السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

تحرير المرأة.. قاسم أمين ينزع "الغمامة"

قاسم أمين
قاسم أمين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما كان قاسم أمين من أهم الكتاب والمصلحين الاجتماعيين الذين حاولوا الثورة على المعتقدات القديمة البالية، والتقاليد المتوارثة عن جهل، ومن ثم حاول الثورة والقضاء التام عليها.
ولعل نظرته الإصلاحية كانت من أهم حركات الإصلاح فى المجتمع المصرى فى وقت لم يكن يهم المجتمع كثيرا أن يعمل على هذا الإصلاح أو الاهتمام بشأن المرأة والنظر إليها باعتبارها كائنا يستحق الحياة، والكرامة، والتعليم، والعمل، والخروج إلى الشارع مثلها فى ذلك مثل الرجل، ومن هنا كانت ثقافة أمين، وتعليمه فى فرنسا، واطلاعه على الثقافة الغربية التى امتزجت بثقافته الشرقية والإسلامية، سببا مهما فى تأمل الحال المخزية التى تعيشها المرأة المصرية، ومن ثم محاولة الثورة على هذه الحال المزرية بالتحرر مما هى فيه.
فى عام 1899 أصدر قاسم أمين كتابه المهم «تحرير المرأة»، وهو الكتاب الذى دافع عنها وأعطاها حقها فى الحياة والكرامة الإنسانية باعتبارها كائنا مساويا للرجل، وليس كائنا ناقصا متدنيا لا حق له فى الحياة إلا فى كنف الرجل، وتحت سلطته فقط، ومن خلال هذا الكتاب دعا أمين إلى ثورة فكرية، وعصف بالعادات والتقاليد البالية المتوارثة حول نظرة الرجل العربى للمرأة، وقد كتب هذا الكتاب بدعم من صديقه الشيخ محمد عبده، وسعد زغلول، وأحمد لطفى السيد، وهو الكتاب الذى ترجمه الإنجليز أثناء وجودهم فى مصر إلى الإنجليزية ونشروه فى الهند والمستعمرات الإسلامية، وقد تحدث فيه عن الحجاب حين رأى أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة إلى التحرر ليس خروجاً عن الدين، كما تحدث عن تعدد الزوجات والطلاق، وقال أن العزلة بين المرأة والرجل لم تكن أساسا من أسس الشريعة، وأن لتعدد الزوجات والطلاق حدودا يجب أن يتقيد بها الرجل، ثم دعا لتحرير المرأة؛ لتخرج للمجتمع وتلم بشئون الحياة، وقد أدى هذا الكتاب إلى زلزال حقيقى فى الحياة الاجتماعية المصرية، وأثيرت ضجة وعاصفة من الاحتجاجات والنقد، ورد على قاسم فى نفس السنة زعيم الحزب الوطنى آنذاك مصطفى كامل حيث هاجمه وربط أفكاره بالاستعمار الإنجليزي، ورد عليه أيضا الاقتصادى المصرى طلعت حرب بكتاب «فصل الخطاب فى المرأة والحجاب» ومما قاله: «إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا»، ومحمد فريد وجدى بكتاب «المرأة المسلمة»، ولكن قاسم لم يتزعزع أمام النقاد فواصل يدرس الكتب والمقالات لمدة سنتين ويرد عليهما بكتابه «المرأة الجديدة» عام 1901 ردا على ناقديه، وهو الكتاب الذى يتضمن أفكار الكتاب الأول نفسها ويستدل على أقواله فيه بأقوال الغربيين، فطالب بإقامة تشريع يكفل للمرأة حقوقها وحقوق المرأة السياسية وأهداه لصديقه الزعيم سعد زغلول.
حاول أمين تأمل المجتمع المصرى وما يسبح فيه من جهل واستبداد فقال: «كان من أثر الحكومات الاستبدادية أن الرجل فى قوته أخذ يحتقر المرأة فى ضعفها، وقد يكون من أسباب ذلك أن أول أثر يظهر فى الأمة الحكومة بالاستبداد هو فساد الأخلاق»، وهنا حاول ربط الاستبداد بفساد الأخلاق، وهى نظرة موضوعية واقعية نراها على أرض الواقع بالفعل، فكلما كان الاستبداد مسيطرا كلما زاد فساد الأخلاق وكأنه هو المتنفس الوحيد لمن يقع تحت وطأة هذا الاستبداد.
قصد قاسم أمين بقوله «تحرير المرأة» إصلاح الوضع الذى تعيش فيه، أى إحداث تغيير فى العادات والتقاليد، وإعادة النظر فى فهم الشريعة إلاسلامية من حيث نصوصها المتصلة بالنساء، فضلاً عن رفع يد الجهل عنهن، وإنهاء عهد استبداد الرجال بهنّ، وتنهض هذه الدعوة الجديدة على قاعدة الترابط بين صلاح وضع الأمة وصلاح حال المرأة، وهنا تأمل واقع حال المرأة المصرية فرأى أنها لا تعدو إلا أن تكون عبدا للرجل: «فهى فى حاجة إليه فى كل شأن من شئونها، لا تخرج إلا مخفورة به، ولا تسافر إلا تحت حمايته، ولا تفكر إلا بعقله ولا تنظر إلا بعينيه ولا تسمع إلا بأذنيه، ولا تعمل إلا بواسطته، ولا تتحرك حركة إلا يكون مجراها منه، فهى بذلك لا تُعد إنساناً مستقلاً، بل هى شيء ملحق بالرجل»، ولعل هذه التبعية التى أرادها الرجل للمرأة جعلها لا تعلم شيئا عن الحياة، ومن ثم باتت جاهلة بكل شئون الدنيا بسبب حبسها بين جدران بيتها؛ وبالتالى باتت المرأة المصرية جاهلة.. جاهلة بكل أحوال الدنيا ولا تدرى شيئاً من المعاملات والتجارة، ولا من أنظمة وقوانين البلاد التى تسكنها فضلاً عن عدم الإلمام بأى شيء من أحوال البلاد الأخرى، وهى مع رفيقاتها من النساء، عالم مستقل بذاته لا يجمعه بعالم الرجال فكر أو عمل، وأمة داخل الأمة لها أخلاقها وعوائدها ومعتقداتها، وفى الحقيقة أنهن آثار عتيقة لأجيال مضت وبقايا أزمنة بعيدة، وقد كنّا نحن على حالتهنّ الحاضرة منذ ثلاثمائة سنة وأكثر، ثم تقدمنا وارتقينا وهنّ باقيات على ما كنا عليه فى تلك الأوقات»، ما قد يعنى اندثار هذا الكائن الذى ما زال يعيش فى عصور ما قبل التاريخ، لا أهمية له إلا متعة الرجل بكونها وعاء لرغباته فقط».
هنا تعرض قاسم أمين إلى مجموعة من الأمور التى تُدلل على احتقار الرجل لها دائما، فالرجل من حقه أن يتزوج أكثر من امرأة: «وأن يطلّق زوجته بلا سبب، وأن يقعد على مائدة الطعام وحده ثم تجتمع النساء من أم وأخت وزوجة ويأكلن ما فضل منه، وأن يُعين لها محافظاً على عرضها، وأن يعلن الرجال أن النساء لسن محلاً للثقة والأمانة، ومن احتقار المرأة أن يحال بينها وبين الحياة العامة والعمل: فليس لها رأى فى الأعمال، ولا فكر فى المشارب ولا ذوق فى الفنون، ولا قدم فى المنافع العامة، ولا مقام فى الاعتقادات الدينية».
كل هذه الأمور كانت من الأشياء المهينة لأهم جزء فى المجتمع ويستشهد على هذا الاحتقار فى المجتمع بأنه قد وصل إلى الأبناء أيضا بقوله: «فمن الأسف أنى شاهدت بنفسى مرات عديدة صبية يختلف سنهم بين 10 و 12 سنة، وسمعتهم يتكلمون عن والداتهم بما يقرب من الاحتقار والازدراء ويسخرون بما تقوله لهم وما تفعله معهم، فإذا كان الصبى قبل أن يبلغ رشده يرى نفسه وله الحق، أرقى من والدته، فليت شعرى ما يكون مع هذا حال الأم؟».
هنا طالب أمين بتعليمها؛ من أجل النهوض بها، ومن ثم النهوض بأبنائها؛ لأن الأسرة تعتمد عليها فى المقام الأول، ولا يمكن لامرأة جاهلة أن تعمل على تربية أجيال، فيقول: «لا يزال الناس عندنا يعتقدون أن تربية المرأة وتعليمها غير واجبين، بل إنهم يتساءلون هل تعلُّم المرأة القراءة والكتاب مما يجوز شرعاً أو هو محرم بمقتضى الشريعة؟!»، كما أكد: «فى رأيى أن المرأة لا يمكنها أن تُدير منزلها إلا بعد تحصيل مقدار معلوم من المعارف العقلية والأدبية».
يرى أمين أن تعدد الزوجات هو من العادات القديمة، ويتوقف مدى انتشاره أو انحساره على تقدم الأمة أو تأخرها، ويعتبر تعدد الزوجات احتقاراً شديداً للمرأة، كما يتعرض لحجاب المرأة، وبعدما يوضح أن الحجاب ليس خاصاً بالمسلمين؛ فهو عادة كانت معروفة عند كل الأمم القديمة تقريباً، يعتبره «عنواناً» لذلك المُلك القديم، وأثراً من آثار تلك الأخلاق المتوحشة التى عاشت بها الإنسانية أجيالا، ويتطرق إلى مساوئ الحجاب وضرره على المرأة، فهو يحرمها من حريتها الفطرية، ويمنعها من استكمال تربيتها، ويعوقها من كسب معاشها عند الضرورة ويحرم الزوجين من لذة الحياة العقلية والأدبية، ولا يأتى معه وجود أمهات قادرات على تربية أولادهن، وبه تكون الأمة كإنسان أُصيب بالشلل فى أحد شقيه.
يناقش الكاتب قضية الحجاب من الوجهتين الدينية والاجتماعية، فمن الوجهة الأولى يقرر مسبقاً أنه لو كان فى النصوص الدينية ما يتصل مباشرة بالحجاب لأحجم عن البحث؛ «لأن الأوامر الإلهية يجب الإذعان لها بدون بحث ولا مناقشة»، ولكن ما دام الأمر من قبيل العادة التى عرضت للمسلمين من مخاطبة بعض الأمم، لكنهم ألبسوها لباس الدين «كسائر العادات الضارة التى تمكنت فى الناس باسم الدين، لذلك لا نرى مانعاً من البحث فيها».
اجتهد أمين كثيرا فى كتابه من أجل منح المرأة حريتها، وآدميتها، وقدرتها على الحياة ككائن له كيانه فى المجتمع، ولم يكن من الممكن ذلك إلا بالثورة على المجتمع من أجل إصلاحه.