الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سامح الأسواني يكتب عن بشير عياد

سامح الأسوانى
سامح الأسوانى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعرفه منذ عام 2007، لكن لم نلتق إلا هذا العام، كما لو كان لقاء المودع، بين الزمنين، لم ينقطع التواصل في العالم الافتراضي، الذي انطلقت معرفتنا منه.
كنت قبل سنوات مشرفا، على قسم المأثورات الشعبية المصرية، في واحد من أكبر المنتديات المتخصصة في التراث الموسيقي العربي، "منتدى سماعي للطرب العربي الأصيل"، أتابع كل ما "يرفع" من ملفات للأغاني الشعبية، "الفلكلور"، وليس "السح الدح أمبو"، وأجيز منه ما يصلح لسياسة المنتدى، الذي كان حريصا على "الأصيل" فقط من الفنون.
ولفترة طويلة تلبستني حالة "المشرف/ الرئيس/ السلطة"، وصرت أجيز هذا وأمنع ذاك، من دون أن تحكمني أية معايير سوى "ذائقتي"، وفقط، إلى أن نزل علي "البشير" بـ"دش بارد"، جعلني أفيق من أوهامي!
في المنتدى ظهر "عضو جديد"، صرنا أصدقاء فيما بعد، ظل يقضى ساعات النهار والليل في رفع ملفات لمشهورين وغير مشهورين في عالم الفلكلور: مداحون، ومبدعو مواويل، ورواة للسيرة، بحاروة وصعايدة وبدو، وكنت أقضى وقتا طويلا في ملاحقته، ومتابعة مدى جودة الأعمال ونقاوة الأصوات، وذات يوم رفع أغنية لأحد مطربي البدو، كنت أجهله، ولم يعجبني أداءه، وفق ذائقتي، وكتبت تعليقا "جلفا"، خاليا من الذوق واللياقة، "أعلمه" فيه كيف ينتقي الأعمال "الأصيلة"، ولا يحشو "السريفير" بما هو ليس ضروريا، الحقيقة أنني كنت قاسيا جدا، لذا كان رد بشير عياد مثل سيف.
لم يقف عياد كثيرا أمام تعليقي السخيف، لكنه أنهال على "العضو"، مدحا وشكرا، لأهمية ما يقدمه للمنتدى من أعمال نادرة، يصعب أن يصل إليها شخص واحد غيره ما يعكس ولعه بالمأثور الشعبي على نحو مدهش، وظل يثني على الصديق، وهو أحمد عبد الهادي الشهير بالشيخ أحمد، .. هذا الرد جعلني أخجل من نفسي، وأعيد حساباتي فيما يتعلق بـ"ذائقتي الحاكمة"، ليس في هذا الموقف فقط، ولكن في كل ما جد في حياتي.
وطوال سنوات ظللت أتابع الشاعر الكبير بشير عياد، واستمع إليه في اللقاءات التلفزيونية والإذاعية، وأقرأ مقالاته الساخرة، خاصة تلك التي تهاجم شخصيات ترى في نفسها أنها "زعيمة الحركة الأدبية"، كما تتبعت مشروعه حياته الضخم والموسوعي عن السيدة أم كلثوم، الذي كان حريصا على التدقيق فيه والتوثق من كل ما ذكر به، حتى أنه هدمه وبناه ذات مرة بسبب خبر صغير عن "الست" نشر قبل عقود.
قبل شهور، دعاني الباحث والكاتب والموسيقي هيثم أبو زيد، وهو أيضا أحد أهم المولعين بكوكب الشرق، إلى ندوته التي تعقد الخميس الأول من كل شهر، وكان بها الشاعر الكبير، كانت المرة الأولى التي ألتقيه، وبروحه الودودة عانقني على الفور، واستعدنا ذكريات منتدى سماعي، ثم انطلق بفصاحته المعهودة يتحدث عن موجات التدمير التي ضربت التراث الإذاعي، والتي بدأت مع ثورة 25 يوليو، واستمرت بشكل متقطع، حتى جاء فيضان صفوت الشريف، الذي حول ماسبيرو إلى "مبنى للعائلات"، وفق تعبير عياد.
رحل الشاعر الكبير، في أغسطس، من دون أن ينجز مشروعه الضخم، الذي كان على وشك الظهور للنور، لكني على ثقة أن أصدقاءه المخلصين لن يغفو لهم جفن، حتى تكون موسوعته بين يدي القراء العرب.