الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

امضي القرار.. بدون المليار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأسابيع الماضية استقبل الرأى العام بمزيج من الرضا والتفاؤل مشاهد الترجمة الفعلية لشعار الحرب على الفساد بكل تداعياتها التى أسفرت عن اختيار حكومة جديدة فى مرحلة دقيقة تمثل استعداد مصر للانتخابات البرلمانية.. آخر استحقاق من العملية السياسية.
إجراءات حاسمة لم تجرؤ حتى وكالات الأنباء فى أمريكا وأوروبا - رغم الترصد الذى مارسه بعضها - على التشكيك فى صدق وجدية الرئيس عبدالفتاح السيسى بعدما قرر أن المحاسبة القانونية ستطال الفاسد مهما كان منصبه.
الأحداث الحافلة التى مرت الأسابيع الماضية لن تكون مجرد «حدث» يتصدر عناوين وسائل الإعلام لفترة، من المؤكد أنها ستشكل منظومة تحدد مسارات وقواعد مختلفة للمسئولين فى المناصب العامة رغم التكهنات التى أتثيرت تحت بند مخاوف عبر عنها البعض فى الربط بين المضى فى خطوات الحرب على الفساد وآفة «الأيادى المرتعشة» بين مسئولين قد يدفعهم الخوف من التورط إلى التردد فى توقيع القرارات أو اتخاذ الإجراءات الحاسمة، كما طرحت مزاعم عما قد يكون من تأثير لهذه الحرب على مجالات الاستثمار والاقتصاد بما أن تاريخ الفساد ما زال يحمل فى جعبته العديد من المصالح «المتشابكة» بين القطاعين الحكومى والخاص، إلى آخر هذه المزاعم التى لا تستدعى القلق بقدر ما تؤكد جدوى الحرب على الفساد، فوجود القانون بكل المواد المحددة لجريمة الفساد هو الذى سيحمى القرارات الحاسمة للمسئول طالما ظل اسمه بعيدا عن الشبهات رغم وجود «أساتذة» فى الالتفاف على القانون واستغلال ثغراته لتغطية فسادهم، الحرب على الفساد هى «الظهير» القوى لكل «فدائى» يتولى منصبا عاما بهدف المساهمة فى اجتياز ظروف صعبة سواء أصاب أو أخطأ فى سياساته الإدارية بعيدا عن الربط الذى ساد نتيجة السياسات المترهلة عبر العقود الماضية بين المنصب العام و«السبوبة».
الحرب على الفساد هى إحدى آليات التطبيق الفعلى لمطلب الديمقراطية الذى رفعه الشارع فى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ثم نجح فى تحقيقه بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. الديمقراطية وفق كل التعريفات السياسية لا تقتصر على صناديق الانتخابات التى ستكتمل بها العملية السياسية قبل نهاية هذا العام.. يبقى اكتمال المسار الديمقراطى مقترنا ببناء منظومة سياسية اجتماعية أمنية ثقافية قائمة على سيادة القانون فوق الجميع.. معانٍ عظيمة بدأ المواطن يشعر أنها لم تعد مجرد كلمات تزين لافتات مرتفعة.. لكنها نزلت لتصبح حقيقة على أرض الواقع، وأول خطوة فى مسيرة طويلة لاسترداد الثقة المفقودة على مدى عشرات السنين بين الحكومة والمواطن والتى كانت ضمن أسباب انفجاره يوم ٢٥ يناير.
اختيار بدء الحرب بأصحاب المناصب العليا أيضا له دلالات مهمة ستتضح معالمها فى الخطوات المقبلة كما تؤكد الجدية فى اقتلاع جذور الفساد بدلا من حلول المسكنات التى أدت إلى تدهور الحالة.. منطقيا تفكيك ثقافة الفساد يتطلب البدء بالمفسدين «الكبار» فى رسالة تهديد إلى «الصغار».
المثير للدهشة الموقف الساذج الذى ورد فى بيانات بعض المنابر الصحفية بعد إلقاء القبض بتهم الفساد على بعض المرتبطين بهذه الصحف وأصبحوا -للأسف- فى غفلة من الزمن من المساهمين فى هذه الصحف وليسوا فقط ضمن «كتابها الكبار».. لعل التزام الصمت كان أقرب الحلول لاحتفاظ هذه الصحف بمصداقيتها بدلا من بيانات إلقاء اللعنات على الشائعات والأكاذيب وإنكار صلتها بمن هم الآن أمام جهات التحقيق زاعمة أنهم مجرد «كتاب مستقلين» على صفحاتها.. بينما الحقيقة المؤكدة التى يعلمها الجميع فى مهنة الإعلام أن هذه الأسماء هم مساهمون ومشاركون فى إدارة هذه الصحف.
قطار «اجتثاث» الفساد سيمضى فى طريقه مهما بلغت التبعات والتضحيات، متوقفا أمام محطات عديدة سيحدث وقع كشفها ردود أفعال تتجاوز ما أثارته الخطوات الأولى، إذا كانت الرسائل واضحة وصارمة للمسئول - كبيرا كان أم صغيرا- فإن تغيير ثقافة الفساد أيضا يتطلب وصول هذه الرسائل بنفس الجدية الى المواطن العادى فى توقيت يحمل دلالات مهمة وخطيرة.. انطلاق الحرب على الفساد واكب الاستعداد للمرحلة الثالثة من العملية السياسية رغم هذا لم يستحِ رموز إفساد الحياة السياسية عبر عشرات السنين الماضية من ممارسة مظاهر «التبجح» والاستفزاز وعادوا ليفرضوا وجوههم «القبيحة» على الشارع أمام الكاميرات فى نظرة لا تحمل سوى الإصرار على العودة لمعاقبة شعب طالب بإقصائهم.. بعيدا عن كلمة القضاء واللجنة العليا للانتخابات التى ستحدد الموقف القانونى حول أحقية هذه الأسماء خوض الانتخابات المقبلة.. من المؤكد أن التزامن بين كلا الحدثين سيسهم فى فتح أفُق جديدة تحفز الناخب على اختيارات مختلفة قبل أن يمنح صوته.. بعدما ظل إغراء المال السياسى مسيطرا لعقود على العملية الانتخابية فى غياب تام للثقة بين المواطن والنظام السياسى، أصبحت نبرة الثقة هى الغالبة على ردود فعل الشارع وهو يراقب الإجراءات الجادة فى الحرب على الفساد.