الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

محمد الباز يكتب: "الحرب على السلفيين".. الموجة الثالثة من معركة تنظيف مصر

قبل أن يصبحوا واقعاً علينا تغييره وإزاحته من طريقنا

محمد الباز
محمد الباز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«النور» يخطط لاقتناص أغلبية البرلمان لتنفيذ أفكاره
الحزب تعلم من «الإخوان» أن يحتفظ بعقيدته.. ولا يصطدم مع الشعب
الدعوة السلفية وحش كامن يريد أن يلوّن المجتمع بلونه
السلفيون انضموا لخطاب «السيسي» لأنها فرصتهم الوحيدة فى البقاء
لدىّ رؤية خاصة ومحددة لما حدث فى مصر منذ ٢٥ يناير، فقد كانت فى مواجهتنا طبقات خانقة، تهدر كل فرصنا فى التقدم والنهوض، والمؤكد أنها لم تكن منفصلة، حرصت بإصرار وتخطيط على أن تكون متشابكة، مصالحها تداخلت، فحرص كل طرف على أن يبقى على الآخر، ورغم الصراع الظاهر بينها، إلا أن لغة الصفقات والتفاهمات كانت عاملا مشتركا بينها دائمًا.
استطاع الشعب أن يزيح رأس الطبقة الأولى فى ١١ فبراير ٢٠١١، عندما أجبر حسنى مبارك على التخلى عن منصبه، وبدا للبعض أن النظام سقط، إلا أن التجربة العملية أثبتت أن فلوله باقية، بل تحاول حتى الآن تعمل من أجل البقاء والعمل والمشاركة، وقد تستمر محاولاتهم لسنوات قادمة، إلا أن صيغة نظام مبارك ستنتهى لأنها لم تعد صالحة للاستهلاك السياسي.
كانت طبقة نظام مبارك تعمل من خلال استبداد سياسى واضح، تم إجهاض الحركات المعارضة، وقام المسئولون عن إدارة البلاد فى المؤسسات المختلفة بتجريف الأرض تماما، فقد كان همهم أن يصنعوا أجيالا غير قادرة على أن تقف على قدميها، أو تصلب ظهرها، ليطيب الحكم لهم ولأبنائهم من بعدهم، ولأن الاستبداد السياسى لا يعيش إلا فى مستنقع من الفساد، فقد كان الفساد هو اللغة العامة التى يتحدث بها الجميع.
لم يخرج الشعب المصرى على مبارك فقط لأنه ظل فى الحكم أكثر مما ينبغى، ولا لأنه بالمناسبة كان يريد توريث ابنه حكم مصر من بعده، أو على حياة عينه، ولكن لأنه بسياساته صادر أى أمل فى المستقبل، ووجدت الأجيال الجديدة نفسها بلا أمل، فخرجت تصنع الأمل بنفسها، دون انتظار لمن يصنعه لها، ولهذا رقصوا فى الشوارع عندما أزاحوا مبارك، فقد كانوا يعتبرونه العقبة الكبرى فى طريقهم إلى ما يريدون.
لن أناقش هنا حالة السفه التى بدا عليها من ثاروا على مبارك، وهى الحالة التى أضاعت من بين أيديهم ما صنعوا، لكن النتيجة فى النهاية أن طبقة كثيفة زالت من على قلب الوطن، شبيهة بطبقة دهون سميكة أدت إلى إصابته بتصلب شرايين، فجعلته غير قادر على الحركة، فبدا عجوزًا لا ينتظر شيئا إلا الدفن سترًا له.
كان من المفروض أن يصعد الذين صنعوا الثورة باعتبارهم الورثة الشرعيين للنظام إلى الحكم، فى ظل مؤسسة وطنية دعمت الثورة من يومها الأول وساندتها، وقد قدمت الدعم السياسى لبعض الأحزاب المدنية الجديدة، فى مواجهة أحزاب وحركات وجمعيات الإسلام السياسي، إلا أن هؤلاء الشباب لم يكونوا قد تأهلوا للعمل السياسى بما يكفى، فتم فرمهم بسرعة، لتتصدر الطبقة الثانية المشهد، وهى طبقة جماعة الإخوان المسلمين، التى استطاعت بما لديها من خبرات سياسية وقدرة على نسج المؤامرات الوصول إلى السلطة، بعد أن خدعت الجميع، بمن فيهم شباب الثورة، الذين رقصوا فرحًا لوصول محمد مرسى إلى قصر الاتحادية، مرددين فى تهافت واضح، أن ما بينهم وبينه مجرد خلاف سياسى وفكر يمكن استيعابه، بل يمكنهم معارضته، دون أن يعرفوا أنهم عندما يعارضونه ستقتلهم جماعته، وهو ما حدث بالفعل.
كان مهما أن ينتفض المجتمع من جديد، والهدف هذه المرة هو إزالة الطبقة الثانية من العفن الذى عشش فى أركان البيت المصرى منذ سنوات طويلة، دون أن يشعر به كثيرون.
لم ينتبه الذين هتفوا بأن الشعب يريد، أن النظام لا يعنى حسنى مبارك والعصابة التى كانت تعمل معه فقط، ولكنه كان يضم أيضًا المعارضة التى تخلت عن دورها، وراحت تعقد الصفقات معه، وفى قلبها جماعة الإخوان المسلمين، وكان الثمن هو أن ندفع عاما من حياة الوطن فى أسوأ تجربة حكم، وأن ندخل فى مواجهة دامية مع الجماعة وحلفائها.
استطاع الشعب للمرة الثانية، وبدعم من القوات المسلحة ومساندتها، أن يزيل الطبقة الثانية التى خنقته، ورغبت أن ترث نظاما مستبدا، بآليات نظام فاشي، يرير أن يصادر الوطن لمصالحه ورؤيته الخاصة، ورغبته فى أن يعوض ما فاته، معتقدا أن له حقًا تاريخيًا، زاعما أنه كان معارضا ودفع ثمن معارضته، من سجن وتشريد ومصادرة الأموال، رغم أن الإخوان لم يصبحوا مليونيرات إلا فى ظل نظام مبارك، متجاهلين أنهم كانوا سببا مباشرا فى إطالة عمر نظام مباك، وتمكينه من رقبة البلاد والعباد.
بعد طبقة مبارك الفاسدة وطبقة الإخوان الفاشية، تبقى أمام المصريين طبقة ثالثة، كانت متداخلة وبشدة مع الطبقتين السابقتين، وهى طبقة السلفيين بتشكيلاتهم المختلفة، وحزبها السياسى الذى لعب أدوارا قذرة، منذ ظهوره على الساحة السياسية فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير.
حزب النور ومن ورائه السلفيون الذين يسيرون على نهجه، يملكون كل أدوات البرجماتية السياسية، ولذلك فهم أخطر من جماعة الإخوان ألف مرة.
لا تنخدع عندما تسمع قيادات حزب النور، أو من يساندونهم من شيوخ السلفية الكبار، يقولون إنهم تعلموا من درس الإخوان المسلمين فى السلطة، فالدرس الذى تعلموه لا يعنى أنهم سيتخلون عن أفكارهم التى تتعارض مع ثوابت المجتمع المصرى، ولكنهم تعلموا ألا يصطدموا فقط مع هذا الشعب، حتى يتمكنوا منه رقبته، وبعدها يمكن إخضاعه لما يريدون دون عناء.
لقد تربى السلفيون فى كهوف عصر مبارك المظلمة، كانوا نتاجا مباشرا لسياسات أمن الدولة، فى تخليق معادل موضوعى لجماعة الإخوان، رأى المسئولون فى أمن الدولة أن جماعة الإخوان تلعب بالدين، تسيطر على المساجد، يأخذون الناس إلى صفوفهم باسم الله، ولأن الدولة لن تلعب لعبة الدين، فقد رغبت ألا تلوث يديها، فدفعت السلفيين ليكونوا فى مواجهة الإخوان، وعلى خلفية هذه الخطة، حصلوا على ما يريدون من مساجد وقنوات فضائية، وتمكنوا من العمل دون عناء، ولذلك فهم أيضا كانوا أداة من أدوات عصر مبارك، والشواهد على ذلك كثيرة.
وعندما صعد الإخوان المسلمين إلى الحكم، نسى السلفيون ما كان بينهم من عداء وخصام وخلافات سياسية وأيديولوجية، سارعوا بالارتماء فى أحضانهم، عملوا معهم، ودخلوا قصر الرئاسة فى أيديهم، فكان من بينهم مساعد للرئيس ومستشار له، بل دخل شيوخ السلفية الكبار إلى قصر الرئاسة، وجلسوا مع محمد مرسى على الأرض، ليتناولوا الطعام على طريقتهم، وسجلت الصورة الحلف بينهم، الذى كان لابد له من العيش والملح، وهو العهد الذى لم يصنه السلفيون، فعندما رأوا أن مصالحهم تتعارض مع الجماعة الحاكمة، أخذوا موقف المعارض، ولم تكن المعارضة لمصلحة الوطن، بل كانت بدافع الحفاظ على مصالحهم وبقائهم.
يحتج علينا حزب النور والذين معه، بأنهم كانوا كتفا بكتف مع من أعلنوا بيان ٣ يوليو، الذى عزل به الشعب محمد مرسى من السلطة، وأخرج جماعة الإخوان من الحكم، ولذلك فمن حقهم أن يشاركوا فى حكم البلاد، وأن يكون لهم تواجد على الخريطة السياسية، وهى حجة باطلة، فلم يتواجد السلفيون الرسميون فى المشهد، قناعة منهم بأن مرسى يستحق العزل، ولكن لأنهم رأوا فرصتهم الوحيدة فى البقاء أن يحتلوا جزءا من الصورة، فلو انضموا إلى الإخوان، لكان مصيرهم واحدا، وهو المطاردة فى الشوارع، والإبعاد عن الصف الوطنى.
يتنازل السلفيون عن كل وأى شىء من أجل البقاء، لقد أسسوا حزبهم (النور) على أساس دينى، فاخروا وتفاخروا بهذا، هم فى الأساس ليسوا إلا الذراع السياسية للدعوة السلفية بتشددها وتخلفها ورؤيتها التى تخالف كل ما اتفق عليه المجتمع المصرى من قيم ومبادئ عامة، لكنهم عندما رأوا أن المجتمع لا يريد أن يتصالح مع أى حزب دينى، تنكروا لما سبق أن قالوه، بل أعلنوا أنهم ليسوا إسلاميين من الأساس، وكأن حزب النور يريد أن يقنعنا أنه أصبح فى يوم وليلة حزبا مدنيا، يؤمن بأولويات الدولة المصرية.
الكارثة التى تواجهنا الآن أن هناك حالة من التساهل مع ما يفعله حزب النور، بل يمكن أن تلاحظ محاولة لفتح الطريق أمامه، وتمكينه من التواجد على الساحة السياسية، بل هناك بعض من التمهيد للأرض أمام أعضائه ومرشحيه للدخول الى البرلمان، دون أن نعرف أى مبرر لهذا، اللهم إلا إذا كان هناك من يعمل بقناعة أن حزب النور بتكوينه السلفى يمكن أن يكون مفيدا لمصر خلال المرحلة القادمة، وهذه مصيبة أخرى فى حد ذاتها.
يخطط حزب النور الآن لاقتناص الأغلبية فى البرلمان، لأن هذه فرصته الوحيدة فى أن يكون شريكا فى الحكم، فعندما يضع يده على البرلمان سيستطيع أن تكون له اليد العليا فى تنفيذ أفكاره، وفرض رؤيته.
ستسأل: وماذا عن رؤية الحزب، ومن وراءه، من يدعمونه شرعيا من خلال الفتاوى والآراء الراسخة فقهيا؟ سأقول لك إننا أمام وحش كامن، يريد أن ينسخ الشخصية المصرية، أن يلون المجتمع بلونه، لا يختلفون عن الإخوان المسلمين فى شىء، فإذا كانت فكرة الوطن منعدمة عند الإخوان، فهى هكذا عند السلفيين، هم لا يقفون تحية لعلم وطنهم اعتقادا أن هذا حرام، ولو احتج أحدهم بأن يونس مخيون رئيس حزب النور، وقف أثناء السلام الجمهورى فى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، سأقول لك واثقا، إن هذا لم يكن سوى استراتيجية مؤقتة، فهم لا يريدون استعداء المجتمع عليهم، لا أكثر ولا أقل، لديهم الضرورات تبيح المحظورات، والسلطة عند السلفيين الآن أصبحت ضرورة من أجلها يمكن أن يفعلوا أى شىء.
الآن ليس أمامنا إلا أن نمنع الوحش من دخول بيتنا، أغلقوا الطريق على شياطين حزب النور، لا تمكنوهم من دخول البرلمان، فليس منطقيا أن تربى وحشا فى حجرك، ثم تشكو أنه قتلك، العقل يقتضى أن نتحرك الآن، وإلا فلا تلوموا إلا أنفسكم، انتزعوا الطبقة الثالثة من العفن السياسى والدينى عن أنفسكم، الآن وليس غدًا، فلن يفعل ذلك إلا أنتم، لا تمنحوهم أصواتكم، واحذروا أن تكون أصواتكم لعنة عليكم غدًا.