الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفلاح رمز العطاء ويوم عيده

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
** فى سبتمبر عام 1994 سمعت بحكايتها وجسارتها، فقررت الذهاب إليها ومعى المصور، وتوجهت إليها في قرية صغيرة اسمها (بهوت) بمحافظة الدقهلية .. 
إنها ( راقية عبدالقوي) هذه الفلاحة بألف رجل تجلس متحدية نظام حسنى مبارك الذى سمح بعودة الظلم، ومكن الجبابرة من أن يسلبوا الفلاحين حقهم بعد أن أعاده لهم جمال عبد الناصر.. كانت ومعها (أسماء عبد النبي) و( محمود سعد سليمان) و (ممدوح عبد النبي) يجلسون مضربين عن الطعام، تحيط بهم بنادق شرطة مبارك، يواجهون مأمور القسم غير خائفين من تهديداته وشتائمه، رافضين انتزاع الأرض، صامدين أمام جبروت نازلي سراج الدين التى انتهزت فرصة تفشى فساد نظام مبارك فسعت لاسترداد الأرض من الفلاحين الذين استلموا قرار تملكها من جمال عبد الناصر ، وحصلت نازلى على قرار بطردهم، ومكنها من هذا يوسف والى وزير الزراعة آنذاك، وساعدها في تنفيذ قرار الطرد وزير الداخلية وأمن وزارته ..
** جلست معهم مفترشة تراب الغيط، أنظر إلى وجوههم التى أحرقتها الشمس ، أستمع إلى حكاياتهم عن الظلم الذى يعيده حسنى مبارك ووزير زراعته يوسف والى وتتولى تنفيذه الشرطة ، وأتأمل الإصرار والتصميم فى أعينهم على عدم ترك أراضيهم ، كنت أستمع إليهم وعلى يقين انهم سوف ينتصرون لا محالة كما انتصر أجدادهم فى بهوت ( الماضي ) عام 1951 ..

** وإليكم قصة بهوت ( الماضي ) التي عجلت بقيام ثورة يوليو 1952 ، وكان لها التأثير الأول فى صدور قوانين الإصلاح الزراعى :
- بعد مرور أقل من الشهر ونصف على قيام ثورة 23 يوليو 1952 أصدر قائد الثورة جمال عبد الناصر قوانين الإصلاح الزراعى .. ووزعت الأراضى الزراعية على الفلاحين ليصبحوا للمرة الاولى ملّاكا لأراضيهم بعد أن عاشوا إجراء يعملون بالسخرة لدى الإقطاعيين المالكين لكل الأراضى الزراعية، رغم أنهم لا يمثلون سوى نصف فى المائة من تعداد الشعب .. 
- وفى التاسع من سبتمبر 1952 وقف جمال عبد الناصر وأمامه الشيخ ( محمد البهوتى ) فلاح من قرية صغيرة اسمها ( بهوت ) بمحافظة الدقهلية ، يسلمه أول عقد ملكية لخمسة أفدنة من أرض الإصلاح الزراعى .. وليكون التاسع من سبتمبر يوم عيد الفلاح .. 
فما هى حكاية الشيخ محمد؟ وماذا عن بهوت؟ وما علاقتها بثورة يوليو 1952؟ ولماذا اختيرت لتكون القرية الأولى التى وزع فيها جمال عبد الناصر الأرض على الفلاحين؟ 
والأهم: ماذا قال جمال عبد الناصر عن بهوت بعد قيام الثورة؟
- اختار جمال عبد الناصر أن تكون بهوت هى أول قرية توزع فيها أراضي الإصلاح ، ولم يكن الاختيار عشوائيا بل عن سبق إصرار  ووعى بقصة ثورة أخرى سبقت قيام ثورة يوليو 1952 وكانت ساحتها (قرية بهوت) .. ثورة انتفض فيها الفلاحون ضد ظلم الإقطاع الذي كان يتعامل معهم تعامل السيد مع عبده ويواجه أى خطأ بسيط من أى فلاح بالكرباج، وإذا لم يكف الكرباج فلتكن رصاصات البندقية هى العقاب !!

- كانت كل أراضي بهوت والقرى المجاورة مملوكة لعائلة بدراوى عاشور .. وكان الباشا يأمر  وعلى الفلاحين العبيد الطاعة العمياء، حتى لو  لم لم يكن الأمر قابلا للتنفيذ!
وفى ذلك اليوم من عام 1951، أمر الباشا بتوريد كميات محددة من القمح إلى مخازنه، لكن الإنتاج لم يكفِ لتغطية المطلوب، فغضب الباشا وطلب تأديب الفلاحين، وهاجم رجاله بيوت الفلاحين واستولوا على كل شيء لديهم، وتم القبض على أكثر من خمسين فلاحا وحبسهم فى قصر الباشا .. انتفضت القرية للمرة الأولى واتجه الجمع إلى قصر الباشا، وحاصروه وأشعلوا النيران من حوله محتجزين داخله ( نازلى سراج الدين) زوجة (محيي الدين بدراوي عاشور) .. واتصلت نازلى بوالدها (فؤاد سراج الدين) وكان وزيرا للداخلية فأمر الهجانة والعسكر بالتوجه للقرية و حاصروها لمدة 45 يوما .. ووقف (عبد المجيد بدراوى عاشور) بجبروته وسط العسكر مصوبا بندقيته إلى أحد أبناء القرية ليسقط بعدها شهيد بهوت (محمد أبو الريش ) ثم قام بأصبعه (بفقع) عين الفلاح (أمين عباده هنادى) وأصابه بالعمى!! ثم قام أخوه
( عبدالعزيز بدراوى عاشور ( بإطلاق رصاص بندقيته على الشهيد الثانى لقرية بهوت
(غازى العجمى) ! .. ويدخل (محيي الدين البدراوى عاشور) عضو البرلمان و زوج نازلى سراج الدين حلبة المنافسة على ظلم الإنسان القوى لأخيه الإنسان الضعيف، ويقف محتجا داخل البرلمان على العدد الهزيل من القتلى قائلا قوله الشهير: ( لو كنت متواجدا أثناء الأحداث لقتلت جميع الفلاحين فهؤلاء فلاحين كلاب)! 

- وفى ذلك الوقت كان هناك مجموعة من الضباط الأحرار من جيش مصر العظيم الرافضين احتلال مصر من استعمار  بريطاني يستنزف خيراتها، و حكم ملك يأخذ أوامره من المندوب السامي ومن السفارة البريطانية ، وكانت عيونهم متجهة إلى بهوت، وصدورهم تغلى بما يحدث فى بهوت ، وفى أذهانهم الظلم الواقع على الغلابة من عامة الشعب .. 
** وكانت ثورة بهوت عام 1951 حافزًا مضافا لقيام ثورة يوليو 1952 ، وعنها تحدث جمال عبد الناصر قائد الثورة قائلا .. (إن ثورة الفلاحين فى بهوت عام 1951ضد الإقطاعيين كانت باعثًا للتعجيل بالثورة ، ولإصدار قوانين الإصلاح الزراعى ... ) 
- لذلك لم تكن مصادفة أن يكون الشيخ ( محمد البهوتى ) ابن بهوت أول من تسلم عقد ملكية الخمسة أفدنة من أرض الإصلاح، وهو من قام عبد المجيد بدراوى بحبسه وتعذيبه حتى أوشك على الموت .. وأن يكون ثانى فلاح يتسلم عقد ملكية أرضه هو (بدر الشربينى) الذي أحل عبدالمجيد بدراوى دمه لأنه هجم عليه لحظة أن شاهد الشهيد محمد أبو الريش يسقط على الأرض غارقا فى دمائه برصاصات بندقية عبد المجيد بدراوى ، ثم فر بدر الشربينى هاربا من القرية ولم يعد لها إلا بعد قيام ثورة يوليو ..
- وهكذا أصبح للفلاح عيده .. ولبهوت قصتها الباقية .. ولبهوت تأثيرها على أن يعجل جمال عبد الناصر بقوانين الإصلاح الزراعى، آخذًا بثأر الفلاح الذي عاش عمره ذليلًا أجيرا عاملا بالسخرة مسحوقة كرامته تحت سياط كرباج الباشا ..
** وأخيرًا : مصر تحتاج الآن كثيرًا لجهد فلاحيها رمز العطاء منذ آلاف السنين، فأعطوهم حقهم من التقدير تجدوا منهم كل إخلاص .. 
- وللفلاح فى عيده ملايين التحايا .