الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رائد في الفانتازيا.. رائع في الواقعية.. وصاحب قضية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعود إلى فنان السينما وعلمها الكبير الذى فقدناه رأفت الميهى «وفى ذكرى الأربعين».. والحق أن الميهى لم يكن فحسب أحد أقطاب كتابة السيناريو المتميزين فى كل تاريخ السينما المصرية، ولم يكن فحسب مبدعاً صار أحد مخرجينا الكبار إلى جانب كتابته السيناريو باقتدار، وإنما هو «فنان سينما»، بمعنى الفنان السينمائى الشامل (وبالمعنى الذى يعرف فى السينما لدى غيرنا فى العالم بـ «إنسان السينما»).
لكن أكثر من ذلك كله، وقبله، نقول: إن الميهى.. مبدع (صاحب قضية)، بكل ما فى هذا التعبير من أبعادٍ ومعانٍ.
لقد كان كذلك من الابتداء والمستهل، وهو ضمن طليعة الشباب المثقف المنتمى إلى بلاده وقضايا تقدمها على مختلف الأصعدة، فى ستينيات القرن العشرين، الموهوب قصّاصًا وروائيًا وكاتبًا للسيناريو السينمائي، لكن الأهم: المهموم بانطلاق فن السينما فى مصر صوب أحدث وأرحب الآفاق، وليتجاوز هذا الفن كل واقع ووقائع السينما السائدة وقوانين سوقها، إلى سينما جديدة.. فكان بالفعل فى صدارة الكتيبة الشابة، المرموقة والباسلة، التى أسست أداة ثورية سينمائية فى أخريات الستينيات باسم «جماعة السينما الجديدة»، والتى أعلنت بيان الجماعة الثورى التاريخي، وقد أنتجت الجماعة أفلامًا، لكن الأهم أنها مثلت فى اعتقادنا حدثًا ثقافيًا رفيعًا ثوريًا بكل معانى الكلمة، لا مثيل له من قبل أو بعد، ولا يزال بحاجة إلى دراسة على مستوى جديته وطليعيته.. وروحه: نعم.. كم نحن فى أشد الحاجة إلى ما يمكن أن نطلق عليه فى ثقافتنا الوطنية (روح جماعة السينما الجديدة).
قدم الميهى بعض روائع السينما المصرية فى السيناريو، منذ (جفت الأمطار) إخراج سيد عيسى (١٩٦٧) أحد أفضل أفلام الستينيات، مروراً بـ (على من نطلق الرصاص) إخراج كمال الشيخ (١٩٧٥) أحد أفضل أفلام السبعينيات، إلى سيناريو فيلمه الأول الذى أخرجه (عيون لا تنام) عام ١٩٨١، ومجمل سيناريوهات الأفلام التى كتبها وأخرجها منذ الثمانينيات، وشارك بها فى حركة تجديد السينما التى انطلقت مع مطلع ذلك العقد المميز فى سينمانا، والذى كان حصادًا لمجمل الجهود الفذة لذلك الجيل منذ الستينيات.. ومرة أخرى، لقد كتب وأخرج (وأنتج أيضًا) رأفت الميهى أفلامًا رائعة.. لكن يظل الأخطر أنه صاحب قضية، أسهم بأعماله فى صرح حركة تجديد حقيقية، تزداد قيمتها كلما مر الوقت ومضينا فى تأملها.
وليس صحيحًا أن تميزه فحسب فى السينما ذات الطابع الفانتازي، بل أن الميهى رائع فى السينما الواقعية، بقدر ما هو رائد فى سينما الفانتازيا لدينا، على سبيل المثال (للحب قصة أخيرة عام ١٩٨٤)، نموذج راقٍ للسينما الواقعية، بقدر ما ستظل الثنائية السينمائية (الأفوكاتو ١٩٨٤ سمك لين تمر هندى ١٩٨٨) نموذجًا مثيرًا للدهشة وللمناقشة ورائدًا فى سينما الفانتازيا المصرية والعربية.
وقد استمر الميهى رجل سينما.. وكذا رجل قضية، إلى آخر يوم، فلا أنسى كم كان سعيدًا فخورًا حينما دعانا إلى «ستوديو جلال» أحد مشروعاته التى تحمس لها، نحن أصدقاؤه من نقاد جمعية نقاد السينما المصريين، وكيف كان يتفقده معنا ويعلق على مكوناته.. وحتى يقارنه، مقارنة لصالحه، مع «مدينة الإنتاج الإعلامي» للدولة، مؤكدًا ومشيرًا إلى أن: «الحركة والتعبير سهل فى هذا الاستوديو.. بينما البنايات والمناظر فى مدينة الإنتاج ثابتة جامدة، ومن ثم فإن ظهورها دون تغيير وكما هى فى مختلف الأعمال الدرامية التى تصور.. ما يسلب أو ينتقص من القيمة الفنية للأعمال».
وقد جعل من قاعة رحبة (أقرب إلى مسرح مكشوف) فى هذا الاستوديو المتميز، مكاناً دعانا فيه إلى لقاءات موسعة، بينها ذات مرة أمسية حافلة بالنقاد والفنانين فى وداع وتحية روح الباحث السينمائى العظيم «عبد الحميد سعيد»، وأخرى مماثلة فى تأبين وتحية اسم وإسهام الناقد السينمائى الرائد فتحى فرج، وأذكر أنه كانت تشاركنا بحضورها الراقى الفنانة الكبيرة والصديقة الغالية نادية لطفي، متعها الله بوافر الصحة وطول العمر.
نعم كان الميهى معلمًا عبر المدرسة التى أسسها فى ستوديو جلال لتعليم فنون وعلوم السينما، وفى غيرها ولعدة أجيال.. وكان الميهى فنان سينما ورجل سينما طليعيًا ومجددًا ورائدًا.. وكان الميهى مبدعًا لا يشق له غبار لأعمال خلابة ليس لها مثيل وباقية على مر الزمان.. وكان أيضًا أديبًا صاحب نصوص روائية جميلة جديرة دومًا بإعادة التأمل ومعاودة الاستمتاع.. لكن كان كل ذلك وغيره من جهود واجتهادات، نابعًا أصلاً وأولاً وطول الوقت، من حركته الدؤوبة مبكرًا وإلى آخر مدى وحتى آخر رمق.. «كرجل قضية»: بكل وأرقى ما فى التعبير أو الاصطلاح من معنى ومغزى.
وبعد.. دعاء:
اللهم امنح الطاقة والصحة والعافية للفنانين العمالقة: مديحة يسرى.. نادية لطفى.. جميل راتب.
اللهم كن فى عون، وأتمم شفاء الفنانة الرقيقة الراقية النقية نجلاء فتحى.. والفنان المتميز القدير عزت أبو عوف.. والأديب المبدع الكبير جمال الغيطانى.