رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

ارحموا مَن في الأرض

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من أمام مستشفى المنيرة بالقرب من محطة سعد زغلول، استوقفنا منظر أصابنا بالقشعريرة والخوف من الحساب، فماذا سنقول لرب العزة ومن المحاسب عن مثل هذه الحالات، فهناك وعلى الرصيف الساخن وسط القمامة لن تتخيل أن القطط مرت أمام أعيننا على جثة هامدة ملقاة على بطنها في الأرض، للوهلة الأولى تكهنا بأن يكون الرجل الفقير نائمًا أو ميتًا وإلا فلما لا يدفع القطط عن ظهره، ولماذا يبدو هكذا متجردًا من نصف ملابسه وتُغَطِّيه فقط قطعة قماش.
اقتربنا من الرجل وإذا بعينين محدقتين.. ووجه غابر.. وملامح أكل منها الرصيف أكثر مما شرب، جسد به روح تتوسل للموت أن يقبضها، ولكن الله لم يأذن بعد، ولم يحن الميقات، مسن يموت بالبطيء، سألناه عن اسمه فأجاب ربيع طه، عمال المترو أكدوا لنا أن حالته تزداد سوءا يوما بعد يوم، وأنه ليل نهار يتوجع ولا يقوى على الحركة، صحته في تدهور مستمر، ورغم هذا لم يلتفت لحالته أي مسئول، كل من يأتي يضع أمامه جنيهات أو وجبات ويرحل، ويأتي أطفال الشوارع ويأخذون ما وضعه المارة.
شهور والرجل في مرقده أو إن صح التعبير في مقبرته، والسؤال لماذا لا يتم نقله لمستشفى المنيرة التي تبعده بخطوات ليفارق فيها الحياة بشكل كريم؟ رائحة الرجل لا تطاق، والحشرات تحاوطه من كل اتجاه، ملابسه شديدة الاتساخ، وهو ما أجبرنا على الوقوف والاستعانة بأحد الشباب لمساعدة الرجل الذي كان ملقيًّا على بطنه، ومتكشفًا نصف جسده الأسفل، لقلبه على ظهره.
سألنا الرجل مرة أخرى: عم ربيع.. تحب نتصل بالإسعاف تأخدك؟ فإذا به يجيب: لا.. أمر الله هيجي هنا.. ابقي تعالي بس شقري عليا من وقت للتاني أنت والشاب اللي معاكي دا.. ولو ملقتنيش قولي الله يرحمه.
انصرفت ولم تنصرف عني أسئلتي.. ألهذا الحد أصبح الفقير مهان؟ أتملكت منا قساوة القلوب؟ أم أننا أمنا العقاب فأسأنا الأدب، ولم نعد نخشى الله أو نتقيه في ضعاف خلقه، الرجل لا يحتاج منا فقط ماء ووجبات ونظرات شفقة ممزوجة بدموع على سوء المصير، الرجل مواطن له حقوق يجب أن تؤدى، أبسطها نقله لمستشفى قبل أن يفارق الحياة على هذه الحالة ونحاسب جميعًا أمام الله.