الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دستور "شيلني واشيلك"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كنت من المتابعين للسجال الدائر والنقاش المحتدم فى وسائل الإعلام حول الألغام «المحشورة» فى قلب الوثيقة الدستورية، قطعا ستصل لذهنك نتيجة واحدة مفادها وجود التفاف نخبوى وشعبي، حول ضرورة تعديل بعض المواد المثيرة للجدل، وإن تباينت وجهات النظر فى الطريقة والتوقيت من الناحيتين القانونية والسياسية، سواء فى ما يخص إمكانية إجراء التعديلات عبر استفتاء شعبى قبل الانتخابات النيابية رغم مخالفة هذا التوجه للدستور ذاته، أو عقب انعقاد مجلس النواب المنوط به حسب الدستور الموافقة أو عدم الموافقة بأغلبية ثلثى أعضائه على تعديل مادة أو أكثر بناء على رغبة رئيس الجمهورية أو طلب يتقدم به ٢٠٪ من النواب ثم طرحه للاستفتاء الشعبى العام.
اللافت للانتباه على الأقل بالنسبة لى وأعتقد أنه كان لافتا لنظر كثيرين غيرى، أن الجدل المشتعل لا يخلو من دلالات مهمة، يحمل مجملها مخاوف لا حصر لها سيطرت على النخبة والمتابعين لقضايا الشأن العام بكل تفاصيله المعقدة ومكوناته الأكثر تعقيدا، جراء الصلاحيات غير المحدودة التى منحها الدستور للبرلمان بما يُمَكِّن الأغلبية أو الأكثرية داخله، من القدرة على توجيه القرار وتحديد قواعد اللعبة والمناورة السياسية بهدف تحقيق مكاسب حزبية ومصالح ذاتية للنواب أنفسهم.
تلك المخاوف لا يمكن تجاهلها لعدة أسباب فى مقدمتها، انحدار مستوى الثقافة البرلمانية لدى الطامحين فى الحصانة، بما يشير إلى أن غالبية المرشحين بما فيهم النواب السابقون لم يبلغوا مرحلة النضج البرلمانى المنشود، وهذا التصور ليس اتهاما عشوائيا من جانبى ألقيه جزافا أو رغبة فى التقليل من قدرات المرشحين، لكنها وجهة نظر لواقع لا أستطيع إخفاءها على طريقة دفن الرءوس فى الرمال. 
فبالرغم من أن مصر إحدى أهم وأقدم الدول التى عرفت الحياة النيابية والحزبية، إلا أن اقتصار دور النائب عبر العقود الماضية، على تقديم الخدمات والحصول على المميزات لذويه وناخبيه فى دائرته، خلق مجالس تشريعية عقيمة كسيحة غير قادرة على الإبداع والفعل.
ساهمت الحكومات المتعاقبة فى ترسيخ اضمحلال الثقافة البرلمانية عبر التزوير الذى مهد لانفراد الحزب بالسيطرة على البرلمان، الأمر الذى حال دون تطور أداء النواب على المستويين العام والقومى، بل جعلهم أسرى إرضاء المتحكمين فى القرار الحزبى والانصياع للحكومات التى ظلت تدفع المقابل للنواب.
فالصلاحيات الدستورية فى ظل عدم وجود حزب حاكم، من شأنها عرقلة توجهات رئيس الدولة، فضلا عن أنها تفتح الباب أمام عودة نواب الخدمات والتأشيرات من جديد، عبر التلويح بالموافقة أو عدم الموافقة على تشكيل الحكومة بالتربيطات وعقد الصفقات، الأمر الذى يخلق نوعا من تبادل المصالح بين النواب والوزراء «شيلنى واشيلك» على حساب الدور الأساسى للبرلمان وهو إصدار التشريعات ومراقبة أداء الحكومة بالأدوات القانونية «الاستجواب، طلب الإحاطة، ومساءلة الوزراء»، يضاف إلى تلك المخاوف أن السلطات التى يملكها النواب سوف تقود لتكريس قواعد الفساد والإفساد داخل مؤسسات الدولة، من خلال المجاملات والوساطات وغير ذلك من الأمور التى سادت فى زمن مبارك. 
لذا لم يكن غريبا أن نرى المشاهد العبثية التى تجتاح الشارع السياسى وما يحيط بها من هوس انتخابى، يتجاوز حدود المسئولية الوطنية فى تلك المرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد، باعتبارها مرحلة حرجة بل فارقة واستثنائية من التاريخ. 
هذا الهوس يدور فى تطلعات بعض الأحزاب والقوى السياسية للسيطرة على البرلمان بإغراءات الصلاحيات الدستورية غير المسبوقة، وهذا بمثابة الخطر الحقيقى لتحقيق المكاسب الضيقة، على حساب القضايا الأكثر أهمية.. وهنا أعنى استقرار هذا البلد. 
ما يحدث على الساحة الآن يكشف حقيقة دامغة، مفادها أن الرأى العام يقف خلف القيادة السياسية لأجل الاستمرار فى مشروعه السياسى والتنموى، ويرغب فى تعديل المواد التى تقود لسيطرة البرلمان على مقاليد الأمور فى البلد، خاصة إذا علمنا أن ما يدور فى الكواليس عن حجم الإنفاق المشبوه وهو ما يدفع لمزيد من المخاوف حال عدم تعديل المواد الكارثية التى تخلق برلمانا ضاغطا لتلبية مصالح أعضائه.
فالدستور إنتاج بشرى وليس قرآنا لا يجوز الاقتراب منه، لذا فإن الدعوات المتتابعة لتعديله لا بد أن تكون محل اعتبار من صانعى القرار، حيث تمت كتابته وصياغته وفق هوى سياسى من وجهة نظرى، بما يعنى أننى أتحمل مسئولية ما أقول حال اعتبار وجهة نظرى اتهاما، ففى عالم السياسة لا توجد بالأساس أغراض نبيلة، فالمتعارف عليه فى كل بلدان العالم أن واضعى الدساتير يظلون بعيدا عن المشهد العام، بحيث لا يتولى أى منهم منصبا، حتى لا يتم اتهامه بأنه صاحب مصلحة أثناء الإدلاء بدلوه فى الوثيقة الدستورية قبل عرضها على الاستفتاء الشعبى الذى يوافق عليها بكل ما فيها أو يرفضها بكل ما جاء بمتنها، إلا أن الأمر فى بلادنا اختلف تماما، فقد ترشح للبرلمان عدد ليس هينا من الذين شاركوا فى إعداده وصياغته.