الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

كاتب بريطاني: "العسكرة" إغواء خطير تتعرض له الصين

 الرئيس شي جين بينغ
الرئيس شي جين بينغ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال الكاتب البريطاني جدعون راخمان إن الاستعراض العسكري الضخم الذي ستشهده العاصمة الصينية بكين الخميس إذا كان يشير إلى حادث وقع في الماضي ، فإن كثيرين في منطقة آسيا - الباسيفيكي سيرونه رسالة مزعجة بشأن المستقبل.
وأضاف راخمان - في مقال نشرته الـفاينانشيال تايمز - أن حكومة الصين أرادت بالاستعراض العسكري إحياء الذكرى السبعين للانتصار في الحرب على العدوان الياباني، لكن في القرن الحادي والعشرين تنتاب العديد من الدول الآسيوية مخاوف من احتمالية نشوب عدوان صيني عليها.
وأشار إلى أن الصين لم تحلّ نزاعات إقليمية مع العديد من جيرانها ، وأن كلا من فيتنام والهند واليابان والفلبين تشكو من توغلات تقوم بها الصين مدعومة بالقوة العسكرية في تلك المناطق محل النزاع، وفي هذا العام تحديدا شرعت الصين في مشاريع "إنشاء جُزر" في بحر الصين الجنوبي تمهيدا لجعلها مهابط للطائرات ومواقع عسكرية على نحو كفيل بتعزيز دعاوى الصين بأحقيتها في آلاف الأميال في المياه الإقليمية بعيدا عن أراضيها.
وحذر راخمان من أن هذه العسكرة الصريحة هي توّجه خطر ومجازفة، إذا وقع فيه خطأ، فقد يتدمر النظام العالمي الذي أتاح الأساس للنجاح الاقتصادي المذهل الذي حققته الصين على مدار الأربعين عاما الماضية.
ومنذ حقبة السبعينيات من القرن الماضي، أدرك قادة الصين المتعاقبون أن التحول الاقتصادي لبلدهم اعتمد على العولمة والعلاقات السلمية مع شركائهم التجاريين الرئيسيين، وللإعلان عن هذا التوجه رفع هؤلاء القادة شعارات مثل "نهضة سلمية" و"عالم متناغم".
وفي ظل الرئيس شي جين بينج، بدت الصين أكثر ميلا إلى اتخاذ مسلك أكثر تشددا على صعيد النزاعات الإقليمية التي تنظر إليها كمكون أصيل من مصالحها الوطنية، وهذا في حد ذاته انعكاس للقوة والضعف على السواء: فمن جانبٍ ، تقف الصين الآن كأضخم قوة اقتصادية عالمية، قياسا على بعض المعايير، ومن هذا المنطلق ربما يشعر الرئيس الصيني وحكومته أن بلده بات قويا على نحو كاف يؤهله لاستخدام قوته بشكل أكثر مباشرةً ، كذلك يرى خبراء استراتيجيون في الصين أن أمريكا لن تجازف بصدام مع الصين بسبب تايوان أو بحر الصين الجنوبي.
لكن إغواء العسكرة ربما يقوى في ظل صعوبة المرحلة الاقتصادية الراهنة التي تواجهها الصين بعد أن توقف صعودٌ شهدته سوق الأوراق المالية في البلد طوال عام كامل على نحو تباطأ على أثره نمو الاقتصاد، إضافة إلى أن حملة الرئيس بينغ المناوئة للفساد أثارت حالة من الاستياء في الصف الأول من قيادات الحزب الشيوعي ، فضلا عن شيوع حالة من الاستياء الشعبي غير المسبوق في تاريخ الصين الحديث من أن الأغنياء وأصحاب النفوذ يضربون بالقوانين واللوائح عُرْض الحائط.
وسط هذه الأجواء، تبدو إقامة استعراض عسكري وطني فكرة ممتازة لحشد الدعم الشعبي وراء الحزب الشيوعي وقيادته.
ومن المقرر أن يمر الاستعراض العسكري عبر ميدان "تيانمين" الذي شهد تظاهرات الطلبة عام 1989 وهو نفس العام الذي أرسى فيه الحزب الشيوعي شرعيته على قاعدتين: الأولى "نمو اقتصادي قوي"، والثانية "النزعة الوطنية"، ومع تعثر النمو الاقتصادي، فثمة إغواء قوي واضح للاعتماد أكثر على القاعدة الباقية وهي النزعة الوطنية.
غير أن اللعب بورقة النزعة الوطنية يثير مجازفات جديدة يمكن أن تظهر في صورة توترات واضحة عبر منطقة آسيا - الباسيفيكي، في وقت تمضي فيه اليابان نحو إعادة النظر في دستورها بحيث يمكنها نشر جيشها للقتال في الخارج ، كما أعلنت البحرية الأمريكية للتو عزمها إرسال المزيد من السفن إلى منطقة آسيا - الباسيفيكي، وتحديدا بحر الصين الجنوبي، فيما أعلنت استراليا مؤخرا زيادة إنفاقها الدفاعي وتعزيز تعاونها العسكري مع أمريكا، بالمثل تعزز الهند، وهي ثاني أكبر مستورد أسلحة في العالم، علاقاتها العسكرية مع أمريكا.
ومضى راخمان قائلا "بالطبع، مقارنة مع الفوضى العنيفة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، أو ساحة الحرب في أوكرانيا ، يبدو الموقف في منطقة آسيا - الباسيفيكي أكثر هدوءا، لكن إذا كانت التوترات في آسيا أقل درجة منها في الشرق الأوسط، فإن المخاطر أعلى سقفا في الأولى عن الثانية ؛ ذلك أن التوترات العسكرية في منطقة آسيا - الباسيفيكي أطرافها هي الصين وأمريكا واليابان: أضخم ثلاثة اقتصادات في العالم.
وأضاف راخمان "لابد أن الرئيس بينغ ورفاقه يعلمون علم اليقين أن أي صدام عسكري جاد ستكون عاقبته وخيمة على الصين، على أن الخطر الحقيقي ليس في أن الصين ستختار الحرب، لكن في أن قيادتها قد تخطئ تقدير ردود أفعال جيرانها أو أمريكا فينشأ عن ذلك صدام إقليمي أو صدام عسكري غير مخطط له في البحر قد يتصاعد إلى حدث دولي رئيسي.. وحتى إذا ما تم نزْع فتيل مثل هذه الأزمة على نحو سريع ، فإن تبعاتها السياسية قد يطول أثرها الضار على الصين والاقتصاد العالمي."
ورغم كل الحديث الراهن عن أزمة نموذج النمو الاقتصادي في الصين ، فلا تزال التوقعات تشير إلى أن الصين لايزال أمامها العديد من سنوات الرخاء المتزايد الذي لا يهدده توقف صعود مؤشرات البورصة، إنما يهدده أن تتوقف النهضة السلمية للصين على أثر الصراع مع جيرانها.
واختتم راخمان قائلا "ينبغي على قادة الصين ألا يُغفلوا هذا الخطر إذْ يتلقون التحية العسكرية الخميس المقبل."