الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

فاروق حسني في حواره لـ"البوابة": الشيخ حمد قال لي: "مصر ضاعت" فقلت له: "الدول الصغيرة هي اللي بتضيع" (1)

الوزير المزعج يتحدث لـ"البوابة" دون أقنعة

فاروق حسنى
فاروق حسنى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الأمير الوالد قال: «الإخوان أغلبية» فسخرت منه «الظاهر انت بتتفرج على الجزيرة كتير»

 لماذا يتكلم.. ولماذا الآن؟

قبل أن تسأل: لماذا ذهبنا إلى فاروق حسنى، وطلبنا منه أن يتحدث؟ لماذا دعوناه إلى الكلام الآن؟ وقبل أن تثرثر بكلام عقيم عن استدعاء رموز الماضى، وخطر هذا على الحياة السياسية فى مصر، سأقول لك: هناك مناسبة للحوار، فعلى مدار أسابيع ماضية كان فاروق حسنى طرفًا فى أحاديث متناثرة، ربطته بعلاقات غامضة مع قطر، الدولة المزعجة والقلقة والمقلقة، قالوا إنه كان طرفًا فى خروج الآثار المصرية إلى الدوحة، وقالوا إنه ضمن مجلس إدارة مؤسسة الشيخة موزة، وفى كل مرة كنا نتحدث، كان ينفى هذا الكلام، بل ويتحدى، أن يخرج دليلا واحدا على هذه الاتهامات.

تواصل الحديث بيننا أكثر من مرة، اقترحت عليه أن يتحدث، يقول كل ما لديه، يضع الحكاية كلها فى سياقها، على الأقل لإنهاء هذا الملف، وأعتقد أن هذه مهمتنا هنا، فليس معقولًا أن نترك الكلام على عواهنه، دون تفنيد، ودون وصول إلى الحقيقة.

دع هذا جانبًا، وتأمل قليلا فيما سأقوله لك.

بشكل مجرد وبدون مبالغة، لو اخترنا خمسة من وزراء الثقافة فى مصر، وقلنا إن هؤلاء أفضل خمسة وزراء، سيكون فاروق حسنى واحدًا منهم، ولو اخترنا ثلاثة فقط على اعتبار أنهم الأفضل، سيكون واحدًا منهم، ولو طلب منى أن أحدد من هو أفضل وزير ثقافة فى تاريخ مصر، وهذا رأيى الشخصى، سأقول إنه فاروق حسنى.

خلال عمله وزيرًا للثقافة (1987 - 2011) لم ألتق به، لم أجلس إليه ولم أحاوره، كنت أتابع معاركه بإعجاب شديد، حتى معركته التى خسرها فى اليونسكو، أشفقت عليه، لأنه لم يكن يمثل نفسه، ولو كان كذلك لفاز بالمنصب، لكنه كان يمثل نظامًا لم تكن سمعته الدولية تمنحه فرصة أن يفوز بالمنصب الكبير، وساندته فى معركة الحجاب التى باعه فيها أقطاب الحزب الوطنى، دون أن يهتز هو أو يتراجع، وحتى عندما استخدم المواءمة السياسية ليخرج من الأزمة، تفهمت موقفه.

قيمة فاروق حسنى تتجاوز بكثير أن نقف أمامه على أنه كان واحدًا من رموز نظام مبارك، هو لا ينكر ذلك، ولا يتنكر له، لكننا من زاوية خاصة لا نحسبه على هذا النظام بفساده واستبداده وغبائه وحصاره للفقراء وتجريفه للمواهب والكفاءات، هو واحد ممن صنعوا للثقافة المصرية بنيتها الأساسية، بوعى وإدراك لأهمية مصر التاريخ والحاضر والمستقبل.

ثم أننا نستدعيه ليكون له نصيب من العمل العام، هو نفسه انصرف عن أشياء كثير، تقريبًا لا يخرج من بيته إلا فيما ندر، لا يعلق على الأحداث، لا يلتقى إلا بمجموعة محدودة من الأصدقاء، لكن اللافت للانتباه أنه يستقبل ضيوفًا عربًا وأجانب كثيرين، يأتون إليه راغبين فى سماع تجربته فى العمل الثقافى.


هذه التجربة تحديدًا، هى التى دعتنا إلى الجلوس معه ذهبت أنا وكان معى الزميل عصام زكريا لأستمع منه، إننا أمام فنان ومثقف كبير، يمتلك فى ذاكرته جزءًا كبيرًا مما سيكون تاريخًا ثقافيًا لمصر، وأعتقد أننا يجب أن نسارع ونسجله، حتى لا يفلت من بين أيدينا، فما فعله ملك لنا وليس ملكًا له وحده، وقد دفعنى هذا إلى أن أطلب منه تسجيل مذكراته فى العمل الثقافى، وهو ما رحب به، وانصرفنا على موعد آخر، واتفاق أتمنى أن يتحقق، فلدى فاروق حسنى الكثير الذى لا بد أن نعرفه، وتسمعه الأجيال القادمة، على الأقل يجيبنا عن سؤال أعتبره محور تجربته كلها، وهو: كيف لنظام لا يؤمن بالثقافة ولا يحترمها ولا يقدر المثقفين، أن يقتنص منه وزير، مهما كانت قدراته، كل هذه المساحة، ويعمل ويتفاعل دون أن يوقفه أحد؟

على كل حال ما سيقوله فاروق حسنى هنا بعضًا مما لديه، أدعوكم لقراءته، حتى يحين الموعد لنسجل كل ما لديه.

القصة طويلة، تفاصيلها مفزعة، محورها هذه المرة هو الوزير فاروق حسنى، الذى تحدث بصراحة لأول مرة، سمعت منه عبر اتصالات تليفونية بعضًا من جوانبها، لكنه هذه المرة أفاض بما عنده.

 سألته: اسمح لى يا سيادة الوزير... فى كل مرة، يتردد اسم قطر لابد أن نجد اسمك فى جملة مفيدة، هناك من يتهمك اتهامات صريحة، تخص آثار مصر التى خرجت للدوحة، وهناك من يؤكد أنك كنت تعمل بشكل رسمى مع مؤسسة الشيخة موزة... هل تعتقد أن الأمر يأتى مصادفة، أم أن الدخان الذى يتصاعد ترقد تحته نار لا نراها؟

أجاب بابتسامته التى تغلب على تفاصيل وجهه كلها: الحقيقة أنا اسمى بيكون موجود فى حكايات كثيرة عن قطر، لكن عندما تتأمل تفاصيل الحكاية لا تجد لى علاقة من قريب أو بعيد بما يحدث.

 اعترضت طريقه: لكن لماذا قطر بالتحديد وأنت تعرف أن وراءها ما وراءها؟

قال: سألخص لك موضوع قطر كلها فى جملة واحدة، هذا البلد الصغير مثل كتاب ضخم وفخم جدا، لكنك عندما تفتحه لا تجد فيه شيئا على الإطلاق، مجرد ورق أبيض، ليس فيه أى كلام من أى نوع.

لكن تسمع مرة أن هناك من يدعى أننى متورط فى تهريب الآثار إلى قطر، والمعنى من ذلك أننى تاجر آثار، فهل هذا معقول، وهل يمكن أن يتم هذا من وراء كل الأجهزة فى مصر، وتحديدا بعد يناير، عندما كانت الأجهزة تبحث فى كل كبيرة وصغيرة تخص الجميع، وهناك من يأتى ليقول: مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، مؤسسة خاصة غير ربحية، تضطلع بدعم الأنشطة الثقافية والفنية، تأسست عام ١٩٩٥، بمبادرة من حمد بن خليفة آل ثان، أمير قطر السابق، فيما تتولى موزة رئاسة مجلس إدارتها منذ تأسيسها وحتى الآن، وتضم عضوية مجلس إدارة المؤسسة كلًا من: فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، وسعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، ويحتفظ فاروق حسنى وسعد الدين إبراهيم بعلاقة خاصة مع دولة قطر، فالأول صديق للأمير الوالد والثانى لا يخفى الأمر، بل يذكره فى كل المواقف.

 ولأننا فى «البوابة» كنا قد نشرنا هذا الكلام، سألت الوزير: دعك من كل ما يتردد، قل لنا أنت حكايتك مع قطر؟.

قال: شوف يا سيدى، أنا علاقتى بالأمير حمد والشيخة موزة، بدأت منذ فترة طويلة جدا، تحديدا منذ كان الشيخ سعود آل ثان مسئولا عن الثقافة فى قطر، وأعتقد أن هذا كان خلال سنة ١٩٩٩ أو٢٠٠٠ تقريبا، كنت أعرف الشيخ خليفة جد الأمير الحالى، وعندما زرت قطر عندما كان يحكمها، استقبلنى استقبالا جيدا، يليق بوزير ثقافة دولة كبيرة مثل مصر، فقد كان يدعونى الشيخ سعود فى مناسبات كثيرة، واستمرت دعواته لى بعد أن أصبح رئيسا للمجلس الأعلى للعلوم والفنون.

يضيف فاروق: فى إحدى المرات قال لى الشيخ سعود: الشيخة موزة تريد أن تراك، وكنت موجودا فى منطقة مكاتب، وقال لى: على أى حال مكتبها موجود هنا، دخلت، فوجدت مكتبها مودرن جدا، وتضع أعمالًا فنية عالمية على الحوائط، ووجدت عندها وفدا ثقافيا من رومانيا.

 سألته: كيف رأيت الشيخة موزة عن قرب، كان كيف انطباعك الأول عنها؟

قال: رأيتها من اللحظة الأولى شخصية قوية ونافذة ومؤثرة فى الوقت نفسه، يومها دعتنى لزيارة مكان اسمه الأكاديمية، ذهبت الحقيقة واعتقدت أنا سأرى مكانا عاديا جدا، لكنى فعلا انبهرت، رأيت مدرسة أطفال، لم أر مثلها ولا فى أوروبا نفسها، بهرتنى المبانى وتنفيذها، وكانت مفاجأة عندما سألتها: من نفذ هذه المبانى؟ مؤكد استعنتم بخبرات أجنبية؟ فردت: إطلاقا: اللى بناها مصريون، فابتسمت وقلت: أمال مبينفذوش زيها عندنا ليه.

 وسألته: وهل التقيت بها بعد ذلك؟

قال: تعاملت معها كثيرا بعد ذلك، وكانت بيننا تليفونات كثيرة، إلى أن حدث التعامل الرسمى، عندما اتصل بى الشيخ حمد بنفسه، وقال لى: يا فاروق إحنا بنعمل متحف كبير، اسمه المتحف الإسلامى، وعندنا مجموعة خبراء كلهم أجانب، وعاوزينك تكون موجود معاهم، وهتكون أنت العربى الوحيد فى المجموعة، قلت له: يسعدنى يا سموالأمير طبعا، إنما ده مش قرارى، ده قرار الرئيس مبارك، أنا وزير معاه ومقدرش أعمل حاجة من غير موافقته.

وعد الشيخ حمد فاروق حسنى أن يتحدث مع الرئيس مبارك، وبالفعل، تحدث مبارك مع فاروق بعد أيام قليلة، يقول الوزير السابق: كلمنى الرئيس مبارك وقال لى: يا فاروق أنا كلمنى رئيس قطر، وقال إنه محتاجك فى حكاية المتحف الإسلامى اللى بيعملها دى، فأنا قلت له: أنت عاوزه ليه، ده وزير، فقال لى: كلها مرتين فى السنة، لأنه خبير فى مسائل المتاحف ويهمنا خبرته تكون معانا.

وافق الرئيس مبارك، ويكمل فاروق: الرئيس قال لى أنا موافق، فقلت له: وأنا تحت أمرك، وبعد ذلك وصلتنى دعوة لحضور أول مجلس إدارة للمتحف، وكان هناك ناس مهمين جدا من ألمانيا وإنجلترا، وبعد أن أنهينا عملنا فى المتحف، اتصل بى مسئول قطرى ليسألنى عن رقم حسابى فى البنك، وقال لى إنهم خصصوا مكافأة نصف مليون دولار لى، فرفضت، وقلت له أنا وزير فى الحكومة المصرية ولا يمكن أن أقبل هذا المبلغ، ويمكن أن ترسلوا لى بجواب شكر على المشاركة معكم فى المتحف وينتهى الأمر.

كان هذا ما جرى بالفعل، لم يحصل فاروق حسنى على المبلغ، ووصله جواب شكر، يقول فاروق: هذا الجواب تحديدا، ساعدنى كثيرا، ففى المحكمة قدمته للقاضى الجليل المحمدى قنصوة، وقلت له إذا كنت أريد أن أحصل على مبالغ مالية من عملى، كنت حصلت على هذا المبلغ، وكان المعنى واضحا، فأنا لا أبحث عن الفلوس.


قلت للوزير: لو سألتك مباشرة كم تبلغ ثروتك... فهل تجيبنى بصراحة؟

قال على الفور: أنا قلت هذا الكلام فى المحكمة، أنا ثروتى مليون ونصف مليون دولار، جمعتها من عمل متواصل، بدأ وأنا عندى ١٨ سنة فى أوروبا، و٢٣ سنة وزيرا فى مصر، هذا غير أعمالى الفنية ومعارضى فى الداخل والخارج، ولو قارنت المبلغ ده بمبالغ عند وزراء آخرين، ستجد أننى شحات، وأنا فاكر أن الكاتبة الكبيرة نعم الباز لما عرفت إن المليون ونصف المليون دولار هي كل ثروتى، قالت لى: أنت كسفتنا.

حكاية فلوس قطر لم تمر مرور الكرام، ويبدو أن هناك من نقلها إلى مبارك وزوجته السيدة سوزان مبارك، يحكى فاروق حسنى: بعدها بشهور وكنا يوم جمعة، فوجئت بالسيدة سوزان مبارك بتكلمنى الصبح، وتسألنى: هى إيه حكاية فلوس قطر دى يا فاروق، قلت لها حكاية المتحف والريس عارف، وهو اللى وافق على عملى معاهم، فسألت: وخدت منهم فلوس، فقلت: لا طبعا، فقالت: بس التانيين خدوا، وفى نفس اليوم الساعة السابعة مساء، اتصل بى الرئيس مبارك، وسألنى: ايه حكاية قطر يا فاروق؟ قلت له: الله يا ريس ما أنت عارف، وأنت وافقت، فقال لى: خدت فلوس، قلت: لا طبعا، فرد: أكيد التانيين هم اللى خدوا، وكأنهم كانوا متفقين على المكالمة لأنها تمت بنفس النص تقريبا.

  كان هذا هو الفصل الأول فى العلاقة بين فاروق حسنى وقطر، تعامل رسمى كان يعرف به مبارك، ولم يحصل منه على أى مقابل.

 سألته: هل انتهت علاقتك بقطر عند هذ الحد؟

قال: لم تنته بالطبع، لأن القطريين كانوا يريدون أن أعمل معهم بأى شكل، قالوا لى إنهم يبنون متاحف، ويريدون خبرتى معهم، وتكرر هذا الأمر أكثر من مرة قبل الثورة، لكنى كنت أرفض فى كل مرة.

 قلت له: وبعد الثورة، لقد حاولت قطر أن تستعين بعدد من وزراء عصر مبارك، ومؤكد أنهم تواصلوا معك؟

قال: بعد الثورة الأمر كان مختلفا، قابلنى الأمير حمد بنفسه، كنت أجلس على مقهى فى روما، وجدت ابنته تجلس أمامى، وكان معها زوجها وهو شاب محترم وكان وزيرا سابقا فى قطر، قال لى: تفضل معانا، سمو الأمير موجود، ويريد أن يتحدث معك، بالفعل كان يجلس خلفى، دخل فى الموضوع مباشرة، قال: يا أخ فاروق نريدك معنا، عندنا أعمال كثيرة، وأنت تستطيع أن تساعدنا، لم أعطه كلمة محددة، وانتهى اللقاء على وعد بأن نلتقى مرة أخرى، ودعانى الأمير حمد بالفعل لزيارة قطر.

بعد فترة تلقى فاروق حسنى تليفونا من ابنة الشيخ حمد الشيخة المياسة، قالت له: نريدك أن تلبى دعوة الأمير، أم أنك لا تريد أن تزورنا، قال لها فاروق: أنا هاجى قطر بعدها حسافر باريس على طول، فممكن أعدى عليكم لمدة يومين بالكتير.

يقول فاروق: كنا فى رمضان، فطرت مع ابنة الشيخ حمد وزوجها، وبعد الإفطار، قالت لى: أمى عاوزة تشوفك، قلت لها: معنديش إلا بكره، أنا مسافر باريس، وفى اليوم التالى قابلت الشيخة موزة بعد الإفطار مباشرة.

كان اللقاء هذه المرة مختلفا، بالنسبة لفاروق حسنى لم تكن هذه هى الشيخة موزة التى قابلها أول مرة، يقول: دخلت عليها لقيتها بتتفرج على قناة الجزيرة، قلت لها: بتتفرجى على إيه، فردت: على الأخبار، فقلت: كلها كدب بالمناسبة، لو عاوزة تعرفى حاجة عن مصر اسألينى أنا، أنا لسه جى من مصر وأعرف فيها إيه، على العموم كل اللى بيحصل فى المنطقة ده وراه أمريكا، وأنتى عارفة ده كويس.

ردت الشيخة موزة على فاروق حسنى ربما بسذاجة: وهى أمريكا عاوزة إيه؟ فقال لها: عاوزة إيه، مش معقول مش عارفة أمريكا عاوزة إيه.

يقول فاروق: قلت لها ببساطة شديدة أمريكا عاوزة تدوس على مصر وبعدها تاكلكم كلكم، أنتم هدفها فى النهاية، واللى معطل ده مصر.

هربت الشيخة موزة من هذه المناقشة، وسألت فاروق: طيب يرضيك اللى بيحصل معايا فى مصر، يرضيك الشتيمة الموجهة لى كل يوم فى الصحف والإعلام؟ فقال لها: بصى اللى بيشتغل فى السياسة يستحمل أى حاجة، وبعدين إحنا ياما اتشتمنا، إيه اللى حصل، ولا حاجة.

يكمل فاروق حكايته مع قطر: خرجت من الدوحة إلى باريس، قابلت الشيخ حمد هناك، وكان وقتها قد ترك الحكم لابنه تميم، قلت له: أهلا يا سمو الأمير، فرد ساخر: لا أمير إيه بقى، اللى زيى الوقتى بيقولوا له: إزيك يا حمد.

جرت هذه المقابلة فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣، يوم فض اعتصام رابعة العدوية، وقد يكون ما جرى فيها مهمًا للغاية، يقول فاروق حسنى: قال لى الأمير: مصر خلاص ضاعت يا أخ فاروق، فقلت له: مصر إيه اللى ضاعت يا سمو الأمير، مصر عمرها ما تضيع، الدول الصغيرة بس اللى ممكن تضيع، وتختفى من الوجود تمامًا، مصر دى زى الشجرة جذورها فى الأرض وفروعها فى السماء، فرد بإشارة إلى الإخوان المسلمين: بس هم أغلبية، فقلت له: مين هم اللى أغلبية، أنت الظاهر بتتفرج على قناة الجزيرة كتير.

  كان هذا فصل الختام بين فاروق حسنى وقطر، قرر ألا يلتقى بهم أبدا، ألا يتحدث معهم مطلقًا، فقد شعر أن هناك ما تحمله قطر لمصر، وأن الأمر ليس عاديًا بالمرة.


قلت له: أنت عرفت الشيخ حمد، وعرفت الشيخة موزة، وتعاملت مع مسئولين قطريين فى مستويات مختلفة، وتابعت ما تفعله قطر، هل لديك تفسير لما يقومون به؟

قال: المسألة تتجاوز السياسة، هناك أمور نفسية فى الأمر، هم دولة صغيرة، ولديهم ثروات هائلة، ولا يعرفون ما الذى يفعلونه بها، إنهم يريدون أن يكون لهم دور.

 التقطت منه الخيط، قلت له: طالما جئت على ذكر العامل النفسى، هناك من وضعك فى جملة مفيدة بين الشيخة موزة وسوزان مبارك، قالوا إنك كنت مسئولًا عن اختيار ملابس السيدة الأولى، وأن الشيخة موزة حاولت أن تستقطبك وأنت رفضت، هل حدث هذا فعلًا؟

محتدًا هذه المرة، قال فاروق حسنى: فى الحقيقة فيه اتنين مظلومين فى الحكاية دى، أنا مظلوم وحرم الرئيس مبارك مظلومة، وذلك لأسباب، أولها أنه لم يكن لى أى علاقة من أى نوع بالملابس الحريمى، وبالتالى فليس لى علاقة بملابس السيدة سوزان، وثانيا: هى ست عندها ذوق فى لبسها، وعندها ناسها، وعندها بيوت الأزياء التى تتعامل معها، وعلى فكرة كانت ذكية جدا وحصيفة جدا وفاهمة جدا، وعارفة هى بتعمل إيه، وهذا كلام للتاريخ وليس لها، ولم يحدث فى يوم من الأيام أن قلت لها: البسى ده، أو لا تلبسى ده.

لكن المهم، يكمل فاروق حسنى: أنا فاكر إن الشيخ حمد كان فى زيارة إلى مصر، وبعد أن قابل الرئيس مبارك، خرجت معه، وركبت إلى جواره فى السيارة، وجدته يقول لى: والله يا أخ فاروق إحنا عندنا فلوس كتير جدا مش عارفين نوديها فين، فقلت له: توديها فين يعنى إيه، تجيبها هنا مصر طبعا، فقال لى وكانت مفاجأة الحقيقة: طيب بينى وبينك أنا عاوز أشترى قصر البارون، ومتقولش لحد أنا عاوز أعمله هدية لزوجتى، ولو تم الشراء سيكون تحت إشرافكم، وهنرممه زى ما أنتم عاوزين.

 قلت لفاروق حسنى ساخرا: يبدو أن الشيخ حمد كان عاوز الشيخة موزة تيجى تحكم مصر من قصر البارون.

لم يعلق، واختار أن يكمل ما جرى، قال: أنا قلت للرئيس مبارك عن حكاية حمد وقصر البارون، فقال لى: لا ابعده خالص عن الموضوع ده، ده لو اشتراه هيبنوا وراه وقدامه، ومش هنقدر نقول لهم حاجة.

لم يتقاطع فاروق حسنى فى المسافة التى تربط سوزان مبارك والشيخة موزة إلا فى حدود، وكانت كلها بعيدة عن حكاية الملابس والموضة وبيوت الأزياء، يقول: قلت مرة للسيدة سوزان أنا ملاحظ إن الشيخة موزة عندها موقف، فأنا بقول إن حضرتك تحتويها، فردت: يعنى أنا أعمل إيه، أنا بعامل أسماء الأسد والملكة رانيا زى بناتى، والشيخة موزة بعتبرها زى أختى، لكن يخلصك أنها تيجى القاهرة ولا تتصل بى.

كانت الشيخة موزة تأتى إلى مصر كثيرًا، وكانت تزور السيدة نوال الدجوى التى تعلمت فى مدارسها، وكانت الرئاسة فى مصر تعلم بقدومها ومغادرتها من المطار، ولم تحاول أن تتصل بسوزان مبارك ولا مرة واحدة.

تحدث فاروق حسنى ـ كما يقول ـ مع الشيخ سعود آل ثان، وقال لى أن يخبر الشيخة موزة بما قالته سوزان مبارك، وطلب منه أن يجعلها تتصل بها، حتى يذوب الجليد بينهما، يكمل فاروق: وبعد أيام بالفعل، وجدت السيدة سوزان مبارك تقول لى إن الشيخة موزة اتصلت بها، ويبدو أن المكالمة كانت ودية، لكنى لم أسألها عن مضمون ما دار بينهما.

 مرة ثانية سألت فاروق حسنى، فإذا كانت العلاقات تسير على هذا النحو، فلماذا فعلت قطر ما فعلته، ولماذا تستمر فى سياسة العداء نحو مصر؟

قال: أنا تحليلى أن الموضوع كله أمريكانى، لكن هذا لا يمنع أن قطر متورطة، فعندها أكبر قاعدة أمريكية فى المنطقة، وعندها أيضا طموح كبير، لكى تكون أكبر بكثير من كيانها التاريخى، عندها أموال كثيرة نعم، تستطيع أن تشترى أى وكل شىء، نعم، حتى أنها تستطيع أن تشترى بنى آدميين، لكن السؤال: ما نوع الطموح الذى لدى قطر، وهل هو مشروع؟ وما الأساليب التى تتبعها لتحقيق هذا الطموح؟ أعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة يمكن أن يكشف لنا الكثير، وإن كنت أرى أن المسألة أبعد من إمكانياتهم تماما، فطموحها كله مرهون بإرادة أمريكية، وأنا لا أتعجب من ذلك لأن أمريكا طول عمرها كده، وأتذكر وأنا شاب كان عبد الناصر يقول: أمريكا يا عرب، وكأنه يقول احذروا أمريكا يا عرب، وبعد كل هذا الوقت تجد نظرة عبد الناصر صحيحة، ولذلك لا يجب أن يأمن أحد لأمريكا.

 سألته: بنظرة السياسى وليس المثقف هذه المرة... كيف ترى مستقبل قطر؟

قال : لا أبحث عن مستقبل قطر، أنا أبحث عن مستقبل مصر، فالظروف تلتصق دائما بالقوى، وأنت كل يوم تكون أقوى، وهم ينظرون إليك بإحباطات شديدة جدا، وتأكد أنه فى الوقت الذى ستملك فيه زمام الموقف، ينتهى الإرهاب ويعود الأمن، ستأتى إليك قطر ذليلة، أنا سألت الشيخة موزة: أنتم إزاى بتعملوا كده مع مصر؟ فردت: إحنا مش بنعمل حاجة مع مصر، هم يقولون هذا الآن، لكن غدا سينكشف كل شىء.

 قلت له: هل تريد أن تضيف شيئا فى ملفك مع قطر؟

قال باسمًا: أنا قلت كل شىء فى ملف علاقتى بقطر، وأنا لم أستفد منها أو من غيرها بمليم أحمر، لقد طلبت ابنة الشيخ حمد أن تشترى ١٢ لوحة من لوحاتى، ورفضت، ومن معه دليل يؤكد عكس ما أقوله، يعلنه فورًا.


هذا هو وزير الثقافة المناسب لمصر الآن

 

 سألت فاروق حسنى: وأنت صاحب تجربة مهمة جدًا فى وزارة الثقافة، بعيدًا عن الأسماء، لو طلبت منك أن تحدد الشروط التى لابد أن تتوفر فى الشخص الذى يجب أنيشغل منصب وزير الثقافة الآن فى مصر؟

 

قال: هناك شروط أساسية لا يجب التنازل عنها، لابد أن يكون لديه سمات أساسية هى الخيال، والمعرفة والقدرة على التصور، ولا أريد أن أقول التعمق الشديد، دعنا نقولالمعرفة بتاريخ الموسيقى فى العالم وعندنا، والمعرفة بتاريخ المسرح فى العالم وعندنا، والمعرفة بالآثار فى العالم وعندنا، وبشكل لا تجعل أحدًا يضحك عليه، لابد أنيكون ملما بأبعاد الكتابة، وما الذى يجب أن ينشر، لقد تركت مشروعا هائلا هو المشروع القومى للترجمة، عملنا ٥ آلاف كتاب مترجم، وكانت له أهدافه، أردنا أن يقرأالمثقف المصرى من كل الثقافات وأن تكون فى متناول يديه، وذلك حتى يكون عندى مثقف مبدع، لأن المثقف لابد أن تكون لديه ثقافات متعددة، ويكون قارئ فى الفلسفةإلى حد كبير.

 

 قلت له: لو طلبت منك أن تضع قائمة من ٣ أشخاص تنطبق عليهم هذه الشروط.. هل تستجيب؟

 

قال: صعب جدًا، لا أجد أى اسم تنطبق عليه هذه الشروط. ويبدو أن الوزير السابق أدرك أنه لم يكن دقيقًا فى رده، قال: ممكن طبعا يبقى موجود من تنطبق عليهم هذهالشروط، لكننى لا أعرفهم بالاسم.

 

قعدنا فى الحكم أكثر مما ينبغى

 

 سألت فاروق حسنى: كنت تقريبًا أقدم وزير فى عصر مبارك عندما قامت عليه الثورة، بصراحة ومن وجهة نظرك الخاصة، هل كان الناس على حق عندما ثاروا على مبارك ونظامه؟

 

قال: لو جيت للحقيقة، النظام قعد فى الحكم أكتر مما ينبغى، أنا شخصيًا كنت أقول لأصدقائى خلال آخر دورة للرئيس مبارك: احنا لازم نسيب الحكم، لأن كل سنة بتمرعلينا بنخسر قدامها كذا سنة، وأنا أقولها وبصدق شديد، كان لابد أن يخرج النظام من الحكم قبل الثورة عليه بسنوات، هذا رغم حبى للرئيس مبارك، ولهذا أسباب كثيرة،منها ما هو موضوعى، فالرجل طوال فترة حكمه، لم أر منه شيئًا سلبيًا لا لى ولا للمثقفين، ولم يطلب منى أبدًا أن أطلب من كاتب بعينه أن يكتب عنه شيئًا أبدًا.

 

طلبت من المثقفين دخول الحظيرة.. لكنهم فهمونى خطأ

 

 سألت فاروق حسنى بشكل مباشر: من هو أول من أطلق كلمة الحظيرة، التى أردت أن يدخلها المثقفون؟

 

رد بسرعة: أنا كنت أول من أطلقت هذه الكلمة، ولا عيب فيها على الإطلاق، قصدت أن نكون جميعًا فى مكان واحد، ثم أن هناك من يستخدمون تعبير «حظيرة الإسلام»دون أن يغضب أحد، وبعدين يا ريت المثقفين كانوا دخلوا الحظيرة فعلًا، هو أنا كنت باشتغل لمين، كنت باشتغل للثقافة والمثقفين، ولا يستطيع أحد منهم فى أى وقت أنيدعى أنه طرق بابى ولم أقم معه بالواجب، أنا لم أرد أحدًا على الإطلاق.

 

قلت له: هل معنى هذا أنك كنت تدير الوزارة والعمل الثقافى كله بمنطق سيف المعز وذهبه؟

 

قال: أبدًا... لا سيف المعز ولا ذهبه، أنا أصدرت جريدة القاهرة، وكان على رأسها يسارى كبير ومثقف عملاق هو الأستاذ صلاح عيسى، لم أطلب منه فى أى لحظة أنيدافع عنى، بل قلت لمجلس تحرير الجريدة الذى اختاره الأستاذ صلاح بنفسه، ملكوش دعوة بأى حاجة تخصنى أنا كفيل بها، ولو كنت أريد أن تدافع الجريدة عنى، كنتسأطلب هذا مباشرة، لكنه لم يحدث مطلقًا.

 


جمال الغيطانى صديق ولا أحمل له أى ضغينة

سألت فاروق حسنى: هل سألت على صحة الكاتب الكبير جمال الغيطانى، الذى دخل فى أزمة صحية ضخمة منذ أيام؟

لم يتعجب فاروق حسنى من سؤالى، وكأنه كان يتوقعه، فالجميع يعرفون ما كان بينهما، تقريبا كان جمال الغيطانى هو الأعنف والأكثر صخبا فى نقده لفاروق حسنى، بل كان صاحب اتهامه بالتضليل، وهى الكلمة التى أخذ منها عنونا ضخما لجريدته «أخبار الأدب» فى وقت كان فاروق حسنى فى عز مجده.

قال: «طبعا سألت على جمال أكتر من مرة، وجمال كان بيجينى زمان هو ويوسف القعيد، وكنا بنتغدى مع بعض ونقعد نتكلم فى كل شيء، فمفيش أى ضغينة بينى وبينه، على العكس تماما، أنا أحترم إبداعات جمال الغيطانى جدا، لأنه استطاع أن يجمع أشياء كثيرة ومهمة جدا من تراثنا، ثم أعاد إنتاجها للناس بشكل عصرى، وهى مسألة نحتاجها بشدة فى المعرفة، ثم إن جمال أنا اللى عينته فى المجلس الأعلى للثقافة، وعندما ترشح لجائزة الدولة التقديرية، حصل عليها وكنت وزيرا، وأنا أعطيته صوتى يومها».

لا أتحرك كثيرا.. وخرجت فقط لمشاهدة الفخرانى

 سألت فاروق حسنى: هل تتابع النشاط الثقافى الآن، هل تذهب إلى الأوبرا، هل تتردد على السينما؟

قال: «لا طبعا... أنا لا أخرج كثيرا، لكنى مرة واحدة ذهبت إلى المسرح، تلقيت دعوة من الفنان الكبير يحيى الفخرانى، لمشاهدة مسرحية ألف ليلة وليلة، والحقيقة أنا رحت عشان يحيى من ناحية، ومن ناحية ثانية، لأنى كنت قدمت المسرحية دى فى قصر ثقافة الأنفوشى سنة ١٩٧٠، وكان بدر الدين أبو غازى هو وزير الثقافة وقتها، كل اللى شاركوا من مغنيين وممثلين كانوا هواة من الأنفوشى، وكان المخرج هو المحترف فيهم، وحضر الوزير ومعاه سعد الدين وهبة، وقال لى: المسرحية دى لازم تتعرض على مسرح الأوبرا فى عيد ميلاد بيرم التونسى فى ٥ يناير، وعرضناها على مسرح دار الأوبرا قبل ما يتحرق.

ولما بقيت وزير فكرت فى تقديم نفس المسرحية، لأنها ممكن تجذب ناس كتير للمسرح، ويومها جبت يحيى الفخرانى ولطفى لبيب وعلى الحجار وأنغام، وعرضناها على مسرح الجمهورية سنة ١٩٩٤. لما دعانى يحيى قلت أشوف المسرح، لكن أول ما دخلت زعلت جدا من الترميمات اللى حصلت للمسرح، يعنى فيها حاجات صغيرة كان ممكن تخلى الترميم أفضل، لكن فى النهاية قلت: مليش دعوة».

عملوا زفة للقذافى.. لكن أنا محضرتش

 سألت فاروق حسنى: فى عهدك عملتم زفة للقذافى، عقدتم له ندوة فى معرض الكتاب، وتم تقديمه على أنه روائى كبير، وأديب عظيم، وأصدرت هيئة الكتاب مجلدًا ضخمًا كتب فيه عدد من الكُتَّاب والروائيين المصريين نقدًا عظيمًا فى أدب العقيد، ما الذى يجعلك تفعل هذا، هل تدخلت السياسة؟

قال بسخرية شديدة هذه المرة: صحيح عملوا له ندوة فى معرض الكتاب، لكن السؤال هل أنا حضرت الندوة، إطلاقًا، أما عن الكتاب الذى صدر عن القذافى، فكان أهواء شخصية من رئيس الهيئة العامة للكتاب، يجوز جدًا، وممكن تسألنى: ليه لم أتدخل لأمنع ما يحدث، وسأقول لك: وأنا أمنعه ليه، عشان المسئول يقول الوزير منعنى، أنا لم أكن أتدخل فى عمل المعاونين لى، عاوز تعمل حاجة اعملها لكن أتحمل مسئوليتها، أمال أنا منحته سلطات وزير له؟