الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سبتمبر الأسود "4"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما زلنا نواصل حديثنا عن الذكريات المؤلمة التى تعاودنا كلما جاء شهر سبتمبر من كل عام، وكنا قد توقفنا فى المقال السابق عند أيلول الأسود 70، وذكرنا ما حدث فيه تفصيلا، وكيف وصل القتال بين الجيش الأردنى والفلسطينيين إلى مداه، وانتهينا بدعوة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لعقد مؤتمر قمة عاجل فى القاهرة، وذلك لوقف سيل الدماء العربية التى تراق على أرض الأردن.
وبالفعل توافد الزعماء العرب إلى القاهرة، وبدأت أعمال المؤتمر فى الثالث والعشرين من سبتمبر ٧٠، بينما رفضت سوريا والعراق والجزائر والمغرب الحضور، وشهدت أروقة المؤتمر مشادات ومناقشات ومداولات انتهت بمجموعة من القرارات التى أعلنت فى السابع والعشرين من سبتمبر، وكان أهمها على الإطلاق: الإنهاء الفورى لجميع العمليات العسكرية من جانب القوات المسلحة الأردنية ومن جانب المقاومة الفلسطينية، وإطلاق سراح المعتقلين، والبدء فى مفاوضات بين الطرفين، وانتهت المشاورات إلى مصالحة بين الملك حسين وياسر عرفات، وذلك برعاية الرئيس عبد الناصر الذى بدأ فى توديع الملوك والرؤساء والزعماء تباعاً عقب انتهاء المؤتمر، وفى مساء اليوم التالى، وبينما هو يودع أمير دولة الكويت شعر عبد الناصر بتعب مفاجئ، فعاد إلى منزله بمنشية البكرى، حيث فاضت روحه إلى بارئها فى تمام الساعة السادسة والربع من مساء يوم الثامن والعشرين من سبتمبر ١٩٧٠، وهكذا اكتمل إيلول الأسود بهذا الرحيل المفاجئ الذى كان صدمة للجميع، فقد رحل الرجل، ولم يكمل عامه الثانى بعد الخمسين، وظل الناس ما بين مصدق ومكذب للخبر، حتى خرج أنور السادات نائب الرئيس آنذاك، ليعلن للجميع نبأ وفاة عبدالناصر، فيسود الحزن أنحاء الوطن العربى من الخليج إلى المحيط، ويرتسم الحزن على الوجوه، وتفيض الدموع من أعين العرب عدا أعضاء جماعة الإخوان فقط، فهم الذين كانوا يتمنون موته، ويدعون عليه ليل نهار، وتكثر الشائعات حول هذا الموت المفاجئ، فأحدهم يقول عن السادات إنه قد دس السم فى القهوة للخلاص من عبد الناصر، وآخر يقول إن عبدالناصر أراد قتل الملك حسين، ولكن أكواب العصير تبدلت، فشرب هو السم، وثالث يقول إن المدلك الخاص به كان جاسوسا لإسرائيل، وأنه كان يستخدم دهانا للجسم به سماً ينفذ إلى الجسد عبر الجلد، إلا أن التقرير الرسمى للوفاة أكد أنها نتيجة لأزمة قلبية حادة، وأن عبدالناصر كان يعانى من مضاعفات مرض السكرى، ورغم هذه الشائعات باتت الحقيقة الوحيدة هى موت عبدالناصر، وبالمناسبة فإنى لا أصدق كل هذه الشائعات، فالرجل بذل جهدا غير عادى قبل وأثناء مؤتمر القمة، وكان يتحامل على نفسه حتى أصيب بتلك الأزمة التى أودت بحياته، والغريب بل والعجيب أيضا أن هذا التاريخ (٢٨ سبتمبر) يصادف ذكرى انفصال سوريا عن مصر، وانهيار فكرة الجمهورية العربية المتحدة التى كان يحلم بها عبدالناصر، وقد حدث ذلك فى ١٩٦١،، ويومها أصيب عبدالناصر بأزمة نفسية عميقة، وكأن شهر سبتمبر لا يأتى إلا بالذكريات المؤلمة فقط فها نحن نعرج إلى عام ١٩٨١ حين أصدر الرئيس الراحل السادات ما يعرف بقرارات سبتمبر، التى أدت إلى حبس أكثر من ألف معارض وسياسى، وذلك عقب أحداث الزاوية الحمراء التى كادت أن تشعل فتيل الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، وكان السادات يترقب تنفيذ إسرائيل لبنود اتفاقية السلام، وخشى أن تتخذ إسرائيل من هذه الأحداث ذريعة لكى تمتنع عن الانسحاب من سيناء، فقرر أن يحكم قبضته على البلاد، فأصدر قرارات حاسمة باعتقال كل المعارضين، وكان من أبرزهم فؤاد سراج الدين، ومحمد حسنين هيكل، وإبراهيم شكرى، وعزل البابا شنودة عن منصبه، وكان هذا فى الخامس من سبتمبر، وظلوا جميعا قيد الاعتقال حتى استشهاده فى ٦ أكتوبر أى بعد شهر ويوم واحد ثم جاء الرئيس مبارك ليبدأ صفحة جديدة مع الجميع بإلافراج عن هؤلاء، وهكذا انتهت ذكريات سبتمبر، وأدعو الله العلى القدير أن تأتى نسائم هذا الشهر فيما بعد بالخير على مصرنا الحبيبة.