الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عن الصديقين.. محمود الهندي وعلي حسنين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رحل محمود الهندى، أحد كبار مبدعينا فى الفن التشكيلى، ضمن كوكبة - موهوبة كأعمق ما تكون المواهب - غادرتنا مؤخراً، على نحو لافت من حيث العدد ومن حيث المباغتة، وكأن العيش فى حياتنا الراهنة، لم يعد محتملاً أو فوق المقدرة، وكأنه استجابة من خالقهم لتردديهم آيته الكريمة، أو معناها: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به).. خاصة بالنسبة لمبدعين مرهفين، يكونون عادة بحكم طبيعتهم وتكوينهم كفنانين، وبحجم مواهبهم وأصالتهم، فى غاية الرقة والرقى الإنسانى.
تعرفت إلى «محمود الهندى» فى بيته بمدينتى ومدينته «المنصورة»، وكلانا بعد لا يزال يقيم فيها قبل أن يبدأ الإقامة فى القاهرة، لكن الذى عرفنى عليه مبكراً ومن وقتها صديقنا المشترك أخى والشخصية الاستثنائية «حمدين صباحى»، فى زيارة له للمنصورة.. وأمضينا (صحبة وأنا معهم!) ولساعات ممتدة أمسية رائعة فى رحاب «قصائد الهندى»، و«قصائد حمدين».. وفيما بعد فى القاهرة استمتعت برقى وثقافة حوارات محمود الهندى، سواء وهو فى زيارتنا بجريدة «العربى»، أو ونحن نجوب معاً أجنحة معرض القاهرة للكتاب.. وكنت أستمع إلى مشروعاته التى لا تقف عند حدود الرسم المميز الفذ الذى يرسمه، سواء كان لوحات أو عبر أغلفة كتب، بل تضيف تنوعًا ورحابة أبحاث متعمقة وموسوعية فى ثقافتنا وتراثنا.. وكنا نتحدث كثيراً عن (صلاح جاهين) المتيم به كل منّا، وكان «محمود» يعرف عنه كإنسان الكثير وغير الشائع، وكنت أستزيده وأسعد بذلك.. كما سعدت باشتراكنا فى المحبة الجمة والتقدير الخاص (لمرسى جميل عزيز).. وقد كان يوافقنى بحماس على قولى: «إذا كان جاهين شاعر الثورة ومنشد الأغنية الثورية والسياسية الأول.. فإن مرسى أمير أشعار وغناء الحب فى عصرنا الأكبر»، وكان يعزم علىّ إتمام دراسة شاملة عن مرسى شاعر الحب والتعبير اللماح عن المشاعر والوجدان، المفضل لدى كلانا.
كنت وكل الذين يعرفون أو يتعرفون على «محمود الهندى» دوماً.. ونحن معه، فى صحبة إنسان نقى شفاف، محلق رومانتيكى بقدر ما هو واقعى، يتفانى وينجز ويحقق، وفى صحبة فنان مبدع متفوق لا يكف عن التألق والإدهاش، مثلما كان هو نفسه لا يكف عن الأسئلة والبراءة والدهشة.
ونحن فى ظل لحظة ووقع صدمة رحيل «نور الشريف»، أحد شوامخ فن الأداء التمثيلى العربى، نفاجأ (فى اليوم التالي) برحيل فنان آخر، كبير وأصيل.. هو الممثل القدير «على حسنين».
لا يعرف رقى على حسنين كإنسان، وعمق ثقافته ورهافته، إلا من اقترب منه، وهو بالنسبة لى صديق حقيقى وقريب، على امتداد أكثر من عقد من الزمان، خاصة منذ مسرحية «جواز على ورقة طلاق»، التى كانت مشاهدتى لها وكتابتى عنها (مقالاً نقدياً مطولاً فى جريدة العربي)، سبباً فى صداقات عدة ممتدة لى مع معظم أبطالها، وهو أحدهم، ومع مخرجها الرائع النبيل أحمد عبدالحليم، وفى تعرفى لأول مرة على مؤلفها الكاتب العملاق، ألفريد فرج، على كليهما رحمة العلى القدير الواسعة.
على حسنين غول مسرح عظيم ومن شوامخه فوق العادة، وتتأكد براعته أكثر كلما توفر الرقى الكلى للعمل، مثلما رأيته (على خشبة الهناجر) فى أحد أعمال مسرح سعد الله ونوس الثرى والمتفرد (مسرحية أحلام شقية)، إلى جانب الفنانة عايدة عبدالعزيز (المتميزة وهى بدورها من شوامخ فن التمثيل)، يضطلعان ببطولة العرض وحدهما تقريباً، كما لن تنسى أبداً لحسنين أدوار كبرى فى أفلام من عيون السينما، مثل «البحث عن سيد مرزوق» لداوود عبدالسيد والذى تقاسم بطولته مع نور الشريف، ومثل «آيس كريم فى جليم» لخيرى بشارة، الذى قدم فيه (عبر دور الموسيقى «زرياب») أعظم مرثية فى فن السينما، ربما فى العالم كله، لنموذج شيوعى نبيل.
كنت أحادثه قبيل رحيله ببضعة أيام، وكان مستبشراً مرتفع المعنويات بوضوح بعد نجاح عملية جراحية دقيقة، وكنت أقول له: «إنهم يعيدون الآن حلقات مسلسلك الطريف الجذاب (لسة بدرى) فى فضائية (موجة كوميدى).. وأراك فيه فى منتهى الحيوية والانطلاق والمرح».. فعقب بنبرة باسمة: «كويس قوى إنك بتشوفنى على الشاشة كده.. يارب أشوفنى أنا كمان بالصورة دى لكن فى الواقع!». وكانت هذه آخر الكلمات معه.. قبل ساعات من مغادرته لنا، تاركاً ذكرى وسيرة عطرة لإنسان طيب حقا، نبيل حقاً، وفنان بارع قدير يظل فنه وحضوره على مدى الأيام.