الأحد 02 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

محاصرة شبكات الفساد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحدث البارز الذى يتحدث عنه الناس هذه الأيام هى إجبار وزير الزراعة على الاستقالة والقبض عليه بعد ذلك فى ميدان التحرير جهارا نهارا بتهمة الفساد واستغلال النفوذ والرشوة.
وهذه أول مرة يقع فيها رأس من رؤوس الفساد وهو يتولى منصبا وزاريا مما يدل على أن الحرب ضد الفساد التى وعد بها الرئيس "السيسى" الشعب قد بدأت.
وهذه الحرب تحتاج فى الواقع إلى حملات منظمة للبحث عن وقائع الفساد فى كل الميادين الحكومية. ونحن نتحدث هنا عن "الفساد الكبير" الذى يمارسه أقطاب الإدارة الحكومية وليس عن "الفساد الصغير" الذى يمارسه صغار الموظفين!
مصادر الفساد الكبير متعددة، وقد ظهر أن أبرزها وخصوصا فى السنوات الأخيرة من حكم "مبارك" كان النهب المنظم لأراضى الدولة والتى هى ملك للشعب المصرى بكل طوائفه، وليست وقفا على المحظوظين من رجال الحكم المسنودين أو رجال الأعمال الفاسدين.
وقد شهدنا جميعا كمواطنين والحسرة تملأ قلوبنا كيف كان أعضاء النخب السياسية الحاكمة من أقطاب الحزب الوطنى ينهبون الأراضى بصورة منهجية، كانت تأخذ أشكالاً قانونية مزعومة شتى.
ومن الأمثلة البارزة لها نهب أراضى الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية، ففى هذا الطريق بيع الفدان بدعوى استزراعه بعد إصلاحه بخمسمائة جنيه، ولكن تم -بالمخالفة للعقود الرسمية- تحويله إلى أراضى بناء شيدت عليها المنتجعات والفيلات الفاخرة بحيث وصل ثمن الفدان – وقتها- إلى أربعة ملايين جنيه!
هكذا حدث فى "السليمانية" وغيرها، مما أدى إلى تراكم الثروة بشكل خرافى فى يد عدد محدود من رجال الأعمال المغامرين والفاسدين، مما سمح لهم بالامتداد بمشروعاتهم ومنتجعاتهم التى خصصوها للنخب الفاسدة وجنوا من ذلك المليارات.
ويكفى الإطلاع على الإعلانات العقارية الخاصة بالشواطئ والبلاجات فى امتداد الساحل الشمالى والتى وصلت إلى مرسى مطروح وما بعدها، ويكفى التأمل فى أثمان الوحدات المعروضة للبيع وهى بالملايين، مما يعنى أن كبار اللصوص والمجرمين من رجال الأعمال يبنون هذه المقار الفاخرة لزملائهم من الفاسدين الذين كونوا ثرواتهم عن طريق نهب المال العام.
دائرة شيطانية لخصت منطق تطورها قبل ثورة 25 يناير فى برنامج "حالة حوار" الذى كان يقدمه الإعلامى المعروف الدكتور "عمرو عبد السميع" حين سألنى كيف تلخص المشهد الاجتماعى فى مصر الآن فأجبت على الفور: "منتجعات هنا وعشوائيات هناك"!
وكنت أقصد بالمنتجعات مناطق الأثرياء الجدد الذين كونوا بالقطع ثرواتهم من الاتجار بأراضى الدولة مثل "القطامية"، وغيرها والتى حين كانوا يروجون لها كانوا يقولون "اشترى وتمتع بلعب الجولف، وفى إضافة أخرى "لا تنسى أن هناك اصطبلات للخيول"!
وقد استفزتنى هذه الظاهرة التى تعكس صعودا طبقيا غير مشروع لبعض شرائح الطبقة الوسطى العليا لدرجة أننى حين دعانى المرحوم الدكتور "عبد العزيز حجازى" لكى ألقى محاضرة فى النادى الثقافى الذى كان يرأسه وموقعه فى "جاردن سيتى"، وجدت فى الصف الأول مجموعة من هؤلاء الفاسدين فقلت ساخرا "أولاد الحوارى والأزقة يلعبون الجولف فى القطامية" فى الوقت الذى وصل فيه عدد المواطنين المصريين الذين يقعون تحت خط الفقر إلى 26 مليون مواطن حسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بالإضافة إلى 18 مليون مواطن يسكنون فى العشوائيات وحيث بلغ معدل الأمية 26% من السكان!
فى السنوات الأخيرة من حكم "مبارك" كان أباطرة الفساد هم وأتباعهم من المثقفين الأذلاء الذين تم شراؤهم بالمال والمناصب يفخرون بأن معدل الدخل القومى وصل إلى 7%.
وحتى لو كان هذا صحيحا باستخدام المؤشرات الاقتصادية الكمية الجوفاء فكيف نفسر أن الفقر ازداد بين المصريين بصورة غير مسبوقة؟
ولحل هذا ما دفع كبير خبراء البنك الدولى الذى ألقى محاضرة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حضرتها وناقشته مع نخبة من أساتذة الاقتصاد والاجتماع كيف يصل معدل الدخل القومى إلى 7% فى الوقت الذى تؤكد فيها استطلاعات الرأى التى أجراها "المسح العالمى للقيم فى مصر" أن الغالبية يشعرون بالبؤس واليأس من تردى أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية!
وهذا الخبير المزعوم الذى يقوم علمه الفارغ على مجموعة من المؤشرات الكمية المزيفة لقى ما يستحقه من نقد بل وسخرية من المشاركين فى الندوة، لأنه يتبنى المعايير الاقتصادية الزائفة التى تقيس التقدم فى ضوء معدلات الدخل القومى دون أن يضع فى اعتباره المؤشرات الكيفية التى تتعلق بجودة الحياة، ودون أن يلقى بالا إلى اعتبارات العدالة الاجتماعية، وحق المواطنين الثابت فى الحصول على نصيبهم العادل من الثروة القومية.
غير أن وقائع الفساد التى أعلن عنها مؤخرا أثبتت أن هناك صورا رسمية للفساد تتعلق بمن يشغلون مناصب إدارية فى الدولة، ولكن هناك صورا غير رسمية – إن صح التعبير- يمارسها من أسسوا جمعيات من جمعيات المجتمع المصرية الذين يزعمون أنهم يساعدون الحكومة فى تعقب الفساد والمفسدين.
وإذا كان القبض على وزير الزراعة فى ميدان التحرير يمثل واقعة تراﭽيدية فى الواقع تكشف عن التدنى الأخلاقى لبعض من يشغلون الوظائف العليا فى الدولة، فإن الواقعة الأخرى والتى تتعلق بالقبض على محامى يرأس جمعية لمكافحة الفساد بتهمة النصب والرشوة والابتزاز تمثل فى الواقع واقعة كوميدية!
وذلك يجعلنا نذكر بالعبارة الشهيرة: ترى من سيحرس الحراس!
وقد نشرت الصحف مؤخرا أن هذا المرتشى المناضل الجسور ضد الفساد طلب رشوة مقدارها خمسين مليونا من الجنيهات!.
ويعد ذلك لا تسألونى عن المنتجعات التى يملك قصورها الباذخة من أقطعتهم الحكومة فى عصر "مبارك" فى خليج السويس مساحات تقدر بالفدادين بأثمان بخسة حتى ينشروا الفساد فى كل أرجاء مصر المحروسة!.
اقتباس: وقائع الفساد التى أعلن عنها مؤخرا أثبتت أن هناك صورا رسمية للفساد تتعلق بمن يشغلون مناصب إدارية فى الدولة، ولكن هناك صورا غير رسمية – إن صح التعبير- يمارسها من أسسوا جمعيات من جمعيات المجتمع المصرية الذين يزعمون أنهم يساعدون الحكومة فى تعقب الفساد والمفسدين.
eyassin@ahram.org.eg