - حتى لو كان بالأمر! لإعادة الدماء إلى شرايين هذا الفن، مناشدة الدولة العودة إلى الإنتاج الذى قد يصطدم بالإمكانيات المادية المحدودة.. لكن إزاحة العقبات أمام مبدعى الدراما وتلبية شروطهم الفنية ليس عملا مكلفا على الجهات التى تفرقت دماء الدراما بينها.. سواء قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون، شركة صوت القاهرة، مدينة الإنتاج الإعلامى.. الكثير من كبار كتاب ومخرجى الدراما لا يلجأون إلى الإنتاج الخاص سعيا وراء المادة، بل هربا من المنظومة البيروقراطية التى تسيطر على أساليب عمل هذه الجهات. عودة مبدعى الدراما أيضا من شأنها طرد «العملات» الدرامية الرديئة التى يتعرض المشاهد لهجماتها كل عام فى رمضان، بالإضافة إلى خلق دافع تنافسى يحفز الأجيال الجديدة من أصحاب المواهب الحقيقية، وليس الذين امتهنوا «قص ولزق» مجموعة مشاهد الجن والدماء والمخدرات والشتائم، زاعمين - ظلما - أنه الفن الذى يعبر عن الشباب أو الواقع المصرى الجديد.