الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لبنان.. "كيفك أنت"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتصدر إيران العنوان الرئيسى فى مشهد الحالة الثورية التى سادت فى وقت متزامن على أجواء بلدين عربيين العراق ولبنان مع اختلاف الهدف.. بينما تتصاعد الحالة الثورية فى العراق ضد الهيمنة الإيرنية بدأت الاحتجاجات فى لبنان انطلاقا من مطالب خدمية.. إلاّ أن المسار السياسى الذى اتخذته لم يكن مفاجئا.. ولم تفلح كل «مساحيق التجميل» فى إخفاء صورة إيران وهى تحاول توجيه هذا الحراك الشعبى من وراء الستار.
لبنان الذى التزم عبر تاريخه بالمحافظة على «توليفة» سياسية ضمنت تعايشا بين مكونات أطيافه وأحزابه وفقا لصياغة «لبنانية» مجردة حتى ظهور وصعود حزب الله منذ ٤٠ عاما طارحا نفسه كأحد الفصائل المؤثرة فى الحياة السياسية خصوصا بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريرى وسيطرة سوريا بقيادة بشار الأسد على مسار الحياة السياسية فى لبنان.. حزب الله «الفصيل اللبناني!!» الذى لا يُذكر له موقف لبنانى أو حتى عربى طوال العقود الماضية نجح فى خلق قاعدة شعبية فى الجنوب وبعض مناطق البقاع وعقد تحالفات مع أحزاب طامعة فى السلطة والتوريث- التيار الوطنى الحر بقيادة ميشال عون- حتى لو كان الثمن إلقاء هذا البلد الذى يتمتع بتركيبة وثقافة شديدة التنوع فى أحضان المشروع الإيراني- عبر حزب الله- على حساب عروبته.
جميع الدلائل تشير إلى تصاعد هذه الحالة الاحتجاجية رغم التخوف من تغلب التداعيات السلبية على بعض النقاط الإيجابية فى المشهد.. أهم هذه النقاط المضيئة إقصاء كل مظاهر الطائفية والحزبية رغم محاولات حزب الله اختراق هذه المظاهرات أو الرد عليها بإنزال حشود إلى الشارع تحت ستار الانتماء إلى التيار الوطنى الحر.. بهدف فرض قوانينه على المشهد الجديد بعدما نجحت محاولاته على مدى أكثر من عام فى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية عبر سيطرته على «الثلث» المعطِّل للقرارات داخل البرلمان اللبنانى وهو ما يؤكد أطماع «ملالى» إيران فى السيطرة على لبنان عبر هذا الحزب الذى استغل تحالفاته داخل البرلمان لتصفية الحسابات مع خصومه السياسيين بعيدا عن أى اعتبارات تصب فى الصالح العام اللبنانى.
بعدما ثبتت التجارب العربية فشل وصول أى حالة ثورية إلى أهدافها مهما ارتقت النوايا بمعزل عن الوعى السياسى والثورى.. تظهر ضرورة انتخاب رئيس جمهورية يليها انتخابات برلمانية كمطلب منطقى للخروج من الأزمة اللبنانية وسط كل الشعارات التى رفعها المتظاهرون وبينها دعوات لا تختلف عن مسكنات الألم المؤقتة، بينما الأجدى استغلال هذا الحشد الشعبى المدنى فى التركيز على علاج يقتلع الأزمة السياسية من جذورها، هناك إجراءات دستورية تتطلب فترة -قد تحدد بثلاثة شهور- أهمها تغيير القانون الانتخابى اللبنانى الحالى والقائم على ترسيخ الطائفية بمواد تضمن فى القانون الجديد كسر احتكار المشاركة السياسية لصالح أسماء محددة ويمنح الوجوه المستقلة فرصا متساوية فى خوض التنافس الانتخابى أمام التكتلات الحزبية أو الطائفية التى طالما فرضت قوانينها خصوصا أن هذه الوجوه قد تجد أن التوقيت الحالى يبدو الأمثل لفرصة الترشح فى ظل المزاج العام الرافض للمنظومة الطائفية المتحكمة فى الحياة السياسية، حالة السخط فى الشارع اللبنانى ضد حزب الله وممارساته التى جردت الحياة السياسية من استقلاليتها لن يكتب لها المضى فى الطريق الصحيح نحو التغيير إذا عادت للخروج عن السياق اللبنانى إلى دائرة «إما أن يُحكم لبنان من سوريا أو إيران».
على الصعيد الخارجى أيضا يقف عامل التوقيت فى صالح اللبنانيين إذا ما قرروا استعادة السيادة على وطنهم، حزب الله الذى تراخت قبضته الحديدية بعدما أنهكته التدخلات الخارجية سواء فى سوريا أو العراق وفق الأوامر الصادرة من إيران، بالإضافة إلى أن ارتباط حزب الله ببعض الكيانات التى يدرجها الغرب ضمن التنظيمات الإرهابية لا يتفق مع الدور الذى تمضى فيه إيران حاليا بالانفتاح على هذه الدول بعد اتفاقها النووى مع أمريكا.
فى ظل الأزمات والضغوط وتجاذب المصالح بالإضافة إلى الرفض الشعبى العام للمنظومة السياسية الحالية تتجه الأنظار نحو الجيش اللبنانى كموضع ثقة ومؤسسة وطنية يلتف حولها اللبنانيون سواء فى تولى مسئولية البلاد لفترة انتقالية يتم خلالها تنظيم عملية انتخابية وفق قانون جديد أو طرح قائد الجيش جان قهوجى مرشحا لتولى الرئاسة، خصوصا أن مؤسسة الجيش قدمت إلى لبنان عبر تاريخه المعاصر رؤساء قادوا البلاد باقتدار فى ظروف لا تقل صعوبة عما يشهده لبنان حاليا بعيدا عن إغراءات المناصب والتمسك بالسلطة أو إخضاع سيادة القرار اللبنانى إلى دول أخرى.. إلى آخر هذه الممارسات الكارثية التى أدت إلى تفاقم الأزمات السياسية عبر العقود الماضية متخذة أحيانا مظاهر عنف واغتيالات حتى انتهت بانفجار الشارع اللبنانى ضد كل الطبقات السياسية الحالية.