الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في محبة محفوظ عبدالرحمن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
محفوظ عبدالرحمن الذى قدم أعظم عمل وأدق نص إبداعى عن الحدث التاريخى تأميم قناة السويس، بل وعن شخصية مؤمم القناة قائد ثورة 23 يوليو فى الفيلم السينمائى «ناصر 56».. هو الذى قدم أعظم عمل وأدق نص إبداعى عن الحدث الخطير حفر قناة السويس وعن شخصية الخديو إسماعيل، بل وعن مجمل وروح عصره أيضاً فى المسلسل التليفزيونى «بوابة الحلوانى» بأجزائه الثلاثة.
محفوظ عبدالرحمن: التاريخ فى يد أمينة.
واللافت أن محفوظ عبدالرحمن إذا ما أقدم على إبداع دراما عن «قضية، عصر، شخصية»، فإنه يقدم إبداعاً يتفوق وبما لا يقارن على أى عمل آخر حول ذات الموضوع.. هكذا شعرنا مثلاً بتفوق عمله فى «ناصر ٥٦»، والذى أجاد إخراجه محمد فاضل، على ما قدمه المخرج أنور القوادرى وفريقه فى فيلم «جمال عبدالناصر»، الذى على الرغم من إخلاصه لموضوعه واعتداده ببطله واجتهاده فنياً، جاء فيلمه فى النهاية عملاً سينمائياً بلا روح وبلا تألق فنى، بينما الروح القوية والبناء الدرامى النابض والألق والوهج الفنى أكثر ما تميز به «ناصر ٥٦»!.. كذلك «بوابة الحلواني» الذى تعرض لحدث حفر القناة وملابساته، ولعصر إسماعيل وسمات الرجل وقسمات مشروعه النهضوى بما له وما عليه، كما تعرض ضمناً لقصة «ألمظ وعبده الحامولي» أشهر نجمين أو أسطورتين بدأ بهما فجر الغناء والموسيقى فى تاريخنا الحديث، فلم يجعلنا هذا العمل نقارن أصلاً بينه وبين فيلم «ألمظ وعبده الحامولى» وهو للمخرج السينمائى متواضع المستوى حلمى رفلة ١٩٦٢، بل جعلنا «بوابة الحلواني» نضحك أكثر لفرط سذاجة سيناريو وتنفيذ الفيلم السينمائى، رغم رقى وجمال صوت وأغانى المطربين القديرين وردة الجزائرية وعادل مأمون.
ويتكرر تفوق ما يقدم عليه محفوظ عبدالرحمن ويقدمه، على ما يصنعه سواه، فى غير ذلك من أعمال، ويكفى المثل الساطع فى المسلسل التليفزيونى «أم كلثوم».. فهذا المسلسل الذى أبدعته إخراجاً إنعام محمد على، بإتقانها وتدقيقها الذى تشتهر به، يتفوق بما لا يقاس على فيلم «كوكب الشرق»، ومع أن مخرج الفيلم هو محمد فاضل الذى أجاد فى فيلم «ناصر ٥٦»، وفى الكثير من الأعمال، إلا أن نقطة الضعف كانت ابتداء فى سيناريو فيلم «كوكب الشرق» لإبراهيم الموجي.
والحق أن مسلسل محفوظ عبدالرحمن وإنعام محمد على ليس فحسب أحسن عمل عن أم كلثوم، بل إنه من بين كل الأعمال التى تقدم حياة المشاهير على الشاشة الصغيرة، هو أحسنها حتى الآن.
وأعمال محفوظ عبدالرحمن لا تتيح فحسب لمخرجيها تألقا خاصا، بل وأيضا مختلف العاملين، وخاصة الممثلين، فأداء صابرين لشخصية أم كلثوم هو دور عمرها الأهم والأسطع.. وحينما قدم محمد وفيق شخصية الخديو إسماعيل فى «بوابة الحلواني» فإنه قدم أيضاً دور عمره وبأداء دقيق مدهش يحتاج إلى دراسة.. كما كان جميع الممثلين وفريق العمل فى أحسن حالاتهم، بقيادة المخرج الرائد إبراهيم الصحن، فى هذا العمل الذى يعد تحفته وأحد أحسن عشرة مسلسلات فى تاريخ التليفزيون لدينا.
وسجل محفوظ عبد الرحمن الإبداعى زاخر.. أدبا ومسرحا وتليفزيون وسينما، لكننا لا نزال نتمنى أن يشاهد الجمهور المصرى مسلسلاته الممتازة التى أخرجها المبدع العربى القدير عباس أرناؤوط، ومنع عرضها فى التليفزيون المصرى.. ولم يتح لنا أن نشاهد منها إلا «الكتابة على لحم يحترق ١٩٨٧»، وهو أيضاً يفوق أى عمل آخر تناول حقبة الظاهر بيبرس وقطز والعلاقة المعقدة بينهما، ولن أنسى أبداً مشهد مونولوج الأول «بمستوى شكسبيري» إثر قتله الثانى.. وقد كان هذا المسلسل بداية تعارفى وصداقتى التى أعتز بها مع كاتبنا الكبير محفوظ عبدالرحمن، إذ تناولت الحلقات بالتقييم مشيداً بالبناء الدرامى السامق الأخاذ والإخراج الناضج المتقن، فوجدت رسالة إلىّ، على عنوان جريدتى «العربي» التى كنا نكتب بها ونؤسسها وقتها «التسعينيات» من مؤلف العمل محفوظ عبدالرحمن، يعبر عن خالص تحياته وتقديره لما اعتبره تناولاً مدققاً للمسلسل فى مقالى.
أما أنا فكلما التقيته أو حادثته، أؤكد دوماً تقديرنا وامتناننا لكل ما أسداه لثقافتنا الوطنية من جهود وإبداعات لا مثيل لها.. وقد قلت له أكثر من مرة، وكذلك للفنان الباقى محمد وفيق: «يكفى أنكم فى «بوابة الحلوانى».. والثلاثة معروف أنكم ناصريون: المؤلف والمخرج والبطل ممثل دور الخديو.. قدمتم أكثر معالجة موضوعية رصينة لإسماعيل وعصره.. عكس التشنيع الشائع بأن الناصريين وأصلاً الثورة الناصرية لا تعترف بأى إيجابية أو تاريخ قبلها!».
وكلما التقيت محفوظ عبدالرحمن أسأله ولا أمل: «أين مشروعك الإبداعى الذى شرعت فيه بالفعل، عن عرابى وعصر الثورة العرابية؟.. أين مشروعك المنتظر عن ناصر ٦٧.. وحرب الاستنزاف الوطنية العظمى؟». وأملى.. ألا يكون مل من سؤالي!.. وأملى فى كل مرة أسأله فيها أن يكون أنجز وأتم العملين العملاقين بحمد الله تعالى.. متعه الله سبحانه بوافر الصحة والعافية وطول العمر، والوافر من هذه المقدرة الجميلة المتفردة على الإبداع والعطاء.